حسن عين الحياة... فنان مغربي يرسم العيون ويتمرّد على المسرح

حسن عين الحياة... فنان مغربي يرسم العيون ويتمرّد على المسرح

11 يناير 2024
يعتبر حسن عين الحياة لوحاته تجسيداً لمشاعره (العربي الجديد)
+ الخط -

يغوص الفنان المغربي التشكيلي حسن عين الحياة في تدرجات الألوان ليُحول رُكام الفوضى إلى جهد إبداعي يفيض بالرموز والدلالات وهو ينتهج أسلوباً خاصاً لتجسيد شغفه من خلال التركيز على كيمياء العيون ليطلق العنان لأنامله في إبداع لوحات أشبه ما تكون بمقطوعات موسيقية.

بينما يتجول بين لوحاته، يقول الفنان المغربي التشكيلي عين الحياة لـ "العربي الجديد": "محترفي فضاء ضيق في مطبخي، لكنه بحجم الكون بالنسبة لي، فهو يستوعب انكساري وانفجاري وانشطاري. ألج إليه في لحظات الفرح القصوى، وفي أشد الظروف صعوبة وقساوة. وهو ملاذ آمن للاختلاء بالنفس فيما يشبه (الجذبة الصوفية) التي تجعلك ترى الأشياء من علياء، أو تنفذ إلى جوهرها المُسَوَّر بالغموض، والألوان وحدها تُفصح عن المكنون".

"نافذة على عالم لا قيود فيه"

ولد الفنان المغربي التشكيلي حسن عين الحياة عام 1978 في مدينة الدار البيضاء، وبدأ شغفه بالرسم والألوان منذ الصغر، وهو يعتبره "نافذة على عالم لا قيود فيه".

ويحكي عن طفولته قائلاً: "كنت مولعاً بالرسم، لكن ظروف الأسرة لم تكن تسمح لي بممارسته، وأتذكر أن أختاً لي في الرضاعة أهدتني يوماً عبوات معدنية صغيرة للصباغة، وكنت آنذاك قد عدت من الجامع، ولأنني لم أجد ورقة، توجهت إلى المرآة، ورسمت لوحة فيها شيء من سوريالية سالفادور دالي وبهلوانية بيكاسو وفطرية الفنانة المغربية الشعيبية طلال. وقتها لم أكن أعرف تلك الأسماء بالطبع، ولم تكن لوحاتهم متاحة حتى يشاهدها أطفال حي هامشي في (بن امسيك)، حتى إن التلفزيون الملون لم يكن متوفراً في حيّنا حتى يمكننا متابعة أخبار المعارض الفنية، بل إن الكهرباء لم تتوفر إلا عندما بلغت العشرين من عمري".

الصورة
المغربي حسن عين الحياة بين لوحاته (العربي الجديد)
يجد الفنان المغربي حسن عين الحياة الراحة بين لوحاته (العربي الجديد)

بداية مبكرة للفنان المغربي حسن عين الحياة

يتذكر عين الحياة أول رسم له، وكان خلال المرحلة الابتدائية، حين طلبت المعلمة أن يتقدم إلى السبورة، وينجز عليها الواجب المنزلي الذي طلبته منهم، وكان من أنجزه هو والده، وحتى يخفي كذبته كان عليه أن يجتاز الاختبار ويرسم ببغاء، وهذا ما كان، وزاده تشجيع معلمته حماساً. لاحقاً كان والداه أول مستقبل لأعماله، وشجعاه على صقل موهبته، ومواصلة شغفه في الرسم، والاستمرار في فن الكاريكاتير.
دشن حسن عين الحياة مساره الفني كرسام كاريكاتير عام 2001، عبر أسبوعية "كازابلانكا"، قبل أن يواصل العمل في العديد من المنابر الإعلامية. كما نشر العديد من الرسومات الكاريكاتيرية الساخرة في صحف محلية وعربية، ونظّم العديد من المعارض الخاصة، وشارك في معارض جماعية مع فنانين مغاربة، بداية من الملتقى الأول لفن الكاريكاتير في شفشاون عام 2002، وبعضها عن القضية الفلسطينية، والتي ظلت حاضرة دائماً في وجدانه، وبارزة في أعماله، سواء الكاريكاتيرية، أو المسرحية.
يقول: "نظمت في عام 2001 معرضاً خاصاً بالقضية الفلسطينية في الدار البيضاء، واليوم أتابع ما يجري في غزة بحرقة كبيرة، وأعتقد أن لوحة تشكيلية لن تترجم بالقدر الكافي ما أشعر به، لذا أنا بصدد إنجاز مسرحية، بشخوص حية، توصل الرسالة إلى الجمهور، وتترجم حجم التعاطف والتآزر الذي يكنه المغاربة للشعب الفلسطيني".
الصورة
تعبر لوحات حسن عين الحياة عن شغفه بالعيون (العربي الجديد)
تعبر لوحات حسن عين الحياة عن شغفه بالنظرات والعيون (العربي الجديد)

يبدو عين الحياة عاشقاً للمسرح، مُتيّما بالخشبة، فـ"الدنيا مسرح كبير"، كما يقول الأديب والكاتب المسرحي وليام شكسبير، مؤكداً أن "المسرح بما يمنحه من مساحات تشخيصية وتعبيرية هو سلاح لمواجهة بؤس الواقع، وهو شغفي الثاني بعد الفن التشكيلي، كونه يحاكي الواقع، ويناقش القضايا، ويشتغل بالسخرية ليحاكي الأنا الإنسانية للجمهور. بينما كل لوحة من لوحاتي عبارة عن لقطة سريعة من مشهد مسرحي متكامل، وفيها قصة وحوار خفي بين الشخوص، وتفاعل مع اللون والضوء".


