أزمات الإعلام التونسي: مال وحريات

05 يناير 2023
اتهام الحكومة بالامتناع عن دعم المؤسسات المتعثرة (كريستوفر فورلونغ/Getty)
+ الخط -

لم تكن بداية 2023 جيدة على الإعلام التونسي. فقد أعلنت إدارة الموقع الإخباري "بيزنس نيوز"، مساء الاثنين، تخلّيها نهائيًا عن موقعها الناطق باللغة العربية، والاكتفاء بالنسخة الفرنسية. وأكدت إدارة الموقع أن سبب التخلي عن النسخة العربية، هو الصعوبات المالية التي عرفها منذ انطلاقه عام 2018، مُرجعةً الضائقة التي تعاني منها إلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس منذ سنوات، وقد ازدادت حدتها بعد قيام ما وصفته بانقلاب الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو2021، وهو ما انعكس سلبًا على سوق الإعلانات التجارية التي تعتبر المصدر الأول والرئيسي لدخل الموقع، في ظل غياب آليات تقنية وقانونية للقراءة مدفوعة الثمن.
 وحمّلت إدارة الموقع الحكومة المسؤولية، لعدم تقديمها مساعدات مالية للمؤسسات الإعلامية حتى تحافظ على استمراريتها، بالإضافة إلى عدم قيامها بتنظيم توزيع الإعلانات التجارية الرسمية. ويواجه الموقع في نسخته الفرنسية صعوبات قانونية، بعدما وجّهت لمدير الموقع وأحد مالكيه، نزار بهلول، تهمة "نشر أخبار غير صحيحة وثلب رئيسة الحكومة نجلاء بودن والادعاء بالباطل"، بسبب نشر الموقع مقالا في شهر نوفمبر 2022، قدم فيه قراءة تحليلية لعمل الحكومة التونسية بعد عام من توليها إدارة البلاد، وهو ما اعتبرته وزيرة العدل اعتداءً وتهجمًا على رئيسة الحكومة، لتحيل الملف إلى النيابة العمومية. وهي إحالة خلّفت الكثير من ردود الأفعال الغاضبة من قبل منظمات نقابية وحقوقية تونسية، معتبرة ذلك تضييقًا خطيرًا على حرية الصحافة، من خلال استغلال المرسوم 54 الذي يجرّم النشر الإلكتروني ويعرّض المخالف إلى عقوبات قد تصل إلى السجن لمدة عشر سنوات.
وأعلن الديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي، وهو مؤسسة رسمية تونسية تقدم خدمات البث الأرضي والفضائي للإذاعات والتلفزيونات التونسية، أنها قررت إيقاف بث إذاعة "أي أف أم" وقناة "تونسنا" الخاصتين، لعدم تسديد الديون المتراكمة عليهما. ويؤكد متابعون للشأن الإعلامي في تونس أن عملية إيقاف البث، قد تمتد لتشمل مؤسسات إعلامية أخرى إذا لم تقم الأخيرة بتسديد ديونها.
من ناحية أخرى، لاتزال المؤسسات الإعلامية التونسية المُصادرة، وهي إذاعة "شمس أف أم" ومؤسسة "كاكتوس برود" للإنتاج التلفزيوني و"دار الصباح"، تعاني من أزمة مالية خانقة. فالعاملون في شركة "كاكتوس برود" لم يتلقوا رواتبهم منذ أكثر من عام، وكذلك العاملون في إذاعة "شمس أف أم" الذين لم يحصلوا على رواتبهم منذ شهرين، ما دفعهم إلى تنظيم وقفات احتجاجية والتهديد بالتصعيد في حال لم تستجب الحكومة إلى مطالبهم بإيجاد حل عملي للمؤسسات الإعلامية المصادرة، وفقًا لما أكدته رئيسة فرع النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين في الإذاعة، خولة السليتي.
وتعاني المؤسسات الإعلامية المصادرة، وهي مؤسسات كانت مملوكة قبل الثورة لأفراد من عائلة الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي، صعوبات مالية كبيرة بعد مصادرتها من قبل الحكومة التونسية. ودعت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين في بيان لها صدر نهاية الأسبوع الماضي "الحكومة التونسية إلى ضرورة التعجيل بإيجاد حلول لهذه المؤسسات وضمان الحقوق المادية للعاملين فيها"، متهمةً إياها بعدم الرغبة في إيجاد صيغ عملية لحل المشاكل المادية لهذه المؤسسة التي تشغّل عددًا كبيرًا من الصحافيين والتقنيين والموظفين، الذين قد يحالون إلى البطالة الإجبارية في سوق تشغيلية هشة للقطاع الإعلامي، الذي يعاني نسب بطالة مرتفعة.


وإضافة إلى المشكلة الاقتصادية، فإن أغلب هذه المؤسسات، ومعها المؤسسات الخاصة، باتت تعمل بهامش حرية منخفض، وسط هجوم متكرر من الرئيس التونسي قيس سعيّد على الصحافيين والإعلاميين ومقدمي البرامج، والتضييق على عملهم في مختلف المراكز والشوارع.
فقبل أيام، نشرت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية التونسية في "فيسبوك"، فيديو لاجتماع جمع سعيّد ورئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزراء وقيادات عسكرية وأمنية. وخلال اللقاء هاجم الرئيس الإعلاميين ومعهم المحللون السياسيون والضيوف الذين يظهرون على الشاشات منتقدين الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد، واصفاً إياهم بـ"الكذبة والمرتزقة".
تزامن هذا الهجوم مع إصدار 30 جمعية ومنظمة حقوقية تونسية، منها النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب و"ائتلاف صمود"، بيانا مشتركا انتقدت فيه "مسار الانتخابات وما تبعه من تهديدات تقوم بها هيئة الانتخابات استهدفت حرية الرأي والتعبير، وبلغت حد ممارسة الرقابة على وسائل الإعلام، في مخالفة صريحة للقانون".

المساهمون