احتضن قصر رام الله الثقافي، مساء أمس السبت، الحفل الأخير لمطربة الثورة التونسية آمال مثلوثي، ضمن جولتها الأولى في فلسطين، وقد لقي تفاعلاً كبيراً بينها وبين جمهورها المتنوع عُمرياً.
اشتملت جولة آمال مثلوثي على ثلاثة حفلات في القدس وبيت لحم إضافة إلى رام الله، في إطار فعاليات مهرجان ليالي الطرب في قدس العرب الذي نظمه معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى بالشراكة مع مركز يبوس الثقافي.
ولقي الحفل الذي أقيم في قصر رام الله الثقافي، بعد تأجيله عشرين يوماً بسبب العدوان الإسرائيلي على مخيم جنين، تفاعلاً كبيراً ما بين مثلوثي وجمهورها، مما دفعها إلى تمديده لنحو نصف ساعة، ليلامس الثلاث ساعات. وغنت في الفقرة الإضافية رائعة الشيخ إمام "يا فلسطينية"، ولكن على طريقتها الخاصة، إذ رافق أداءها القرعُ على الطبل الذي كان جزءاً محورياً ملازماً لها طوال الحفل. واختتمت بالأغنية التراثية الفلسطينية الشهيرة "وين ع رام الله" برفقة فرقة بنات القدس التي قدمت معها عدّة أغنيات، وذلك تحيّة للمدينة التي شهدت ما وصفته بـ"الحفل التاريخي".
وكان لـ"العربي الجديد" حديث مع آمال مثلوثي في الكواليس، بعد العرض الذي ارتدت في النصف الثاني منه الثوب الفلسطيني. وأكدت فيه سعادتها بالتفاعل "غير المسبوق" مع أغنياتها، وقالت: "كان حفلاً رائعاً، لا بل الأروع في مشواري الفنّي على الإطلاق، ليس فقط لأنه على أرض فلسطين، ولهذا معنى كبير بالنسبة لي، أي أن أغني على الأرض التي لطالما غنيت لها وآمنت بقضيتها وبين شعبها، ولكن لجهة التفاعل ومقدار الطاقة التي منحني إياها جمهور قصر رام الله الثقافي، حتى إنني لم أرغب في المغادرة".
وكانت مثلوثي تحدثت عن هذه الزيارة في الحفل، مشيرة إلى أن الشاعر الراحل محمود درويش كان ملهماً لها، و"لولاه لما كانت مغنية ولا مؤلفة أغنيات"، وذكرت أن أغنيتها الشهيرة يا "ظالم" مستوحاة من رائعته "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، ولا سيما حين يقول "وخوف الطغاة من الأغنيات".
وقدّمت، خلال الحفل نفسه، أغنيتها الشهيرة "كلمتي حرّة" التي جعلت منها مطربة الثورة التونسية. وعن ذلك قالت لـ"العربي الجديد": "كنتُ مطربة الثورة قبل أن تحدث حتّى، وكنت أسعى وأعمل للكتابة والحديث والغناء حول الثورة كثيراً وبشكل يجعل الناس راغبة فيها.. لم أكن أتوقع، كما غيري، أن تندلع الثورة وأنا على قيد الحياة. فخورة جداً بأنني حلمتُ بالثورة، ووقفت إلى الجانب الصحيح من التاريخ".
تعمد مثلوثي، التي تقيم حالياً في نيويورك في الولايات المتحدة، إلى خلط أنماط موسيقية والخروج بتوليفة خاصة بها، فهي تجمع ما بين الموسيقى الحيّة والإلكترونية، وما بين الموسيقى الشرقية والمغاربية التي كانت سائدة في ثلاثينيات القرن الماضي إلى يومنا هذا، وما بين أنماط موسيقية عدّة أوروبية وأميركية كالجاز والروك والراب والهيب هوب. وهي خلطة قدمتها في حفل رام الله، ولقيت تفاعلاً كبيراً من الجمهور الذي امتلأت مقاعد قاعة قصر رام الله الثقافي به.
وكشفت مثلوثي لـ"العربي الجديد" أنها بدأت بالإعداد لألبوم موسيقي جديد فيه إضافة للدمج الموسيقي، دمج لغوي ما بين العربية والإنكليزية، وأنها أيضاً بصدد إعداد موسيقى تصويرية ومشاركات في كتابة أغنيات وغناء أيضاً في عدد من الأفلام.
واستهجنت مثلوثي اتهام بعض الجهات لها بالتطبيع لقيامها بالغناء على أرض فلسطين، وهو ما استهجنه الجمهور أيضاً، وقالت لـ"العربي الجديد": "الجهات المنظمة للمهرجان مشهود لها بالوطنية، وقامت بالتنسيق مع لجنة المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، ولا يمكن لي أن أتورّط في التطبيع، وهذا ما يجعلني فخورة بأني على أرض فلسطين. فخلال زيارتي لمتحف محمود درويش في رام الله قبل الحفل بساعات، قال لي أحد الفلسطينيين ممن التقيتهم هناك إن زيارة السجين لا يمكن أن تكون تطبيعاً مع السجّان، وإن ما أفعله هو كسر للحصار، وتعزيز للقضية الفلسطينية، فمن يرى ليس كمن يسمع.. كأنه كان صوت ضميري".
