لم يعد هناك ما يكفي من الصفات لإلصاقها بإيلون ماسك، هو فارس الديمقراطيّة، والسيف المسلول للدفاع عن حرية التعبير، وراعي بقر في الفضاء، ومنقذ البشريّة، ومعبّد طريق الناس إلى المريخ. والآن، نراه في كيبوتز في إسرائيل، يرتدي سترةً واقية من الرصاص، إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويلتقط صوراً للبيوت المحروقة، محدّقاً في سرير خشبيّ زعمت إسرائيل إن طفلاً قُتل فيه.
لكن، لماذا يزور الملياردير "ساحة المعركة"؟ بعيداً عن أن بعضهم يقول إن الرصاصات في السرير لم تطلق من أي سلاح، لكنها على حالها. هل فعلاً خوفاً على الإعلانات التي خسرتها المنصة بسبب ما انتشر فيها مما وصف بـ"معاداة الساميّة"؟ أو انتقادات البيت الأبيض لسماحه بمنشورات وصفت بـ"التعاطف مع الإرهاب" واتهامه بتأييد "نظرية المؤامرة البشعة المعادية للسامية"؟ لا نمتلك إجابة واضحة، لكن يمكن القول إن الملياردير خائف على مصالحة التجارية، وساحة المعركة هذه ليست إلا سوقاً لا بد من الحفاظ عليه.
سبق لماسك أن أعلن أن منصة إكس (تويتر سابقاً) ستتبرع بكل عائدات الإعلانات والاشتراكات المرتبطة بالعدوان على غزة إلى المشافي الإسرائيليّة والصليب الأحمر "كي لا تقع بيد حماس". بصورة ما، الشركة تتبرع للطرفين، لكن الزيارة كانت لإسرائيل، وليس لمعبر رفح مثلاً. مع ذلك، انتُقدت زيارة ماسك، بوصفها نوعاً من النفاق والرياء، بل قيل إنه لن يفعّل أقمار ستارلينك فوق غزة لتوفير الإنترنت، إلا بعد التنسيق مع الجانب الإسرائيلي بصورة ما. الحصار مستمر، وحتى الملياردير لا يستطيع كسره، ما دفع ناشطين إلى إطلاق وسم يدعوه إلى زيارة غزة، وذلك كي يطلع بعينيه على الجانب الآخر.
سبق أن اتهم ماسك بمعاداة الساميّة، بل قام بمقاضاة هيئة مكافحة التشهير التي اتهمته بذلك، ويبدو أن زيارته لإسرائيل نوع من التأكيد بأنه ليس كذلك. لكن، ما الصفة التي زار فيها إسرائيل؟ ملياردير؟ صحافي؟ ناشط؟ شاهد؟ لماذا استقبله رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو نفسه؟ نحن أمام حملة علاقات عامة لا أكثر ولا أقل. لكن الغريب هو زيارة ملياردير، إذ لم يحظ مثلاً المخرج الأميركيّ كوينتين تارانتينو بهذا الزخم حول زيارته. لكن، يبدو أن ماسك يمتلك سلطة أكبر، يمكن وصفها بسلطة التحكم بالجموع، وتوجيهها ضمن منصة، لا يمكن أن تمثل فضاءً عاماً كما يُزعم، بل هي شركة تسعى إلى الربح، لا أكثر.
زيارة ماسك تمثّل واحدةً من الأحداث النادرة التي يشارك فيها ملياردير "يقوم بأعمال خيرية" في حرب قائمة، فعادة ما يتدخل هؤلاء بعد الحرب ويكافحون الأمراض والمجاعات، كبيل غيتس مثلاً، ولا يدخلون أرض معركة ما زالت ملامحها غير واضحة. معركة شاركت منصة إكس نفسها في إدارتها بصورة ما، ورسم معالمها. لكن كل هذا لا يهم، ما يهم هو الصورة التي التقطها ماسك بهاتفه الشخصي. ما مصير هذه الصورة؟ هل سينشرها على حسابه؟ هل تعتبر وثيقة، رسمية أم أنّها دليل؟
اللافت، أيضاً، أن ماسك استعرض "ميزات" منصته، إذ شارك جلسة حوارية علنية بينه وبين نتنياهو. وكأن رأي ماسك ونتنياهو ينقصنا بعد 75 عاماً من الاحتلال. لكن، ربما هذا هو شكل العصر الحالي؛ أغنياء بيض يزورون أرض المعارك ويديرون حوارات مع جنرالات الحرب، من دون أي صفة رسمية لهذا الثري، سوى أنه ثريّ، ويريد غزو الفضاء.
الواضح أن ماسك لا يرى العالم كما نراه، يكفي الاطلاع على صفحته الشخصية لنكتشف تنقله بين الموضوعات. مرة في إسرائيل، وقبلها يشارك صوراً عن أحدث الصواريخ التي أطلقها، ثم صوراً أخرى مضحكة. كما أننا سنراه يروّج لنظريات مؤامرة، أو دروس في الإنسانيّة حول أهمية إنجاب الأطفال. يبدو أن الحرب على غزة بالنسبة لماسك ليست إلا جزءاً من يومه الحافل. مشكلة صغيرة هددت الإعلانات، ولا بد من حلها بزيارة قصيرة وبعض الصور، ثم العودة إلى "العمل".