هل يكسب بايدن معركة "النفوذ الناعم" لبلاده ضد الصين؟

حرب باردة على "النفوذ الناعم" بين الولايات المتحدة والصين

10 اغسطس 2021
بايدن أمام معركة المال والدبلوماسية في نيويورك (Getty)
+ الخط -

من المتوقع أن تكون دورة انعقاد اجتماعات الأمم المتحدة السنوية في 14 سبتمبر/أيلول المقبل في نيويورك، أول اختبار حقيقي للشعار الذي أطلقه الرئيس جوزيف بايدن بعد دخوله البيت الأبيض وتسلمه منصب الرئاسة في واشنطن، وهو "عودة أميركا للعالم". وبالتالي فالعالم ينتظر من الولايات المتحدة في هذه الدورة المزيد من الدعم المالي لمنظمات وبرامج الأمم المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة.

لكن ما الذي أعده بايدن من دعم لميزانية الأمم المتحدة، وما هي البرامج التي ستستفيد من شعار "أميركا عادت للعالم"؟
وفق محللين من المتوقع أن ترتفع مساهمة الولايات المتحدة في المساعدات الدولية وتمويل برامج الأمم المتحدة وميزانيتها قليلاً في عهد الرئيس بايدن عما كانت عليه في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، رغم " الشعارات البراقة" التي رفعها لدى دخوله البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني. لكن آخرين يرون أن الطريق لا يزال طويلاً أمام بايدن الذي يسعى لكسب العالم وعزل الصين وتحجيم تمددها الاقتصادي.
وحسب تحليل بمعهد "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي، بلغت مساهمة الولايات المتحدة في تمويل برامج الأمم المتحدة 11 مليار دولار في عام 2019، ويعادل هذا الرقم تقريباً نسبة 25% من ميزانية المنظمة الأممية. ويعد هذا المبلغ أكثر قليلاً من نسبة 20% التي تنفقها أميركا على المعونات الدولية التي تقدمها إلى دول العالم والبالغة 50 مليار دولار سنوياً.
ويتوقع خبراء أن يرفع بايدن من إسهامات بلاده لبعض الوكالات الأممية التي تضررت من سياسة سابقه الرئيس دونالد ترامب، وعلى رأسها وكالة أونروا التي تقدم العون للاجئين الفلسطينيين، ولكن ربما لن يكون هنالك صرف عاجل خلال العام الجاري حتى للمؤسسات المتضررة.
وحسب إعلان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، فإن الولايات المتحدة ستدعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" أونروا" بنحو 230 مليون دولار في العام الجاري 2021. في الصدد ذاته، تشير بيانات الميزانية الأميركية لعام 2021/ 2022، إلى أن إدارة بايدن سترفع ميزانية الدبلوماسية الناعمة والعون الدولي خلال عام 2021 إلى 63.8 مليار دولار بزيادة 6.1 مليارات دولار عن العام السابق 2020. ويشمل هذا المبلغ 58.5 مليار دولار لميزانية وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية، بزيادة 5.4 مليارات دولار عن العام الماضي 2020.
وكان الرئيس بايدن قد أرسل مقترح ميزانيته لعام 2021/ 2022 إلى الكونغرس في نهاية مايو/أيار الماضي بقيمة 6 تريليونات دولار. وشملت الميزانية زيادة المعونات الدولية ومساهمة الولايات المتحدة في نفقات الأمم المتحدة.
ورغم أن بايدن الذي يتبنى استراتيجية مواجهة التمدد الاقتصادي الصيني عبر بناء "تحالف الديمقراطيات الرأسمالية" بحاجة ماسة لكسب حلفاء في العالم، إلا أنه ربما سيواجه عقبات عديدة لكسب العالم وهزيمة النفوذ الصيني المتنامي على حساب تراجع نفوذ بلاده.
في هذا الصدد، يقول الدبلوماسي الأميركي السابق لمكتب المساعدات الدولية بوزارة الخارجية، جيم ريتشاردسون، بينما تنفق الولايات المتحدة 10 أضعاف ما تنفقه الصين على المساعدات الدولية، كما تنفق 20 ضعفاً مما تنفقه الصين على المنظمات الأممية، فإن الولايات المتحدة لا تزال متأخرة كثيراً في صراع كسب النفوذ العالمي.
ومثال على تقدم بكين في النفوذ على واشنطن، وقعت 140 دولة على مشروع مبادرة " الحزام والطريق" التي ابتدعتها الحكومة الصينية في عام 2013 ضمن استراتيجية ربط الأسواق العالمية وممرات التجارة والطرق بالاقتصاد الصيني، كما أن بكين كسبت خلال السنوات الأخيرة رئاسة 4 منظمات دولية من بين 15 منظمة أممية رئيسية تضع النظم والقوانين التي تحكم التجارة والتقنية في العالم.

