تستخدم بعض الأحزاب السياسية والجهات المسلحة النافذة في العراق حسابات بأسماء تحمل صفة محلل سياسي أو باحث، مع صور وهمية وغير معروفة، بعضها يتضح أنه صنع ببرمجيات الذكاء الاصطناعي. وتمارس هذه الحسابات أدواراً سياسية وتكتب التحليلات والرؤى التي غالباً ما تكون غير حيادية، بل تساهم بتسميم الأجواء العامة بآراء ومواقف طائفية وعنصرية.
وعادة ما تعتمد نشر ما يُثير النزاعات بين الصحافيين المدنيين والسياسيين المعروفين بتوجهاتهم الشعبية والرافضين مبدأ المحاصصة في تقاسم المناصب.
وتنتشر الحسابات الوهمية على منصات "فيسبوك" و"إكس" و"إنستغرام"، ويحظى بعضها بعشرات آلاف المتابعين، وتروّج منشوراتها بمبالغ مالية، ما يشي بدعم مالي تتلقاه من جهات سياسية.
انتشار الأسماء الوهمية لصحافيين وناشطين مقربين من الأحزاب والفصائل المسلحة لم يمنع استمرار ما يُعرف بـ"الجيوش الإلكترونية" التي تمتلكها جميع الأحزاب العراقية.
ولعل الأحزاب الدينية هي الأكثر إنفاقاً عليها، لكن اعتماد أسلوب صناعة رموز سياسية تؤثر على الرأي العام، يبدو هو الفعل الجديد للإعلام السياسي والحزبي الإلكتروني في المرحلة الحالية.
وقال الصحافي العراقي مروان المحمدي، لـ"العربي الجديد"، إن "الأحزاب في العراق تنفق كثيراً على أسماء وهمية وصفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي لأجل تلميع صورها ومهاجمة الآخرين، والتبرؤ منها فيما بعد، لأنها بالأصل وهمية ولا تحمل أي عناوين واضحة وصريحة"، مبيناً أن "سياسة الأحزاب النافذة هي التسقيط بدل الحوار البناء فيما بينها، وهي دائما على صراع بين بعضها لأجل الحصول على المكاسب".
وأضاف المحمدي أنه "على مواقع التواصل، وتحديداً إكس، هناك عشرات الحسابات التي تحظى بمتابعات وتفاعل كبيرين، بفعل الترويج المالي، وهذا يعني أن من يدير الصفحة يملك المال ويريد أن يروج فكرته وموقفه السياسي لأكبر قدر ممكن من الجمهور، بالتالي فإن هذا الإنفاق يعني أن مؤسسة أو جهة تقف وراء الحسابات هذه"، معتبراً أنها "ساهمت خلال فترات متفرقة في نشر الأكاذيب والتضليل واستهدفت مؤسسات الدولة".
ورأى أن "الحسابات الوهمية لناشطين وصحافيين وهميين تعني أن شكل الجيوش الإلكترونية تطور في العراق"، لافتاً إلى أن "الأحزاب لا تزال تنفق لأجل تلميع صورتها محلياً"، مؤكداً أن "صحافيين محليين يساهمون في إدارة المحتويات في الحسابات الوهمية، وهم يتخفون في أعمالهم هذه تحت مسميات وهمية لأجل رواتب شهرية بعضها زهيد، لأنها تُدار عن بعد وليست هناك مكاتب لإدارتها".
من جهته، أشار الناشط السياسي العراقي حيدر الزبيدي إلى أن "الحسابات غير الحقيقية المنتشرة بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي يتابعها عدد كبير من العراقيين، مع العلم أن هدفها نشر الأفكار المسمومة الداعية للطائفية والعنصرية، ناهيك عن التحريض على المدنيين والوطنيين والصحافيين المستقلين"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "أموالاً سياسية كبيرة تدعم هذه الحسابات لأجل تغذيتهم ودعمهم لمواصلة تضليل الرأي العام".
ولفت الزبيدي إلى أن "هذه الحسابات تدعم أحياناً أجندات وأفكاراً غير عراقية، ساعية إلى مزيدٍ من الخراب، ما يعني أن هناك حاجة لأن تقوم السلطات العراقية المسؤولة بواجباتها لحماية العراقيين من التضليل والانحراف بالتفكير نحو أجندات غير وطنية، ناهيك عن قنوات تليغرام التي تعمل بشكل متواصل على التحريض، وقد وصل ذلك في أكثر من مرة إلى القتل"، موضحاً أن "العراق بحاجة إلى الاستقرار، لكن استمرار الأحزاب بخلق شخصيات تثير النعرات يؤدي حتماً إلى استمرار الأخبار الكاذبة والتهديدات".
وفي وقتٍ سابق، حذّر رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي من جيوش إلكترونية، قال إنها تعمل على إفشال مبادرات التهدئة وحل الأزمات السياسية في البلاد، متحدثاً في الوقت ذاته عن "جهات منتفعة" تعمل على إطالة أمد الأزمة، وإفشال الحلول التي تتعارض مع أجندتها.
وتُعد الأحزاب الدينية أكثر إنفاقاً من غيرها على الجيوش الإلكترونية وصناعة الرموز الوهمية على مواقع التواصل، وكذلك الفصائل المسلحة، لبث الأخبار المضللة وخطاب الكراهية والتحريض الطائفي، الذي وصل إلى حد استهداف مدن مختلفة في أوقات اشتداد الأزمات السياسية، فضلاً عن تهديد الناشطين وأصحاب الرأي والصحافيين.
بدوره، رأى أستاذ الإعلام في الجامعة المستنصرية وسام الشمري أن "هذه الحسابات تمارس حرفاً واضحاً للرأي العام ومحاولة التأثير عليه من خلال الدعم والترويج للفكرة من أجل ظهورها إلى أكبر قدر من المتابعين، بالتالي فإن هذا يمثل تشويشاً على الفكر السياسي العام... هذه الطرق باتت مكشوفة لدى أغلبية العراقيين، لكنها لا تزال مؤثرة".