أفلامُ نساءٍ في " مهرجان تطوان" (2/ 2) صُور سينمائية عن مكافحات

أفلامُ نساءٍ في " مهرجان تطوان" (2/ 2) صُور سينمائية عن مكافحات

22 مايو 2024
إيزابيلا راغونيسي: تكريمٌ وعرض وثائقي لها عن روزا باليستريري (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في الدورة الـ27 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط، تم تكريم إيزابيلا راغونيسي عن فيلمها "روزا.. نشيد الحوريات" الذي يروي قصة المغنية الصقلية روزا باليستريري، مسلطًا الضوء على حياتها كمبدعة ومقاتلة وأيقونة للنساء والرجال.
- الفيلم يعرض تأثير روزا على الحركة النسوية ويجمع بين زيارات لأماكن مرتبطة بها وحوارات مع معارفها، مبرزًا كفاحها ضد العنف الأسري والفقر واستخدامها للموسيقى كوسيلة للتعبير والتحدي.
- تم عرض أفلام أخرى تناولت قضايا المرأة والمجتمع بطرق مبتكرة، مثل "نساء" و"مذكرات" و"القاتلة"، مما يعكس التنوع الثقافي والاجتماعي في سينما البحر الأبيض المتوسط ودور السينما في التعبير عن القضايا الإنسانية والاجتماعية.

في الدورة الـ27 (29 إبريل/نيسان ـ 4 مايو/أيار 2024) لـ"مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط"، كُرِّمت الممثلة الإيطالية إيزابيلا راغونيسي، إحدى أهم ممثلات السينما الإيطالية المعاصرة، التي لها وثائقيّ بعنوان "روزا.. نشيد الحوريات" (2022)، أول إخراجٍ لها، عن أعظم مغنّية عرفتها صقلية.

فيلمٌ عن روزا باليستريري، المبدعة والمقاتلة، أيقونة نساء ورجال كثيرين. بكلمات أغانيها وصوتها، حملت صوت الشعب. فيلم احتجاجي يتناول مشاكل المجتمع وعدم المساواة. في مستهلّه، تتساءل راغونسي، التي تمثّل حلقة وصل مفصلي بين مقاطعه: "كيف لي نَقْل صوت امرأة لم ألتقِ بها مرة واحدة في حياتي؟ كيف أستدعي أشباح الأماكن والأشخاص البعيدين؟". تجيب أنّها تعاملت معها كما تتعامل مع شخصية درامية، فاختارت تقديمها عبر قصص كفاح أخريات وتمرّدهنّ، تأثّرن بها، فأشعلن الحركة النسوية مُجدّداً، وبعضهن كنّ رائدات، تُتيح المخرجة الإنصات إليهنّ، والتعرّف إلى عوالمهنّ، فنرى فيهنّ روزا الأيقونة. في المفاصل بين الشخصيات، تزور راغونيسي أماكن لها علاقة بروزا، وتتحدّث مع أناس تعرّفوا إليها. تخوض في تفاصيل عن حياتها (21 مارس/آذار 1927 ـ 20 سبتمبر/أيلول 1990).

فيلمٌ مشحون بمآسٍ عدّة، تصبّ ضد المجتمع البطريركي وقهره النساء. لكنّ هذا لم يجعله كئيباً، إذْ إنّه موسيقيّ بدرجة كبيرة، يكشف خفّة ظلّ لدى نساء كثيرات، ولحظات مرح متمرّد وسخرية، إضافة إلى لوحات راقصة لنساء متعدّدي الجنسيات والألوان، في رمزية كونية، ما يؤكّد أنّه حوار بأصواتٍ عدّة، يستكشف حياة اللواتي اضطررن لمواجهة حياة معقّدة، بتحويل الألم إلى شعر يومي، مهتديات بما سبقتهنّ روزا إليه.

 

 

عائلة فقيرة، عرفت كعائلات عدّة الجوع الحقيقي. تقول: "عشنا في البدروم. هناك سرير واحد فقط لأفراد العائلة. كنا أربعة أطفال، مع والديّ. عددٌ ضخم. في هذه الغرفة، كلّ شيءٍ يحدث. تموت تولد تأكل تنام. تفعل كلّ احتياجاتك. كان أبي يحوّل الغرفة إلى ورشة نجارة في الصباح". تروي عن حربٍ دائمة مع والدها، الذي وضع رأسها في النار وحرق شعرها ذات يوم. عندما كان يضربها، كانت تغنّي مع نفسها، لاعتقادها أنّها بهذا لن تشعر بألمٍ. عند بلوغها 16 عاماً، تزوّجت رجلاً مُدمناً ومُقامراً، كان يضربها أيضاً، فتسبّب بإجهاض حملها الأول. ولتدافع عن ابنتها الأولى طعنته، ثم سلّمت نفسها للشرطة، وظلّت شهوراً في السجن، حيث كانت تكتب الأغاني.

تسلّحت روزا بمقولة: "الشيء الذي لا يقتلك يجعلك أقوى". كانت بأغانيها تُحقِّق الكثير. كانت أكثر تأثيراً من خطبٍ سياسية. لديها رغبة قوية في التعويض والتطهّر. أغانيها الشعبية الصقلية التي تكتبها تحكي عن الفقر، وتبوح بفخر الشعب وسخطه. كانت تعزف على الغيتار قليلاً، خارج النغمة. لكنْ، وفق شهادات النساء، كانت تقدّم نتائج جميلة وأصيلة جداً.

"نساء" (2023، إسبانيا) لمارتا لايانا، وثائقي آخر فيه تخييل واشتغالات بصرية كبيرة. قصّة امرأتين أصيبتا بألزهايمر، وغير عاديّتين. تحتفظان بأغنيات قديمة من جبال أستوريا (إسبانيا). لكنّ هذا التقليد الشفاهي القديم مُهدّد بالزوال، فيحاول موسيقيّ العثور عليهما، لإحياء الذاكرة لديهما، وتسجيل كلّ هذا التراث قبل انقراضه.

سيناريو الفيلم المغربي "مذكرات" (2024)، لمحمد شريف الطريبق (جائزة أفضل ممثلة لأنيسة العناية، في مسابقة الأفلام الطويلة)، رغم انتصاره للمرأة، وتركيزه على تعرّضها للاغتصاب إذا خرجت من بيتها، أو اضطرارها للانتحار، يعاني مشاكل عدّة: ضعف البناء السردي، غياب المنطق في تصرّف البطلة المتّسمة بالتردّد والضعف، ردّ فعلها على الاغتصاب والاستسلام مبالغٌ به، وغير مُقنع إطلاقاً، إلى حدّ يجعل الفيلم قديماً جداً، وبعيداً عن الحاضر.

أحد أجمل أفلام هذه الدورة يونانيّ بعنوان "القاتلة" لايفا ناثينا، المستند إلى رواية كلاسيكية لألكساندروس باباديامانتيس: تدور أحداثه في جزيرة نائية في اليونان، عام 1990. قوّته كامنةٌ في التشكيل البصري في لغته السينمائية، الكاشفة وضعاً متدنّياً للنساء، وفي التجسيد المثالي للعقليّ والنفسي للبطلة، التي فقدت زوجها في سنّ باكرة، فتعلّمت المقاومة في بيئة تُهيمن عليها إملاءات المجتمع الأبوي. تسعى المرأة إلى تحرير الفتيات الصغيرات في الجزيرة، لكنّ الثمن سيكون حيواتهنّ. إنّه شكل آخر من وأد الفتيات عبر التاريخ.

المساهمون