افتتاح مهرجان كانّ: حفلةٌ "سياسية" وفيلمٌ باهت

افتتاح مهرجان كانّ: حفلةٌ "سياسية" وفيلمٌ باهت

18 مايو 2022
الممثلة إيفا لونغوريا في حفل الافتتاح (سمير حسين/ Getty)
+ الخط -

افتُتحت الدورة 75 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2022) لمهرجان كانّ السينمائي الدولي بفيلم Coupez! للفرنسي ميشال أزانافيسيوس، بعد مراسم غير معهودة في دورات سابقة.

في الافتتاح، كُرِّم الممثل الأميركي فورست ويتكر (1961)، بمنحه "السعفة الذهبية الفخرية"، مُلحَقة بكلامٍ مؤثّر منه، عبّر فيه عن تقديره وعرفانه للمهرجان، والاعتزاز بالجائزة؛ ثم قول مختصر وعميق لرئيس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية، الممثل الفرنسي فَنسان لاندون، لكنْ من دون تقديم وتعريف بأعضائها، كما جرت العادة. بهذا، خصّص المهرجان جزءاً أكبر من حفلة الافتتاح بخطبةٍ ارتجالية مُفاجئة، بُثَت مباشرة على الهواء من أوكرانيا، للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

تحدث زيلينسكي باقتضاب عن السينما، فأساس كلامه منصبٌّ على الحرب في بلده، والكفاح ضد الديكتاتورية، وخسارة الديكتاتور لهذه الحرب، قاصداً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأنهى كلمته بإعلان ثقته بالنصر، و"تحيا أوكرانيا"، تزامناً مع رفع علم أوكرانيا من صحافيين عديدين، في قاعة "دوبوسي"، الخاصّة بعروضٍ للنقّاد والصحافيين السينمائيين. وهذا خروجٌ صارخ وصادم عن القواعد المتعارف عليها، وأبرزها عدم الانحياز إلى السياسة. خروجٌ كهذا تعبيرٌ عن التضامن مع أوكرانيا، وإدانة للحرب. ثم أُعلن افتتاح الدورة الجديدة رسمياً، فانتهت الحفلة التي قدّمتها الممثلة الفرنسية فيرجيني إيفيرا.

إلى ذلك، طلبت إدارة مهرجان كانّ من أزانفافيسيوس (1967) تغيير عنوان فيلمه من الحرف اللاتيني Z بعنوان آخر، فصار Coupez!، كنوعٍ آخر من التضامن مع أوكرانيا، بعدم ذكر هذا الحرف الأبجدي، الذي تتّخذه القوات الروسية رمزاً للنصر، فترفعه على اللافتات، وتضعه على المركبات والدبابات والأسلحة القتالية. اللافت للانتباه أن تغييراً كهذا لا معنى له، لأنّ العنوان الأصلي، المعروض على الشاشة الكبيرة في بداية الفيلم، ظلّ كما هو: Z.

"القطع"، فيلم افتتاحٍ أُطلق عرضه التجاري، في الوقت نفسه، في أكثر من 300 صالة في فرنسا، وفقاً لاتفاقٍ مع إدارة المهرجان. إنّها المُشاركة الثالثة لأزانفافيسيوس في كانّ، بعد "الفنان" (2011)، الفائز بأوسكار أفضل إخراج، وبافتا أفضل إخراج وأفضل سيناريو أصلي؛ و"المعضلة" (2017)، الذي تدور أحداثه بين عامي 1967 و1969، ويُرافق جان ـ لوك غودار وزوجته حينها آن فيازمْسكي.

"القطع" (خارج المسابقة الرسمية) ثاني فيلم روائي عن مصاصي الدماء يفتتح المهرجان، في 3 أعوام، بعد "الموتى لا يموتون" (2019) للأميركي جيم جارموش، المُشارك حينها في المسابقة. إنه افتتاح عادي للغاية، مُقارنةً بأفلامٍ أخرى افتتحت دورات سابقة. لعلّ اختياره مُجرّد رغبة من إدارة المهرجان في أنْ تُفتتح الدورة الـ75 هذه بفيلمٍ فرنسي.

الفيلم إعادة إنتاج، أو نسخة فرنسية من دون تحريف أو تعديل، لحبكة/ قصّة الفيلم الياباني، "قطع واحد للموتى" (2017)، لشين إتشيرو أويدا (1984)، الذي أُنتج بميزانية محدودة (25 ألف دولار أميركي)، مع ممثلين مغمورين. كما أنّه لم يُعرض في أيّ مهرجان دولي معروف، ولا في اليابان نفسها. فقط، عروض محلية صغيرة، من دون نجاحٍ يُذكر.

في جديده، حاول أزانافيسيوس تقديم كوميديا رعب، تمتزج فيها البشاعة بقدر من الإنسانية. لكنّ الفيلم لم يبلغ درجة الرعب الخالص ولا البشاعة المميّزتين لهذا النوع من الأفلام. بالكاد لامس الفكاهة، من دون أنْ يصل إلى الكوميديا الراقية، المليئة بالعمق، والمُحمّلة بالإنسانية، أو على الأقل بشيءٍ من الفكر والفلسفة.

تدور أحداثه في كواليس تصوير فيلمٍ عن مصاصي الدماء، لحساب منصّة يابانية مشهورة، شرط أنْ يلتزم المخرج بالسيناريو الأصلي، من دون تغيير الأسماء اليابانية للشخصيات. الأصعب من ذلك كامنٌ في أنْ يكون التصويرُ لقطةً واحدة، تُبثّ على المنصة لمدة 31 دقيقة. التكلفة يجب أنْ تكون متواضعة، والممثلون عاديين، أي أنْ يكون العمل تجارياً استهلاكياً بحتاً.

يقبل ريمي (رومان دوريس)، المخرج شبه المُتعثِّر في مسيرته، إخراج هذا المشروع، رغم العبثية الواضحة، والتسلّط الياباني، المتمثّل بفرض شروطٍ وإملاءات من المنتجة يوشيكو تاكيهارا، منتجة الفيلم الياباني الأصلي، ومنتجة "القطع" أيضاً. بعد افتتاح زومبيّ الطابع، والعبثية التي تصل إلى الملل والإحباط، والممتدة نصف ساعة تقريباً، يعود السيناريو إلى الماضي القريب، حيث تفاصيل الاتفاق على تصوير فيلم، شوهد في الجزء الأول، فإذا بالفيلم لا ينتمي إلى أفلام مصاصي الدماء فقط، بل إلى نوع أفلام مصنوعة عن أفلام، أو ما يُعرف بـ"الفيلم داخل الفيلم".

سينما ودراما
التحديثات الحية

مع الاقتراب التدريجي من كواليس التصوير، واتّضاح المعاناة التي يعيشها المخرج ومساعدوه الهواة والممثلون غير المحترفين، تظهر كيفية اصطدام الخيال السينمائي بالواقع، وكيفية التغلّب على العقبات والمآزق في موقع التصوير، بكافة الأساليب الممكنة، عفوياً وآنياً وارتجالياً. مثلاً: حالة السُكر التي يعانيها الممثل البدين فيليب (غريغوري غادوبوَا)؛ وكيف أنقذت زوجة المخرج نادية (بيرينيس بِجو)، الممثلة المُعتزلة، الموقف، عندما حلّت بديلةً عن ممثلة أخرى تعرّضت لحادث سير.

المساهمون