وعود تحولت إلى سراب: أزمة مصر الاقتصادية تتفاقم رغم القروض والتعويم

وعود تحولت إلى سراب: أزمة مصر الاقتصادية تتفاقم رغم القروض والتعويم

19 يناير 2023
عشرات الملايين من المصريين سيكافحون من أجل كسب قوت يومهم رغم وعود 10 سنوات (Getty)
+ الخط -

قامت مصر في يناير/كانون الثاني الجاري بالتعويم الثالث خلال أقل من عام والرابع منذ 2016 لعملتها المحلية الجنيه أملا في حلحلة أزمتها الاقتصادية المتفاقمة واستجابة لروشتة صندوق النقد الدولي للحصول على قرض الـ3 مليارات دولار.

والسؤال المطروح على المستوى الاقتصادي حالياً هو هل ستنجح مصر في عبور أزمتها الاقتصادية؟

رغم فقدان الجنيه المصري لنحو 100% من قيمته منذ التعويم الأول في مارس/آذار 2022 والرابع منذ 2016، حيث وصل سعره الرسمي إلى 29.7 جنيها للدولار من 15.7 جنيها للدولار، فإن كثيرا من المتعاملين يرون أن الحصول على الدولار من المنافذ الرسمية مازال صعبا، كما ان السوق السوداء ما زالت موجودة.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

يرى البعض أن البنوك تعلن عن سعر رسمي لبيع الدولار بنحو 29.7 جنيها لكن عند الشراء تفرض رسوما بنسبة 6% تقريبا إضافية فيصل السعر إلى 31.5 جنيها تقريبا وهو قريب من السعر المتداول في السوق السوداء.

وعود كاذبة

وفقاً لتقرير صحيفة "فاينانشيال تايمز" المنشور الثلاثاء، فإن "الرئيس عبد الفتاح السيسي وعد شعبه منذ ما يقرب من عقد من الزمان، بإنعاش الاقتصاد وبناء دولة جديدة. لكن عندما تصادف مصر هذا العام الذكرى السنوية العاشرة للانقلاب الذي أوصل قائد الجيش السابق إلى السلطة، لن يجد المصريون الكثير مما يدعوهم إلى الابتهاج".

وتضيف الصحيفة أن "عشرات الملايين من الناس سيكافحون من أجل وضع الطعام على موائدهم حيث انخفض الجنيه المصري إلى أدنى مستوياته القياسية وارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 20 في المائة. كما يعاني القطاع الخاص من نقص في العملات الأجنبية لمدة عام تقريبًا وهو ما يخنق الشركات".

وتؤكد الصحيفة أن "نظام السيسي الاستبدادي يقع أيضًا على عاتقه مسؤولية مباشرة لأنه ترأس دولة تعيش بما يتجاوز إمكانياتها"، حيث "يكمن جوهر مشاكل مصر في الاعتماد المفرط على الأموال الساخنة التي تتدفق إلى ديونها المحلية كمصدر للعملة الأجنبية، والتوسع الكبير لدور الجيش في الاقتصاد".    

دور اقتصادي مهيمن للجيش

ترى الصحيفة أن "المشكلة الأعمق هي دور الجيش في الاقتصاد، والذي يمتد من محطات البنزين إلى البيوت البلاستيكية، ومصانع المكرونة، ومصانع الأسمنت، والفنادق، ووسائل النقل وما وراءها. كما يشرف على المئات من مشاريع تطوير البنية التحتية للدولة، بما في ذلك المشاريع الضخمة مثل بناء عاصمة إدارية جديدة ومدن في الصحراء".

أدى الدور المتزايد للمؤسسة العسكرية إلى مزاحمة القطاع الخاص، وإعاقة الاستثمار الأجنبي المباشر الذي من شأنه أن يولد فرص عمل والذي يعتبر مصدرا أكثر استدامة للعملة الصعبة. 

وترى الصحيفة أن صندوق النقد الدولي عندما قدم لمصر القرض الأول بقيمة 12 مليار دولار عام 2016، قام لسبب غير مفهوم، بالالتفاف حول هذه القضية بينما قامت القاهرة بإلغاء النقاش الداخلي.

وتقول إن الأمر يعود الآن بعد القرض الأخير، إلى الصندوق والمانحين لاستخدام نفوذهم لضمان وفاء النظام الذي يقوده الجيش في مصر للوفاء بالتزاماته التي تعهد بها.

وتختم الصحيفة بأن الافتراض السائد الذي تستند إليه القاهرة بأن الحلفاء المانحين لن يتركوها تفشل وسوف ينقذونها وقت الأزمات، لكن الواقع يؤكد أن نحو 60 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر أو فوقه بقليل ويزدادون فقرًا، وأن الدولة تخذل مواطنيها بالفعل، وإذا كان حلفاء القاهرة جادين في مساعدة البلاد، فعليهم الضغط على السيسي للوفاء بتعهداته.

تحول في الموقف السعودي

يؤكد ما وصلت إليه الصحيفة، تصريحات وزير المالية السعودي محمد الجدعان أمس الأربعاء، في دافوس، والتي أكد خلالها أن بلاده غيّرت طريقة تقديم المساعدات لحلفائها والخاصة بتقديم منح مباشرة وودائع دون شروط.

وأضاف الجدعان: "اعتدنا على تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط.. ونحن نغير ذلك.. كما نحث دول المنطقة على القيام بإصلاحات".

وأكد أن "المساعدات التي ستقدمها المملكة للدول الأخرى ستكون مشروطة بإصلاحات، نحن في حاجة لأن نشهد إصلاحات. نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم".

وتحركت السعودية ودول خليجية أخرى، مثل الإمارات وقطر، بشكل متزايد، نحو الاستثمار بدلاً من تقديم مساعدات مالية مباشرة.