وفي هذا السياق، ألغت مثلوثي عرضاً موسيقياً كان يفترض أن تحييه يوم غد في غاليري بار فتوش، في حيفا "تفادياً لأي سوء فهم". وأثارت هذه الخطوة نقاشاً على وسائل التواصل الاجتماعي: هل يجوز منع عرض لفنانين من العالم العربي في حيز فلسطيني عربي في الداخل الفلسطيني؟
لكن الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني أصدرت بياناً مساء أمس السبت، قالت فيه إن مثلوثي لم تلغ حفلها في حيفا، بل "قامت فقط باستبدال مكان إقامته".
وجاء في البيان: "علمت الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني، من مصدر موثوق من داخل فلسطين المحتلّة، أنّ المغنّية آمال مثلوثي التي أعلنت قبل يومين على صفحتها إلغاء حفلها الذي كان مبرمجاً في 31 من الشهر الحالي، في حانة فتّوش في حيفا، إثر تصاعد الاحتجاجات على زيارتها التطبيعية إلى الأراضي المحتلّة، قد اتفقت سراً مع منظّمي الحفل على إقامته بشكل غير مُعلَن في قرية دالية الكرمل، القريبة من حيفا. وهي تقع بدورها داخل ما يُعرف بالخطّ الأخضر، أي داخل الأراضي التي احتلّها الكيان الصهيوني إبّان نكبة 1948، وبالتالي داخل ما فرضته القوى الاستعمارية حدودًا لدولة إسرائيل".
وأضافت الحملة أن "المغنية المذكورة لم تكتف فقط بالإصرار على قرارها بالتطبيع المُقنّع (من خلال غنائها في رام الله والقدس المحتلّتين) والتطبيع المفضوح (من خلال دخولها الأراضي المحتلة عام 1948)، وفي كلتا الحالتين لا يمكنها أن تفعل ذلك من دون قرار رسمي من سلطات الاحتلال، بل إنّها اختارت كذلك أن تخدع جمهورها ومتابعيها بعدما أعلنت أنها ألغت حفلها في حيفا".
ورأت أن "هذا السلوك يكشف مجدّداً مدى انتهازية ونفاق آمال مثلوثي واستخفافها بمسألة التطبيع، رغم تأكيدها على مناصرتها للقضية الفلسطينية. كما يكشف مجدّدًا للأسف مدى تورّط بعض الأوساط الفلسطينية التي تقدّم مصالحها الفئوية الضيّقة على واجب تعزيز خيار المقاطعة ومناهضة التطبيع لدى الشعوب العربية".
لكن الكثير من الفلسطينيين دافعوا عن مثلوثي عبر حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وبينهم الفنانة هيا زعاترة من الناصرة التي قالت إن "منع أو إلغاء عرض موسيقي لفنّانة عربيّة في حيّز فلسطيني مستقل في حيفا يعيد إنتاج عزلتنا الثقافية ويعزّزها، وهذا شيء سيئ وخطير. الفصل بين رام الله والقدس وحيفا هو ببساطة نفاق وخضوع لتقسيمنا، خضوع للحدود المفروضة علينا...".
وكتب الفنان جوان صفدي، من الناصرة أيضاً: "آمال مثلوثي جاي على بلادنا (قدمت إلى بلادنا) بدعوة من مؤسسة ثقافية وطنيّة مع جواز سفر أميركي - يعني نظرياً لا ينطبق عليها تعريف (تطبيع الشعوب العربيّة مع العدو)، ولا أحكام حركة المقاطعة تنطبق عليها، لإنها مش جاي تعرض في فعاليّات إسرائيلية. آمال إنسانة حذرة في تعاملها مع العدوّ، ومواقفها واضحة من قضيّتنا. وفي أكثر من مناسبة ألغت عروضاً ومهرجانات في الخارج بسبب ضلوعهم (إسرائيليين) فيها...".
وقال أثير إسماعيل: "في سياق الضجّة المثارَة حول زيارة الفنّانة التونسيّة آمال مثلوثي إلى فلسطين وإلغاء حفلها في حيفا. زيارتها في رأيي إلى رام الله، وبيت لحم، والقدس، وحيفا، هي نفس الزيارة، لنفس الناس والمكان، الخاضعين لنفس النظام الاستعماريّ (...) هي زيارةٌ نيّتها، كما هو معلن وكما هو بادٍ ممّا نُظِّمَ حتّى الآن، فلسطين والفلسطينيّون، لا الصهيونيّة والإسرائيليّون، وعليه لا يمكن وصفها بأنّها زيارة تطبيعيّة (...) أيّ تجزئة لفلسطين، وعدم التعامل معها بصفتها وحدةً اجتماعيّةً وثقافيّةً وجغرافيّةً وسياسيّةً واحدة، في هذا السياق، يساهم في تكريس واقع الأبارتهايد والمشي في طرقه ومفرداته وتصوّراته (...) إمّا أن تطوّر الجهات المعنيّة، والنخب، خطاباً يمنع الزيارات/ التعاملات عن كلّ وطننا، أو يمنحها لكلّ وطننا، من دون صناعة تفاوتات وتكريس خصوصيّات أبارتهايديّة".