هذه أسباب تدهور الاقتصاد السوري إلى قاع جديد

06 يناير 2023
الفقر يجتاح شرائح واسعة من الشعب السوري المفتقر لأبسط مقوّمات العيش الكريم (فرانس برس)
+ الخط -

مع تصاعد التضخم وهبوط العملة والنقص الحاد في الوقود في كل من المناطق التي يسيطر عليها النظام والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة، يمكن القول إنّ الاقتصاد السوري وصل الآن إلى أدنى مستويات أدائه منذ بداية الحرب قبل نحو 12 عاماً.

فقد وصلت الحياة في دمشق إلى طريق مسدود. الشوارع خالية تقريباً من السيارات، وتتلقى المنازل بضع ساعات يومياً من الكهرباء في أحسن الأحوال، وارتفعت كثيراً كلفة الطعام وبقية الضروريات.

وأدى الألم الاقتصادي المتزايد إلى احتجاجات في المناطق التي تسيطر عليها حكومة الرئيس بشار الأسد، والتي قوبلت أحياناً برد فعل عنيف.

وفي ما يلي نظرة على سبب تفاقم الوضع الاقتصادي وتأثيراته المحتملة:

  • تدهور الليرة السورية

سجلت الليرة السورية أدنى مستوياتها على الإطلاق عند 7 آلاف ليرة مقابل الدولار في السوق السوداء، الأسبوع الماضي، قبل أن تنتعش إلى نحو 6 آلاف ليرة. لكن لا يزال هذا هبوطاً كبيراً، نظراً لأنّ المعدل كان حوالى 3600 ليرة قبل عام واحد.

وقد رفع "مصرف سورية المركزي" سعر الصرف الرسمي من 3015 إلى 4522، يوم الإثنين الفائت، في محاولة على ما يبدو لإغراء الناس لاستخدام السعر الرسمي بدلاً من التجارة في السوق السوداء.

ووسط نقص الوقود، رفعت الحكومة أسعار البنزين والديزل. بالسعر الرسمي، يناهز سعر صفيحة البنزين (20 لتراً) الآن نحو راتب شهر كامل لموظف حكومي متوسط، وهو حوالي 150 ألف ليرة سورية، أي 25 دولاراً بسعر السوق السوداء. وتوقف بعض الموظفين عن الحضور إلى العمل لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف النقل.

الباحث السويسري والأستاذ بمعهد الجامعة الأوروبية جوزيف ضاهر، قال لوكالة رويترز: "بما أنّ الأجور لا تقترب من تغطية تكاليف المعيشة، فإنّ معظم الناس يعيشون على التحويلات، ويعيشون على وظيفتين أو ثلاث وظائف وعلى المساعدة الإنسانية".

وأبلغ مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسورية غير بيدرسون مجلس الأمن الدولي، في 21 ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، بأنّ "احتياجات الشعب السوري وصلت إلى أسوأ المستويات منذ بدء الصراع".

واندلعت احتجاجات في بعض المناطق التي يسيطر عليها النظام، لا سيما في بلدتي السويداء ودرعا في الجنوب. ففي السويداء، الشهر الماضي، قُتل متظاهر وضابط شرطة بعدما تحولت تظاهرة إلى أعمال عنف.

  • تباطؤ شحنات النفط

بغض النظر عن سنوات الحرب والعقوبات والفساد المستشري، شهد الاقتصاد السوري سلسلة من الصدمات منذ عام 2019، بدءاً من انهيار النظام المالي اللبناني في ذلك العام.

وزير الاقتصاد اللبناني الأسبق ناصر السعيدي قال إنه "نظراً إلى الحدود المفتوحة بين سورية ولبنان وكلاهما لديه اقتصاد يعتمد على النقد بشكل متزايد"، فإنّ أسواقهما مرتبطة بشكل لا ينفصم، مشيراً إلى ارتفاع الأسعار في سورية.

وتضررت سورية أيضاً من الانكماش الاقتصادي العالمي الناجم عن جائحة كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا.

