انحياز الإعلام الأميركي: عقود من العنصرية ضد الفلسطينيين

انحياز الإعلام الأميركي: عقود من العنصرية ضد الفلسطينيين

05 ديسمبر 2023
تجاهل الإعلام الأميركي طيلة سنوات معاناة الفلسطينيين (بلال خالد/الأناضول)
+ الخط -

يتصدّر قطاع غزة العناوين الإخبارية حول العالم منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. لكن الحال لم يكن هكذا طيلة سنوات طويلة من الحصار، وقبلها من الاحتلال، وبينهما حروب واعتداءات إسرائيلية متواصلة. إذ تجاهل الإعلام الأميركي بشكل كبير مأساة الغزيين وقصصهم وحيواتهم وخساراتهم المتراكمة خلال عقود، وذلك في إطار سياسة عامة تعاملت مع الاحتلال الإسرائيلي كصاحب حق، فلم تكن الانتقادات الموجّهة إليه سوى ملاحظات هامشية لا ترتقي إلى مستوى النقد الحقيقي، أو الموقف الرافض لممارساته الاستعمارية.
في تقرير صادر عن منظمة تروثاوت Truthout، وهي منظمة أميركية إخبارية غير ربحية، يظهر هذا التجاهل الأميركي لغزة بشكل أوضح. إذ يسلّط التقرير الضوء على دور وسائل الإعلام في تسهيل المجزرة الحالية والتستّر عليها: "من المؤكد أن التعتيم الكبير الذي تمارسه وسائل الإعلام الكبرى على غزة وسكانها ترجع جذوره إلى عنصرية ضمنية، وعلنية في بعض الأحيان. وهي العنصرية التي تشوه قسماً كبيراً من التغطية الإخبارية لقضايا الشرق الأوسط بشكل عام وفلسطين بشكل خاص".

انحياز متجذّر في التاريخ

تستشهد المنظمة بتحليل أجرته هولي جاكسون من جامعة كاليفورنيا، بيركلي، حول محتوى التقارير المنشورة في صحف نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، وصحيفة وول ستريت جورنال، في الفترة الممتدة بين 7 و22 أكتوبر 2023. وجد التحليل تغطية غير متوازية بين التقارير التي تتطرّق إلى القتلى الإسرائيليين في 7 أكتوبر، والشهداء الفلسطينيين خلال هذه الفترة، إلى جانب استخدام تعابير لغوية مختلفة لوصف الطرفين.

هذا التمييز الواضح في التغطية ليس نتيجة "طوفان الأقصى"، بل متجذّر في تاريخ الإعلام الغربي، والأميركي بشكل خاص. فخلال سنوات طويلة، سلّطت منظمة "بروجيكت سنسرد" الضوء على التحيز والتهميش والرقابة الصريحة في التغطية الإخبارية الأميركية لتطورات القضية الفلسطينية. هذا التراكم المتواصل من الانحياز، حوّل الإعلام إلى مجرد أبواق بروباغندا للاحتلال الإسرائيلي ومعادية لفلسطين.
سياقات انحياز التغطية الأميركية للشأن الفلسطيني طاولت كل مناحي الحياة. ففشلت أيضاً في تغطية القمع الإسرائيلي لوسائل الإعلام الفلسطينية والجهود التي تبذلها المنظمات الصهيونية لخنق حرية التعبير وإدراج دعاة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على القائمة السوداء، في حين فرضت رقابة على الجهود الرامية إلى فضح التأثير المنتشر للحركات المؤيدة لإسرائيل، وشركات العلاقات العامة التي تغرق المشهد الإعلامي بالإعلانات والتصريحات والنشاطات المدافعة عن الاحتلال.
وذكّرت "تروثاوت" في تقريرها بأنه، تاريخياً، فشلت وسائل الإعلام الأميركية في تغطية انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة في فلسطين بشكل مناسب، بما في ذلك احتجاز الأطفال الفلسطينيين، وكيف تستفيد الشركات الخاصة من الاحتلال الإسرائيلي، ودور البنك الدولي في تمويل جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية المحتلة، إلى جانب تواطؤ الولايات المتحدة في توفير الأسلحة المستخدمة في جرائم الحرب.