ويشير إلى أنّ اهتمامه بالمسرح بدأ منذ التسعينيات عندما انخرط في مسرح الهواة مع فرقة "نجوم البيضاء"، وشارك كممثل في مسرحيات، منها "اسمع يا عبد السميع" لعبد الكريم برشيد، ومسرحية "شهرزاد" التي كتبها الأديب المصري توفيق الحكيم، ومسرحية "المولد" للكاتب محمد الظاهر، قبل أن يدخل إلى المسرح الاحترافي مع فرقة "فضاء القرية للإبداع"، والتي شخص معها مسرحية "راس الخيط" للكاتب إسماعيل بوقاسم عام 2009، ومسرحية "كلام الليل" للكاتب نفسه عام 2020، ومسرحية "الحر بالغمزة" عام 2023، ومسرحية "كلام الليل" في العام نفسه.


يؤمن حسن عين الحياة أن الإبداع رحلة لا تنتهي، وتشمل الابتكار، والتجربة، والمجازفة، وكسر القواعد، ولهذا فإن مسيرته طبعها التجريب، فعلاوة على الفن التشكيلي والتمثيل المسرحي، جرب تصميم "سينوغرافيا" عدة مسرحيات ناطقة باللغتين الأمازيغية والعربية في الفترة من 2014 إلى 2023، وشارك أيضاً في كتابة سيناريو سلسلة كوميدية مغربية، وكانت له بصمته بين عامي 2013 و2015 كمحلل في برنامجي التحقيق "مسرحي الجريمة"، و"المحتالون" على قناة تلفزيونية مغربية.

ضم معرض حسن عين الحياة الأخير 29 لوحة (العربي الجديد)
ضم معرض حسن عين الحياة الأخير 29 لوحة (العربي الجديد)

الفنان المغربي عين الحياة ورحلة الإبداع

في مجال الكتابة الصحافية، اهتم عين الحياة بالريبورتاج، والبورتريه، والتحقيق، فأصبح له أسلوبه الخاص، والذي توج من خلاله بعدة جوائز للتميز، بالإضافة إلى اهتمامه أيضاً بكتابة الشعر، ويؤكد لـ "العربي الجديد" أنه يستعد لإصدار أول ديوان شعري لي بعنوان "نشوة الصهيل".

وفي المسرح كما في الفن التشكيلي، تشكل العيون بسحرها وتفاصيلها تيمة أساسية لديه، وفي سياق إرساء معنى جديد للتذوق، انشغل عين الحياة بإبراز ملامح العيون من خلال النسيج الطبيعي لكل جسم، وهو يسافر إلى عوالم خاصة من الجماليات المفتوحة على التأويل، معتمداً على أسلوب متفرد في هندسة الفضاءات، وتشكيل الصورة الشاعرية في علاقتها بالشخوص والأمكنة، كما أنه يغوص في الألوان محاولاً سبر أغوار العيون.

يقول: "العين هي بوابتنا الأولى لرؤية العالم، بجماله وقبحه، لذا أرى أنها عبارة عن مختبر صغير تحدث فيها مجموعة من التفاعلات الكيميائية الدقيقة، والتي من خلالها نشعر بالمحسوس والملموس، كما أن هذه التفاعلات تخلف انفعالات لحظية من الفرح والحزن، والانتصار والانهزام وغيرها. كل ذلك يأتي من خلال النظرات. من هذا المنطلق وضعت عنوان (كيمياء العيون وشغف النظرة) تيمةً لمعرضي الفني الذي نظمته في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي".

أنجز الفنان المغربي نحو 43 لوحة فنية على مدار عقد ونصف، وضم معرضه منها 26 فقط، بالنظر إلى انصهارها في خيط ناظم هو "كيمياء العيون وشغف النظرة".

ويرى نقاد أن التجربة الفنية لحسن عين الحياة تظهر تأثره بمدارس عدة، إذ يبدو تارة متأثراً بالفنان الإسباني بابلو بيكاسو، والذي ينسب إليه تأسيس المدرسة التكعيبية، وتارة بسوريالية الإسباني أيضاً سالفادور دالي، لكن بعض التشكيليين يقولون إن في لوحاته لمسات للفنانة الشعيبية طلال، رائدة الفن الفطري في المغرب، غير أن المتأمل في لوحاته الفنان يستشف بصمته الخاصة، والتي تنطلق من نظرته العميقة للأشياء، والصدق في الأداء، والتجاوب الخفي الذي يعتمد على الإقناع من الفنان والاقتناع من المُشاهد.

المساهمون