لكن المحللين قالوا إنّ العامل الأكثر أهمية هو التباطؤ الأخير في شحنات النفط من إيران، التي كانت المصدر الرئيسي للوقود لدمشق منذ السنوات الأولى للصراع، علماً أنه قبل الحرب كانت سورية دولة مصدرة للنفط.

والآن تسيطر جماعات يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة على أكبر حقولها النفطية في شرق البلاد، لذا يتعين على دمشق استيراد النفط.

الخبير الاقتصادي ورئيس تحرير "سيريا ريبورت" جهاد يازجي أشار إلى أنّ دمشق تشتري النفط من إيران بالدين، لكن "عندما يبيعون النفط في الأسواق يبيعونه نقداً"، لذا فإنّ مواجهة معروض النفط تقلل أيضاً من المعروض النقدي للحكومة.

وألقى وزير النفط السوري بسام طعمة في حديث للتلفزيون الرسمي في نوفمبر/ تشرين الثاني باللوم في نقص الوقود على العقوبات الغربية والتأخيرات الطويلة في إمدادات النفط من دون أن يوضح أسباب التأخير، بينما لم يرد مسؤولون إيرانيون على طلب للتعليق.

تراجع المساعدات

في كل عام، يعاني سكان مخيمات النزوح المؤقتة في آخر معقل تسيطر عليه المعارضة في محافظة إدلب الشمالية الغربية من العواصف والطقس البارد.

وقال محللون إنهم تعرضوا هذا الشتاء أيضاً للأزمة الاقتصادية في تركيا المجاورة، التي تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي، فضلاً عن ارتفاع الأسعار وتقلص المساعدات بسبب حرب أوكرانيا، حيث شهدت إدلب طوابير طويلة على محطات توزيع المحروقات.

في غضون ذلك، تدور معركة متكررة بين روسيا واللاعبين الدوليين الآخرين حول السماح للمساعدات بعبور الحدود من تركيا إلى شمال غربي سورية في الأمم المتحدة.

ومن المقرر أن ينتهي التمديد لستة أشهر لآلية المساعدة عبر الحدود، يوم الثلاثاء، مع تصويت مجلس الأمن الدولي على تجديدها في اليوم السابق.

وتريد روسيا وصول المساعدات عبر دمشق، بحجة أنّ المساعدات القادمة من تركيا يتم استغلالها من قبل الجماعات المسلحة وأن المجتمع الدولي لا يقدم مساعدة كافية للأشخاص في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

لكن المنظمات الإنسانية ترسم صورة قاتمة لعواقب قطع المساعدات عبر الحدود. فقد قالت المديرة القُطرية للجنة الإنقاذ الدولية تانيا إيفانز إنّ أسعار الوقود والغذاء آخذة في الارتفاع، بينما يتقلص تمويل المساعدات الإنسانية، مضيفة: "وهذا إلى جانب طقس الشتاء وتفشي الكوليرا سيكون مزيجاً مميتاً إذا تم إغلاق شريان الحياة الوحيد المتبقي لهذا الجزء من سورية".

ماذا بعد؟

إذا استمرت الأزمة، يرجح محللون أن يكون هناك مزيد من الاحتجاجات، لكنهم استبعدوا احتمال اندلاع انتفاضة جديدة مناهضة للحكومة على مستوى البلاد، مثل تلك التي اندلعت عام 2011، ما أدى إلى حملة قمع دموية أدخلت البلاد في حرب أهلية.

ورجحوا أن تستمر البلاد في التعثر رغم المساعدات والتحويلات المالية من الخارج. قال ضاهر إنّ السوريين الذين شملهم الاستطلاع كجزء من دراسة ستُنشر قريباً أفادوا بأنهم يتلقون في المتوسط ما بين 100 و200 دولار شهرياً من أقاربهم في الخارج.

وانتهى إلى القول إنّ "الناس متعبون للغاية ويفكرون قبل كل شيء في البقاء على قيد الحياة، ولا يوجد بديل سياسي لترجمة هذا الإحباط الاجتماعي والاقتصادي إلى سياسي".

(أسوشييتد برس، العربي الجديد)

المساهمون