50 عاماً من مقالات الرأي

بالرغم من أن الحصار الإسرائيلي أطبق على غزة منذ 2006، فإن الحقائق اليومية لعنف الاحتلال والفصل العنصري لم تعتبر يوماً ذات أهمية إخبارية لوسائل الإعلام التابعة للشركات الأميركية، مع بعض الاستثناءات التي نجحت خلال السنوات الخمس الأخيرة بالتسلل إلى الإعلام الرئيسي، نتيجة جهود متراكمة لصحافيين شباب من أصول عربية بشكل خاص.
ولتقييم كيفية "تشجيع قراء الأخبار الأميركيين على التفكير في الفلسطينيين"، فحصت المؤرخة مها نصار 50 عاماً من المقالات الافتتاحية وأعمدة الموظفين ومقالات الرأي التي نشرتها "ذا غارديان"، و"نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست" و"ذا نيو ريبابليك"، و"ذا نيشن". ووجدت أن أبرز وسائل الإعلام "نشرت الآلاف من مقالات الرأي حول إسرائيل وفلسطين على مدى 50 عاماً"، ولكن "نادراً ما كتب أي منها فلسطينيون".
على سبيل المثال، أقل من 2 في المائة من مقالات الرأي البالغ عددها 2490 مقالة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز بين 1970 و2019 كتبها فلسطينيون. ونتيجة لذلك، لاحظت نصار أن "آراء القراء تشكلت من خلال كُتّاب الأعمدة الذين تراوحت آراؤهم حول الفلسطينيين بين التعالي المزعج والعنصرية الصريحة".

ما بعد طوفان الأقصى

يرى تقرير "تروثاوت" أن وسائل الإعلام الغربية فشلت في الالتزام بالمعايير الصحافية الأساسية في تغطية العدوان الحالي على غزة أو قتل الفلسطينيين واعتقالهم وتهجيرهم في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر. وشابت التقارير الإخبارية أمثلة فظيعة من سوء الترجمة إلى الفشل في نقل سياق الأحداث.
وفي هذا الإطار، حذّرت جمعية الصحافيين العرب والشرق أوسطيين في دليلها الإعلامي لغرف الأخبار الذي يسعى إلى توفير تغطية دقيقة للعدوان، من أن "مصطلحات مثل (الهجوم غير المبرر) غالباً ما تتجاهل الأحداث السابقة"، أي السياق الكامل الذي أوصلنا إلى عملية طوفان الأقصى.

وإلى جانب المجزرة المتواصلة في القطاع، فإن الإعلام الأميركي تجاهل معاناة الصحافة ومقتل الصحافيين في غزة والضفة الغربية بالشكل الكافي، رغم  تأكيد لجنة حماية الصحافيين أن العدوان على غزة خلّف "خسائر فادحة" في صفوف الصحافيين.
وحتى خارج غزة واجه الصحافيون المقيمون في الولايات المتحدة تهديدات مختلفة. إذ أفادت تقارير مختلفة بأن "سي أن أن" و"ذا هيل" و"أسوشييتد برس" طردت موظفين بسبب تجاوزهم الخطوط الحمراء من خلال الدعوة إلى فلسطين حرة أو وصف إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري، وأوقفت شبكة MSNBC برنامج مهدي حسن بعدما برز كواحد من مذيعي الأخبار النادرين في قناة رئيسية، الذي عارض علناً وحشية إسرائيل.

رقابة الاحتلال

بدوره، خنق الاحتلال الإسرائيلي تدفق المعلومات حول الإبادة في غزة بطرق شاملة. أفادت منظمة "أكسس ناو" غير الربحية بأن إسرائيل فرضت قطعاً متكرراً لخدمة الإنترنت في قطاع غزة، وهو ما وصفته منظمة الحقوق الرقمية العالمية بأنه "اعتداء على حقوق الإنسان". ونتيجة "الانقطاع شبه الكامل" لجميع الاتصالات، "أصبح الوصول إلى المعلومات نادراً، ما أثّر بشكل مباشر على القدرة على توثيق الفظائع المرتكبة على الأرض"، تؤكد "أكسس ناو".
وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الرسمية، بما في ذلك "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز"، غطّت قطع الاحتلال للاتصالات في غزة، إلا أن مشكلة أساسية شابت هذه التقارير وهي التأخر في تغطية تبعات قطع الاتصالات والكهرباء، ومنها استحالة الوصول إلى خدمات الطوارئ والإسعاف... إلى جانب التعامل معها كجزء هاشمي من أضرار الحرب، من دون تسليط الضوء على انعكاس قطع الاتصالات هذا على منع تدفّق المعلومات من القطاع، خصوصاً في ظل منع الاحتلال دخول أي صحافي أو مراسل أو مصوّر أجنبي إلى غزة، واقتصار المعلومات التي تصل إلى العالم على الصحافيين الغزيين الذي يعملون في ظروف مستحيلة.

المساهمون