ويفسر الدبلوماسي والسفير الأميركي الأسبق لدى الأمم المتحدة، ريتشاردسون، تقدم بكين على حساب واشنطن بأربعة عوامل رئيسية رغم ما تقدمه الولايات المتحدة من مساعدات مالية وما لديها من انتشار دبلوماسي واسع وقوة ناعمة تدعمها الثقافة والسينما واللغة الإنكليزية ووسائل الإعلام و"السوشيال ميديا" والعقود الطويلة من الهيمنة شبه المطلقة على العالم مقارنة بالصين التي صعدت خلال عقدين فقط لتصبح قوة مؤثرة في النفوذ العالمي.
أول هذه الأسباب، سرعة بكين في تنفيذ مشروعاتها الدولية مقارنة بالبطء والبيروقراطية التي تهيمن على القرار الأميركي. ويرى محللون في ذات الشأن، أن هذا البطء وما يصاحبه من شروط عديدة من الكونغرس الأميركي قبل إجازة التمويل جعل العديد من الدول النامية المضطرة للحصول على معونات أو بناء مشروعات تنموية، تتجه للصين التي تجد منها استجابة سريعة وسرعة في التنفيذ مقارنة ببيروقراطية واشنطن.
أما العامل الثاني، فهو أن الحكومة الصينية تقوم بتنفيذ مشروعات ضخمة ومرئية بالنسبة للشعوب العالمية وذات تأثير فعلي على الاقتصادات. وهذا العامل يدعم الحكومات في هذه الدول، كما أن الصين تشترط في تنفيذ المشاريع أن تقوم شركاتها وتضع بصماتها بوضوح على المشروعات المنفذة، وبالتالي فهي تربط هذه المشروعات بثقافتها الهندسية وصناعتها.
وطرح الرئيس بايدن خلال قمة مجموعة السبع في بريطانيا مشروعاً موازيا لمبادرة "الحزام والطريق". ويستهدف المشروع تحديث البنى التحتية في العالم بتمويل أميركي أوروبي ياباني، ولكن هذا التمويل من غير المتوقع أن يضاهي قيمة التريليون دولار التي أنفقتها بكين حتى الآن على مشروع "الحزام والطريق"، كما أن القطاع الخاص الغربي ربما لن يكون متحمساً للدخول في مشروعات ذات عائد منخفض.
أما العامل الثالث فيتعلق بلجوء الحكومة الأميركية لاستخدام القوة العسكرية بشكل مكثف في قهر الشعوب، وبالتالي فإن القوة الخشنة أو التدخل العسكري المباشر للحكومة الأميركية وما سببه من دمار في البنية القومية للدول، كان أثره أكبر كثيراً من المساعدات المالية التي تقدمها واشنطن أو المشروعات التي تبنيها للشعوب، بينما الصين لم يعرف عنها غزو الدول على الرغم من عدم شعبية النظام الشيوعي في العالم. وإنما عرف عنها بناء المشروعات. وبالتالي فإن القوة الناعمة الأميركية تواجه كوابح عديدة مقابل الانطلاقة المرنة للتمدد الدبلوماسي والاقتصادي الصيني.
وتستخدم واشنطن إلى جانب القوة الناعمة والمعونات في توسيع دائرة نفوذها غير العسكري قوة الدولار ونفوذها المالي والمصرفي. ومن بين المؤسسات المالية الدولية المشتركة التي تستخدمها واشنطن لدعم سياساتها الخارجية والتصويت لقراراتها في الأمم المتحدة، صندوق النقد والبنك الدوليان. أما العامل الرابع فهو وصفات قروض صندوق النقد الدولي لاصلاح اقتصادات الدول المرتبطة دوماً بشروط التقشف والتضييق المعيشي على الشعوب.  

في هذا الصدد، كشفت العديد من الدراسات، أن قروض صندوق النقد والشروط المصاحبة لها تصمم وفقاً لمقياس تصويت الدولة مع قرارات واشنطن في الأمم المتحدة والمؤسسات العالمية المشتركة. وقد استخدمت واشنطن كلا من الصندوق والبنك الدوليين بكثافة خلال الحرب الباردة ضد دول المعسكر الشيوعي.
لكن يلاحظ خبراء أن أهمية هذه المؤسسات باتت تتراجع بسبب توفير الصين لمؤسساتها قروضاً شبيهة بقروض صندوق النقد لتمويل مشروعات الدول، وذلك على الرغم من أن المؤسسات المالية تتعرض للعديد من الانتقادات في أفريقيا وآسيا بسبب إغراقها الدول بالديون، وربما تستخدم لاحقا الشركات الصينية الديون مصيدة مستقبلاً للاستيلاء على ثروات الدول.
ومصطلح " القوة الناعمة" من المصطلحات الجديدة التي أطلقها البروفسور بجامعة هارفارد، جوزيف ناي، في التسعينيات. وحسب توصيف ناي فإن "القوة الناعمة" تعني قوة جاذبية الأمة أو الشعب وتبنى على مجموعة عوامل ثقافية وسياسية وإنسانية في مقابل قوى القهر التي تمثلها القوة العسكرية والاقتصادية.

المساهمون