"أوسكار" 2022: عودة إلى السجادة الحمراء مع نقاشاتٍ لا تهدأ

"أوسكار" 2022: عودة إلى السجادة الحمراء مع نقاشاتٍ لا تهدأ

27 مارس 2022
انخفاض متواصل في عدد مشاهدي الحفل (ريتشارد هاربو/ Getty)
+ الخط -

ارتباكات عدّة تعانيها إدارة حفلة توزيع جوائز "أوسكار" التي تمنحها سنوياً "أكاديمية فنون الصورة المتحرّكة وعلومها" (بيفرلي هيلز، كاليفورنيا). وباء كورونا سببٌ، لكنّ السياسة والتمييزين الجندري والعنصري في الأكاديمية، وانعكاس هذا على الجوائز، بالإضافة إلى طول مدّة الحفلة، وتراجع عدد مشاهديها في النسختين الفائتتين على الأقلّ، أسبابٌ تسعى تلك الإدارة إلى معالجتها، فتتوفّق في بعضها (التمييز وحضور النساء والأقليات مثلاً)، وتعجز عن ذلك في مسائل أخرى.

هذا مرتبطٌ بالوضع الأميركي العام، وبالاضطرابات الحاصلة في الإدارة السياسية والقيادات المختلفة للولايات المتحدّة الأميركية. فهوليوود غير محصّنة عن المشهد الأميركي العام، بل فاعلةٌ فيه، لامتلاكها نفوذاً مادياً ومعنوياً يُتيح لها التأثير في هذا المشهد.

لأعوام دونالد ترامب الـ4 في البيت الأبيض، كما لانتخابه ومغادرته المكتب البيضاوي، جمهور كبير ينفضّ عن مشاهدة الحفلة السنوية لتوزيع الجوائز، بسبب تحوّلها، في تلك الأعوام على الأقلّ، إلى منبرٍ لمهاجمته، وانتقاد كيفية إدارته البلد على المستويات كافة.

حفلة توزيع جوائز النسخة الـ93 (25 إبريل/نيسان 2021) غير متمكّنةٍ من جذب مشاهدين كثيرين، اعتادوا متابعة الحفلات السابقة في أعوامٍ ماضية. انخفاض عدد مشاهدي هذه النسخة بنسبة 51 في المائة مُقلقٌ لإدارة ABC، الشبكة التلفزيونية التي تبثّ الحفلة. الرقم مُثيرٌ لقلقٍ كهذا: 9 ملايين و230 ألف مُشاهد فقط، في مقابل 18 مليوناً و69 ألفاً في النسخة الـ92 (9 فبراير/شباط 2020). هذا واردٌ في تقريرٍ للأميركي كلايتون ديفيز منشور في "فرايتي" (22 فبراير/شباط 2022).

مدّة الحفلة (بضع ساعات)، ومُقدّمها الذي يُبالغ، أحياناً، في إلقاء نكاتٍ غير مُضحكة وغير مُحبّبة، سببان إضافيان. تعويضاً عن غياب عريفٍ للنسخة السابقة، هناك 3 نساء سيُقدّمن الحفلة مساء 27 مارس/آذار 2022 بتوقيت الساحل الغربي لأميركا: الفُكاهية واندا سايكس، وإيمي شومر (بطلة السلسلة التلفزيونية Inside Amy Schumer)، وريجينا هال (المُشاركة في Scary Movie). اختيار 3 نساء يبدو محاولة لمواجهة الاتهام بالتمييز ضد المرأة: "إنّها المرّة الأولى منذ عام 1987 يتمّ فيها اختيار 3 أشخاص لتقديم الحفلة" (الصحافية الفرنسية مانون أونْروت، "ماري كلير"، 9 فبراير/شباط 2022).

إيمي شومر (جيمي مكارثي/ Getty)
إيمي شومر واحدة من مقدمات الحفل (جيمي مكارثي/ Getty)

أما إحدى محاولات رفع نسبة المشاهدين، فتتمثّل بجائزة تُمنح لفيلمٍ يختاره المشاهدون في تصويت عبر "تويتر". لكنْ، في مقابل هذا، يُصرّ منظّمو الحفلة على إعلان جوائز فئات عدّة قبل بدء البثّ التلفزيوني للحفلة الرسمية التي تشهد عودة النجوم والمهتمّين إلى قاعة "مسرح دولبي" في هوليوود، مع الأضواء والسجادة الحمراء: "قرار يهدف إلى تنشيط الحفلة، وإتاحة مزيدٍ من الوقت للعروض الموسيقية والفُكاهية والتكريمات".

