هل كسرت دولة الاحتلال شوكة المقاطعة؟

هل كسرت دولة الاحتلال شوكة المقاطعة؟

01 يونيو 2022
حفل توقيع اتفاقية إقامة منطقة التجارة الحرة بين الإمارات وإسرائيل (تويتر)
+ الخط -

للأسف، نجحت دولة الاحتلال في إحداث اختراق ملحوظ في ملف التطبيع الاقتصادي مع الدول العربية، وإضعاف سلاح المقاطعة، بل وإقناع بعض الرافضين للتطبيع بأن المقاطعة باتت جزءاً من الماضي، وأن على الجميع، بمن فيهم الشعوب، القبول بالأمر الواقع، والدخول في شراكات اقتصادية وتجارية ومالية وزراعية وصناعية وسياحية وتقنية.

والأخطر محاولة إدخال السلع والمنتجات الإسرائيلية إلى الأسواق والبيوت العربية، بل وإلى معدة وأمعاء المواطن العربي، وكأنها شئ عادي ودون أن يشعر المستهلك بوخز ضمير وخيانة آلاف الشهداء.

أمس، الثلاثاء، وقّعت إسرائيل، في دبي، أول اتفاق للتجارة الحرة مع دولة عربية، هي الإمارات، وسارعت دولة الاحتلال إلى الإشادة بهذا التطور التاريخي على لسان رئيس الوزراء نفتالي بينت، الذي قال في تغريدة: "التاريخ... لقد وقّعت إسرائيل والإمارات أول اتفاقية تجارية تاريخية بين إسرائيل ودولة عربية... اتفاقيات التجارة الحرة بين الدول تستغرق سنوات طويلة في العادة".

دولة الاحتلال تسعى إلى إدخال السلع الإسرائيلية إلى الأسواق العربية، بل وإلى معدة وأمعاء المواطن، دون أن يشعر بوخز ضمير

كما صدرت تصريحات مماثلة عن الجانب الإماراتي منها مثلا ما قاله سفير الإمارات لدى تل أبيب، محمد آل خاجة، عبر صفحته الرسمية على موقع تويتر: "توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات وإسرائيل إنجاز كبير، فهي تجعل الشركات تصل مباشرة إلى الأسواق، وتستفيد من إلغاء أو تخفيض الرسوم الجمركية، سنعمل معا وفقها لزيادة الاستثمارات وخلق الوظائف وتعزيز الجهود من أجل المناخ والأمن الغذائي، شكرا لك أوهاد كوهين على جهودكم".

وكوهين الذي يشكره السفير الإماراتي هو مدير إدارة التجارة الخارجية بوزارة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية ورئيس فريق التفاوض الإسرائيلي مع الإمارات.

أخطر ما في توقيع اتفاقية اقتصادية شاملة من هذا النوع بين أبوظبي وتل أبيب، لا يكمن فقط في أنه أول اتفاق للتجارة الحرة تبرمها دولة الاحتلال مع دولة عربية، وإن كان هذا أمراً بالغ الخطورة، وخاصة على مستوى كسر الحصار الاقتصادي المفروض على إسرائيل منذ سنوات طويلة، ومحاولة اختراق الاسواق العربية.

ولا يقتصر الخطر على مزايا الاتفاقية الكبيرة التي سترفع قيمة التدفقات التجارية بين الإمارات وإسرائيل إلى 10 مليارات دولار سنوياً في 5 أعوام، وإضافة 1.9 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للدولة الخليجية، وزيادة قيمة الصادرات غير النفطية للإمارات وفق بيانات صادرة أمس عن البلدين.

لكن خطورتها تكمن في كونها تفتح أبواب كل الأسواق الخليجية أمام إسرائيل، وهي "أسواق تمرّ بتغييرات متسارعة منذ توقيع اتفاقيات أبراهام"، وفق بيان صادر عن وزارة الاقتصاد الإسرائيلية أمس.

وما لم يقله بيان دولة الاحتلال أن الأسواق الخليجية تستورد كل شئ، وأن حجم التجارة الخليجية ضخم حيث تجاوز 840 مليار دولار في العام 2020، منها واردات بقيمة تزيد عن 400 مليار دولار، وأن دول الخليج لديها سيولة مالية ضخمة تمكنها من استيراد أي شئ بغض النظر عن سعره، وهو ما يسيل لعاب الشركات الإسرائيلية.

أخطر ما في توقيع اتفاقية اقتصادية شاملة بين أبوظبي وتل أبيب، لا يكمن فقط في أنه أول اتفاق للتجارة الحرة تبرمها دولة الاحتلال مع دولة عربية

دولة الاحتلال لا تستهدف من الاتفاقية الاقتصادية التي وُقِّعَت أمس جذب مليارات الدولارات من الإمارات، فقد أعلن الصندوق السيادي الإماراتي في وقت سابق عن ضخ 10 مليارات دولار في شرايين الاقتصاد الإسرائيلي.

إضافة إلى إبرام أبوظبي مئات الاتفاقات بعشرات المليارات في كل المجالات الاقتصادية، من إقامة مشروعات متخصصة في مجال أنشطة السياحة والطيران والزراعة والصناعة والنقل وتكنولوجيا المعلومات والبنوك والخدمات المالية والنفطية واللوجستية، ومنع الازدوج الضريبي وغيرها.

وهناك ما يقرب من 1000 شركة إسرائيلية ستعمل في الإمارات ومن خلالها بحلول نهاية العام الجاري، كما قال رئيس مجلس الأعمال الإماراتي الإسرائيلي دوريان باراك أمس الثلاثاء، والذي أكد أيضا أنّ "دبي أصبحت بسرعة مركزاً للشركات الإسرائيلية التي تتطلع إلى جنوب آسيا والشرق الأوسط والشرق الأقصى كأسواق لسلعها وخدماتها".

دولة الاحتلال تريد من خلال خطوات التطبيع المتسارعة، خاصة مع الإمارات والمغرب، كسر الحصار الاقتصادي العربي المفروض عليها منذ سنوات

لكن دولة الاحتلال تريد من خلال خطوات التطبيع المتسارعة مع دول المنطقة، خاصة الإمارات والمغرب، كسر الحصار الاقتصادي العربي المفروض عليها منذ سنوات طويلة، وطيّ صفحة المقاطعة العربية للأبد، وفتح المجال واسعاً أمام الصادرات والمنتجات الإسرائيلية لتغزو كل بيت عربي.

فهل يقبل المواطن والمستهلك تلك الضغوط الشديدة التي تمارس عليه كل يوم، أم سيواصل التمسك بسلاح المقاطعة، ضارباً بالتقارب الاقتصادي والاتفاقات الرسمية عرض الحائط؟

المساهمون