مصر:إلغاء "التوك توك" يقود مئات آلاف الأسر لمصير مجهول

مصر: إلغاء "التوك توك" يقود مئات آلاف الأسر لمصير مجهول

14 سبتمبر 2019
الحكومة تستهدف استبدال التوك توك بحافلات صغيرة (Getty)
+ الخط -
 

كشّرت الحكومة المصرية عن أنيابها لمواجهة وسيلة النقل الـ"التوك توك" ذي العجلات الثلاث، بعد أن وسّعت من ملاحقاتها له ومنع سيره في المدن العمرانية الجديدة في كثير من المحافظات، ومنها العاصمة القاهرة.

ووجه رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، قبل أيام، أوامره إلى عدد من المصانع، والهيئة العامة للتنمية الصناعية، بمنع تجميع وتصنيع "التوك توك" داخل البلاد، وذلك في إطار توجهات الحكومة بمنع بيعه في المعارض والأسواق الخارجية.

و"التوك توك" ظهر في مصر لأول مرة منذ ما يقرب من 18 عاماً، كوسيلة مواصلات رخيصة وسريعة وشعبية أيضاً في عدد من القرى والنجوع والمدن، في المناطق المحرومة من وسائل النقل العامة، وأصبحت لتلك الوسيلة القدرة على الدخول إلى الشوارع والحواري (الأزقة) الضيقة لنقل الأهالي، خاصة كبار السن وذوي الحاجة.

وبين ليلة وضحاها، قررت الحكومة المصرية تقنين تلك الوسيلة، بعدما أصبحت أمراً واقعاً في المجتمع المصري، وأصحابها من المؤهلات العليا والمتوسطة مسؤولين عن حياة مئات آلاف الأسر في ظل ظروف البطالة وعدم العمل، كما أن هناك أطفالاً ممن حكم عليهم العمل نتيجة ظروف اجتماعية واقتصادية يعملون على "التوك توك"، سواء من كان مالكاً لتلك الوسيلة من النقل أو عاملاً بأجر يومي، وهناك من يقوم بتأجيره "يوم – أسبوع – شهر" مقابل مبالغ مالية.

وأصاب قرار الحكومة بضرورة استبدال "التوك توك" بسيارة ميني فان (حافلة صغيرة تتسع لسبعة ركاب) أو ما يطلق عليها في المناطق الشعبية "التمناية"، حالة من القلق بين العاملين في تلك الوسيلة لنقل الركاب، ومصدر القلق هو عدم معرفة مصير هؤلاء من العمل خلال الأيام المقبلة.

وزاد من حالة القلق بين سائقي "التوك توك" تصريحات المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء نادر سعد، عندما أكد مؤخراً أن هناك عدة حلول مرتقبة، من بينها استبدال "التوك توك"، الذي وصل سعره إلى ما بين 30 و40 ألف جنيه، بالسيارة الميني بعد تحويله خردة، مع دفع صاحبه باقي الأقساط، علماً بأن ثمن السيارة الميني يزيد على 160 ألف جنيه (9697 دولاراً)، وذلك مثلما حدث باستبدال التاكسي الأسود بالأبيض. 

وتسود مخاوف لدى أصحاب التوك توك من عدم القدرة على سداد أقساط الحافلات الصغيرة التي سيجرى تمويل شرائها عبر البنوك.

وقبل تطبيق القرار، كثّفت الحكومة من خلال وسائل الإعلام المختلفة التابعة لها محاولات تشويه صورة تلك المركبة الصغيرة، بأنها أصبحت وسيلة للفوضى في الشوارع، وأحد أسباب أزمة المرور، خاصة في شوارع القاهرة الكبرى (تضم محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية)، وسيْرها عكس الاتجاه، وإعاقة الطريق لعدم التزامها خطوط سير محددة، وبأنها وسيلة لانتشار السرقات وتجارة المخدرات والخطف والقتل، ويقودها أطفال صغار وبلطجية، وأنها شبح مخيف، وتشوّه المظهر الجمالي للشوارع والمدن، مما يتطلب تقنين الأوضاع الخاصة بها.

وحسب إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) فإن عدد متوسط مركبات التوك توك داخل المحافظات المصرية يتراوح بين 2.5 و3 ملايين مركبة، منها حوالي 10 في المائة مرخصة.

ويرى الجهاز أن عدم ترخيصها يضيّع على الدولة أموالاً كثيرة تصل إلى نحو مليار جنيه سنوياً، تتجسد في صورة إيرادات لخزانة الدولة عن طريق التراخيص وتحرير المخالفات، بينما تؤكد وزارة التنمية المحلية أن هناك 416 ألف توك توك في شوارع مصر، منها 233 ألفاً مرخصة، يعمل بها ما يقرب من 450 ألف شخص معظمهم من الشباب وأرباب أسر، ويستخدمه نحو 24 مليون مواطن في 27 محافظة يومياً، وترى الوزارة في تقارير لها أن تلك المركبة تهدد الأمن القومي للبلاد.

ويرفض وحيد قرقر، عضو لجنة النقل في مجلس النواب (البرلمان)، قرار الحكومة باستبدال مركبة "التوك توك" بالسيارة "الميني فان" بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة لأصحاب تلك المركبة.

ويشير قرقر إلى أن تلك الخطورة ستؤدي إلى حالة غضب وغليان في الشارع لما يقرب من نصف مليون سائق يعملون على تلك المركبة الصغيرة، 80 في المائة من هؤلاء أصحاب أسر، و20 بالمائة أطفال يعملون لظروف أسرية لوفاة عائل الأسرة، وسبب اتجاه البعض إلى العمل بتلك الوسيلة البطالة وعدم وجود فرص عمل، لافتاً إلى أن التحكم في منظومة التوك توك يبدأ من ترخيصه، وعمل رخصة لصاحبه.

ويبدي السيد حامد الذي يمتلك توك توك في إحدى ضواحي القاهرة، قلقاً متزايداً مما وصفه بالمصير المجهول، مؤكداً في الوقت نفسه أن هناك صعوبة في تنفيذ قرار الحكومة بسحب هذه المركبة من الشوارع. ويقول: "هناك ملايين من هذه المركبات موجودة بالشوارع تخدم يومياً الملايين من البشر".

وتساءل حامد: "أين الحكومة من انتشار التوك توك خلال عشرات السنوات الماضية؟ أنا مش معايا فلوس (ليس معي نقود) أشتري العربية الـ7 راكب، سعرها غالي، إنما التوك توك سعره قليل، وبيفتح بيت زيه زي العربية".

ويقول يوسف محمد الذي يحمل مؤهلاً جامعياً ويمتلك توك توك: "ليس صحيحاً أن من يقود التوك توك بلطجية وحرامية (لصوص) كما تروج الحكومة".

ويشير محمد إلى أن الدخل اليومي من وراء العمل على التوك توك يتراوح بين 100 إلى 200 جنيه، يتم استقطاع مصاريف البنزين والتصليح منها.

ويقول خالد علي، الذي يعمل سائقاً بالأجر على مركبة توك توك "مثل تلك القرارات غير المدروسة سوف تدفع الشباب إلى النهب والقتل لأنه مفيش فلوس (لا يوجد مال)"، مضيفاً: "أعمل في هذه الشغلانة لكي أنفق على أسرتي المكونة من أربعة أفراد من بينهم أطفال في المدارس".

دلالات

المساهمون