بحسب ديفيد روبن، رئيس أكاديمية الـ"أوسكار"، هناك 8 تماثيل (من أصل 23 فئة) ستُمنح "قبل ساعة على بداية البثّ التلفزيوني"، في الفئات التالية: المونتاج، والماكياج، والصوت (جائزة واحدة لميكساج ومونتاج الصوت)، والديكور، والموسيقى الأصلية، والأفلام القصيرة: الروائية والوثائقية والتحريك. قرارٌ كهذا معرّضٌ لنقاشٍ، بعضه حاد، على وسائل التواصل الاجتماعي وفي صحفٍ ومجلاّت سينمائية، يُلخّصه الصحافي الفرنسي ليون كاتّان (Les Inrockuptibles، في 25 فبراير/شباط 2022)، بقوله إنّ القرار يُزيد من نسبة حضور النجوم على حساب التقنيين "الذين من دونهم لن تُصنع الأفلام". يُذكِّر كاتّان بأنّ هذا القرار مسبوقٌ بشبيهٍ له، بهدف إفساح المجال أكثر فأكثر أمام عاملين/عاملات في التمثيل والإخراج تحديداً: "عام 2019، كانت هناك محاولة لمنح بعض الجوائز لحظة بثّ الإعلانات. لكنّ المحاولة فاشلة، بعد سلسلة احتجاجات صاخبة".

هذا نوعٌ من تمييز تمارسه الأكاديمية، لارتباطها (أيكون هذا خضوعاً؟) لمصالح الشبكة التلفزيونية الساعية إلى رفع الأرباح المالية بفضل الإعلانات. هذه الأخيرة، كما يبدو، "تُفضِّل" نجوماً معروفين على حساب عاملين/عاملات في فئاتٍ تُعتبر "أساسية" في صناعة السينما، لكنّ الشرط الاقتصادي التجاري يريد تهميشها.

إلى ذلك، يمنح الموقع الإلكتروني لـBBC قرّاءه بعض "المسائل البسيطة"، المتعلّقة بالنسخة الـ94، التي تبتعد عن صخب التحدّيات والمصالح والنقاشات المختلفة. أوّل تلك المسائل/المعلومات كامنٌ في أنّ الممثلة البريطانية جودي دانش ـ في حال فوزها بـ"أوسكار" أفضل ممثلة عن دورها في "بلفاست" لكينيث براناه ـ ستُصبح الفائزة الأكبر سنّاً في تاريخ الجوائز، إذْ تبلغ 87 عاماً (1934)، أي أكبر بـ4 أعوام من "حامل هذا اللقب" حالياً، البريطاني الأميركي أنتوني هوبكنز (1937)، الفائز بـ"أوسكار" أفضل ممثل عن دوره في "الأب" للفرنسي فلوريان زيلّر عام 2021.

جودي دانش (ديف جاي هوغان/ Getty)
قد تصبح جودي دانش الفائزة الأكبر سنّاً في تاريخ الجوائز (ديف جاي هوغان/ Getty)

أطول فيلم مُرشَّح لـ"أوسكار" أفضل فيلم في هذه النسخة، Drive My Car للياباني ريوسْكي هاماغوتشي، تبلغ مدّته 179 دقيقة، بينما تبلغ مدّة "ذهب مع الريح"، لفكتور فلمينغ، 238 دقيقة، الفائز بالجائزة نفسها عام 1940، فإذا به يُصبح "أطول فيلم حاصل على هذه الجائزة" في تاريخ الـ"أوسكار". أما "حرب وسلم" (المؤلّفٌ من 4 فصول)، للسوفييتي/الروسي سيرغي باندرتْشوك، فتبلغ مدّة نسخته القصيرة 403 دقائق، ونسخته الطويلة 484 دقيقة. لكنّه فائزٌ بـ"أوسكار" أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية.

في اللائحة نفسها، يكتب ستيفن ماكنتوش (24 مارس/آذار 2022) أنّ النيوزيلاندية جين كامبيون والأميركي ستيفن سبيلبيرغ "يستعدّان للانتقام". العنوان جاذبٌ، والنصّ المرفق به يوضح أنّ الانتقام "سيحصل" بينهما، لأنّ كامبيون، المرشّحة لـ"أوسكار" أفضل إخراج في النسخة الجديدة، "أول امرأة تُرشَّح مرّتين" في هذه الفئة، والمرّة الأولى حاصلة عام 1994 عن "البيانو"، لكنّها تخسر أمام سبيلبيرغ وفيلمه "لائحة شيندلر". يكتب ماكنتوش: "إنّها صدفةٌ أنْ يلتقيا هذا العام مجدّداً"، فكامبيون مرشّحة في هذه الفئة عن "قوّة الكلب"، الحاصل على 11 ترشيحاً آخر، وسبيلبيرغ مُرشّح في الفئة نفسها عن "قصّة الحيّ الغربي"، الحاصل على 6 ترشيحات أخرى. 

جين كامبيون (تيبرينا هوبسون/ Getty)
جين كامبيون مرشّحة لـ"أوسكار" أفضل إخراج (تيبرينا هوبسون/ Getty)

ستكشف حفلة النسخة الـ94 مسائل كثيرة، وستضع، أو بالأحرى يُفترض بها أنْ تضع، إدارة جوائز "أوسكار"، كما "أكاديمية فنون الصورة المتحرّكة وعلومها"، مجدّداً، أمام تحدّيات، يجب عليهما (الإدارة والأكاديمية) حسمها بقرارات تؤدّي إلى تطوير الأداء والتنظيم، بهدف تحسين وضعهما، ورفع نسبة المُشاهدة التلفزيونية للحفلة السنوية، وإنهاء كلّ تمييز فيهما.

المساهمون