الفنان المغربي رشيد زايد يحوّل الحديد إلى تحف
الفنان المغربي رشيد زايد يحوّل الحديد إلى تحف
داخل ورشته في أحد أحياء مدينة وجدة، عاصمة جهة الشرق في المغرب، يعكف الفنان رشيد زايد (60 سنة) على وضع اللمسات الأخيرة لعمل فني، منشغلاً بأدق التفاصيل للحصول على تحفة طوّع فيها قطع الحديد والخردة لتظهر إلى الوجود مُتقنة الصنع، تحيط به أدوات العمل من آلات تلحيم المعادن والرسوم والمجسمات المختلفة الأشكال والأحجام.
يستفيد زايد من معين تجربته في مجال البناء المعدني لأكثر من 35 سنة، وعصارة خبرة 40 سنة في المجال الموسيقي، مستثمراً هذه التوليفة في سعي متواصل إلى إبداع لا حدود له. عشقه للفن والنحت والتدوير والحرف اليدوية بدأ في سنوات الطفولة، ويقول لـ "العربي الجديد": "اقتربت منذ الصغر من عالم النجارة وتفاصيله، ثم انتقلت إلى الحدادة مع كل ما تتطلبه من دقة، وذلك خلال عملي في ورشات خلال العطل المدرسية، ثم تخصصت بعد ذلك في الحدادة، وكان لكل هذا الفضل في تكوين شخصيتي وصقلها، وخصوصاً أنني عملت في مجال ذي صلة بالحديد والمعادن لسنوات طويلة".
منذ حوالى 8 سنوات، تفرغ زايد للمجال الفني، خصوصاً تدوير الحديد، والنحت والموسيقى. ويقول: "أقضي معظم الوقت في ورشتي، وخارجها عيني دائماً على قطع الحديد والمعادن التي تبدو لي أنها قد تصلح لعمل فني، فتتحول من قبح إلى جمال".
هي رؤية فلسفية تحتفي بثنائية القبح في مقابل الجمال... قبح يبدو في بقايا لم تعد تعني شيئاً، مجردة من أي قيمة، وسرعان ما تتحول وتنصهر في عمل فني وتغدو جزءاً لا يتجزأ من تركيبة إبداعية فنية. ويقول: "أشتري بقايا الحديد والمعادن من الأسواق المعدة لهذا الغرض، أو من باعة جوالين، وقد أعثر على خردة تصلح لأن تنصهر ضمن مجسم أو عمل فني معين، ربما يراها غيري بلا قيمة تذكر، لكن رؤيتي مختلفة".
ويوضح أنه يعكف حالياً على "وضع اللمسات الأخيرة لرأس حصان في وضعية شرب بعد شهر من العمل"، مشيراً إلى أن مدة إنجاز أي عمل فني تتفاوت بحسب الحجم والمواد المستخدمة، وتتراوح ما بين يومين إلى شهر، وقد تصل إلى عامين أحياناً. ويشرح: "بداية، أنحت المجسم الأصلي بالجبس، وأضع له قوقعتين اليمنى واليسرى، ثم طلاء آخر من الجبس بمثابة عازل يسهل عملية نزع القوقعتين، ثم أبدأ العمل على القوقعة في تشكيل الحديد وتلحيمه إلى أن أحصل على المجسم المراد تشكيله، وتبقى اللمسات الأخيرة مثل الصباغة وغيرها".
يبني زايد ألفة مع أي عمل فني يبدأ في تصميمه إلى أن ينتهي منه تماماً كما يتعلق الروائي بأشخاص. ومساء يتحول إلى العزف على آلة الناي وتدريب الطلاب في معهد موسيقي. "إنهما مجالان يكمل أحدهما الآخر، وهما ملهمان بالنسبة لي"، على حد تعبيره.
أنجز زايد عدة مجسمات ومنحوتات وأشكال تحمل دلالات عن المجال الموسيقي كالغيتار والكمان، فهو محاط بالآلات الموسيقية المختلفة في المعهد الخاص الذي يدرس فيه التربية الموسيقية.
وتعتبر الطبيعة أيضاً مصدراً خصباً لخيال زايد، الذي عقد صداقة وثيقة مع الخيول والأحصنة وما تمتاز به من صفات الجمال والشجاعة، يحاورها ويصاحبها في ورشته. ويقول إن مجسم حصان بالحديد يزن 170 كيلوغراما وحوالى 3252 قطعة، استغرق إنجازه عامين. وعندما قدمه في إحدى المعارض الفنية سلب الألباب والعقول من دقته وجماله، كما أنه مفتون أيضا بالطاووس ذي الريش الملون البهي والديك، ويقول إن الجمال الموجود في الكون لا يعد ولا يحصى، وهو حري بالمحاكاة والتقليد.
وأنجز زايد ما يفوق 300 تحفة فنية، شارك بها في مختلف المعارض والتظاهرات الفنية منذ 2017 وحتى الآن، ولقيت إعجاب واستحسان الزوار، وبيع منها ما أثار الإعجاب والاستحسان، ما يشكل حافزاً لصاحب الأنامل الذهبية الذي ما زال يتذكر بفخر واعتزاز عبارة دوّنها أحد زوار معرض أقامه في مدينة مكناس تعليقاً على ما رآه وهي "من القبح الجمال".
هذه العبارة ستكون عنوان فيلم وثائقي يرصد مسيرة زايد ويوميات عمله وإبداعه، من إخراج محمد دباني، ويصدر قريباً.
بالإضافة إلى رؤيته الفنية وحبه لهذا المجال، فإنه يحمل على عاتقه هم الحفاظ على البيئة والاستدامة من خلال جمع الخردة والمعادن وبقايا الحديد وإعادة تدويرها أو تطويعها وترويضها ومنحها معنى آخر في الوجود.
وجد زايد ضالته في تطويع الحديد والمعادن، وغاص كبحّار ماهر في أدق التفاصيل والأسرار بحثاً عن الكنوز حتى بدت الخردة والقطع الصغيرة المطروحة في الطريق حية تنثر معاني الجمال. وتعد تجربته الفنية ذات طابع ذاتي وأصيل، وتنم عن رؤية خاصة يحق معها الحديث عن وظائف متعددة للفن جمالياً ومعرفياً وموسيقياً واجتماعياً.