ووقعت السعودية في يونيو/حزيران اتفاقات بقيمة 7.7 مليارات دولار مع مصر، بما في ذلك بناء محطة طاقة بقيمة 1.5 مليار دولار، وقالت إنها تعتزم قيادة استثمارات بقيمة 30 مليار دولار لمساعدة حليف قديم يواجه ضعف العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية.

كما أسست المملكة شركات في مصر والأردن والبحرين والسودان والعراق وعُمان سعياً إلى استثمارات تصل إلى 24 مليار دولار هناك. 

تحديات التمويل الخارجي 

ترى وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني في تقريرها الصادر أمس الأربعاء، أن احتياجات التمويل الخارجي الكبيرة وتعديلات السياسات ذات الصلة تشكل مخاطر مهمة على الاقتصاد المصري.

وأشارت الوكالة إلى أن العجز الواسع في الحساب الجاري في السنوات الأخيرة اقترن بتدفقات خارجية لاستثمارات حافظة غير المقيمين في الدين الحكومي المحلي، والتي انخفضت بنحو 18 مليار دولار أميركي بين فبراير/شباط وسبتمبر/أيلول 2022 ، لتصل إلى 13 مليار دولار أميركي، أي ما يعادل حوالي 40% من احتياطيات نهاية عام 2022. 

وقد أدى خروج الأموال الساخنة وفقا للوكالة إلى انخفاض كبير في هوامش السيولة الخارجية لمصر، حيث عوضت تلك الأموال في السابق احتياجات البلاد من الدولار.

وقالت الوكالة إن المزيد من ضغوط التمويل الخارجي قد تؤدي إلى خفض تصنيف مصر، والذي كان عند "B +" في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، مع مراجعة التوقعات إلى سلبية من مستقرة. 

ومع ذلك، تعتقد فيتش أن المرونة المستمرة في أسعار الصرف وأسعار الفائدة المرتفعة، إلى جانب حزمة تمويل صندوق النقد الدولي، يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في تخفيف ضغوط السيولة الخارجية.

وتتوقع السلطات الحصول على تمويلات خارجية بنحو 6 مليارات دولار قبل انتهاء السنة المالية الحالية في نهاية يونيو/حزيران 2023، موزعة أول دفعة بقيمة 750 مليون دولار من الصندوق، و 3.75 مليارات دولار أخرى من مصادر متعددة الأطراف و1.5 مليار دولار من الصكوك وإصدار السندات.

كما تتوقع السلطات الحصول على 12 مليار دولار قبل نهاية السنة المالية الحالية، عبر صافي الاستثمار الأجنبي المباشر وعائدات الخصخصة، مدعومة بالتزامات مختلفة من الحكومات الخليجية.

وبعد أحدث انخفاض لقيمة العملة الأسبوع الماضي، قال البنك المركزي المصري يوم الاثنين إن المستثمرين الأجانب حولوا أكثر من 925 مليون دولار إلى سوق الصرف الأجنبي في البلاد.

وتتوقع "فيتش" أن تصل احتياجات مصر من التمويل الخارجي للسنتين الماليتين 2023 و2024 إلى ما لا يقل عن 19 مليار دولار و22.5 مليار دولار على التوالي.

وتستثني الوكالة من ذلك التزامات الديون الثنائية التي تبلغ حوالي 8 مليارات دولار في عام 2023 و 6 مليارات دولار في عام 2024، مثل الودائع من الحكومات الخليجية، حيث يرجح تجديدها كما حدث في مرات سابقة.

وترى الوكالة ان هناك احتمال حدوث عجز أو تقلب في تدفقات الاستثمار في حافظة الأوراق المالية من غير المقيمين أو ما يعرف بالأموال الساخنة، خاصة إذا كانت السياسات الحكومية أقل من توقعات المستثمرين أو تعرض الاقتصاد لصدمات إضافية. 

مخاطر اقتصادية  

ترى الوكالة أنه على المدى القريب، سيؤدي ضعف سعر الصرف وارتفاع أسعار الفائدة إلى ارتفاع نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي وإلى الإيرادات.
وهناك وفقا لـ"فيتش" خطر آخر يتمثل في أن الاقتصاد قد يتعطل أكثر بسبب ارتفاع التضخم، أو أن تؤدي زيادة عدم الاستقرار الاجتماعي إلى دفع السلطات لتخفيف الإصلاحات المالية والاقتصادية. وهو ما سيساهم في الضغط على التصنيف الائتماني باتجاه هبوطي.

وقالت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني في تقرير لها في وقت سابق من الشهر الجاري، إن انخفاض قيمة الجنيه المصري سيُضعف قدرة مصر على تحمل خدمة الديون الخارجية ويرفع مستوى المحلية منها.

وأضافت الوكالة أنه على الرغم من مساهمة مرونة سعر الصرف في إعادة التوازن للحسابات الخارجية والمحافظة على احتياطيات النقد الأجنبي، فإنها في الوقت ذاته سترفع معدلات التضخم، متوقعة مزيدا من رفع الفائدة في البنك المركزي وانخفاض الجنيه.

ولفتت إلى أن فاتورة الفائدة المرتفعة لسداد خدمة الديون ستزاحم إنفاق الحكومة على بنود أخرى، مثل تدابير الدعم الاجتماعي والاستثمار العام وستؤثر على قدرة الحكومة على الإنتاج.

كما أن ضعف العملة يقلل أيضًا قدرة خدمة الدين الخارجي للحكومة من خلال زيادة تقييم ديون العملة الأجنبية.

(الدولار= 29.7 جنيهاً تقريباً)

المساهمون