من يقدر على كبح التضخم إذاً؟

من يقدر على كبح التضخم إذاً؟

08 يونيو 2022
المواطن الأميركي يشكو من زيادة معدل التضخم /فرانس برس
+ الخط -

بات السؤال الأهم في العالم: من يقدر على مواجهة التضخم وكبح جماح ارتفاع الأسعار إن لم تقدر عليه الولايات المتحدة؟

السؤال وجيه لعدة أسباب منها أن الولايات المتحدة صاحبة أقوى اقتصاد في العالم، وأضخم سوق مالي، وأشهر بورصات مثل وول ستريت وغيرها، وصاحبة العملة الأقوى التي تدور حولها كل سياسات البنوك المركزية.

ولا يزال الدولار يمثل المكون الأول للاحتياطيات النقدية حول العالم، والصادرات الأميركية تجاوزت 1530 مليار دولار في العام الماضي 2021، والأهم قدرة الدولة الضخمة على ضخ أموال في الأسواق ودعم المواطن.

ورغم هذه المقومات وغيرها تشهد الولايات المتحدة معدلات تضخم قياسية هي الأعلى منذ 40 عاما، ويسابق البنك الفيدرالي الزمن لكبحها عبر زيادة سعر الفائدة على الدولار وسحب السيولة من الأسواق.

حكومة جو بايدن أعلنت أنها عاجزة عن مواجهة ارتفاعات الأسعار المتلاحقة، خاصة أسعار الوقود والأغذية

وإذا كانت حكومة جو بايدن نفسها قد أعلنت أنها عاجزة عن مواجهة ارتفاعات الأسعار المتلاحقة، خاصة أسعار الوقود والأغذية، كما تكرر الموقف في بريطانيا حيث أعلن وزير المالية، ريشي سوناك، قبل 3 أسابيع، عدم قدرة حكومة بلاده حماية المواطنين من تداعيات التضخم وارتفاع الأسعار. فماذا عن الاقتصادات النامية والفقيرة التي تقترض من الخارج لشراء الأغذية والوقود والأدوية، وتستدين لسداد أعباء الديون وفاتورة الدعم والأجور والرواتب؟

موقف
التحديثات الحية

وماذا عن الدول التي تعتمد أسواقها المحلية على الأموال الأجنبية الساخنة، وما يقذفه لها الموردون الدوليون من حبوب وسلع ومنتجات حتى لو كانت مسرطنة، أو مضرة بالبيئة والصحة العامة كما يحدث مع بعض السلع الصينية التي تغرق أسواقنا العربية؟

مناسبة الأسئلة السابقة تصريحان لافتان خرجا عن إدارة بايدن في يوم واحد هو الثلاثاء، الأول صادر عن وزيرة التجارة جينا ريموند، التي أقرت في حديث مع شبكة "سي أن أن"، بأن الإدارة الأميركية لا تستطيع فعل أي شيء للمساعدة في التخفيف من ارتفاع أسعار الوقود، وأن الأسعار لن تنخفض حتى انتهاء الحرب في أوكرانيا.

الادارة الأميركية تلقي باللوم باللوم على بوتين في قفزات الأسعار داخل الأسواق الأميركية بسبب غزو أوكرانيا

وكعادة المسؤولين الغربيين، فقد ألقت الوزيرة باللوم على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قفزات الأسعار داخل الأسواق الأميركية بسبب غزو أوكرانيا في نهاية شهر فبراير/ شباط، قائلة إنه منذ أن نقل بوتين قواته إلى حدود أوكرانيا، ارتفعت أسعار البنزين بما يزيد على 1.40 دولار للغالون.

وتناست الوزيرة أن موجة التضخم سابقة لغزو أوكرانيا، وأن تبعات جائحة كورونا الخطيرة، وقفزات أسعار النفط والغاز، وزيادة الطلب على المواد الخام والسلع، وأزمة سلاسل التوريد، كلها عوامل رفعت الأسعار حول العالم.

صحيح أن الحرب دفعت بأسعار القمح وغيره من الحبوب والأغذية لمستويات جنونية لم تشهها منذ أزمة الغذاء في العام 2010، كما ساهمت في ارتفاع أسعار النفط والغاز، وهو ما أدى إلى زيادة كلفة الإنتاج حول العالم.

أما التصريح الثاني فخرج عن وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، التي قالت، يوم الثلاثاء، إن الولايات المتحدة تواجه "مستويات غير مقبولة من التضخم"، وإن هناك حاجة إلى موقف ملائم على صعيد الميزانية للمساعدة في تثبيط الضغوط التضخمية دون الإضرار بالاقتصاد.

نحن أمام أزمة طويلة وعميقة، قد تكون نتيجتها الحتمية هي دخول الاقتصاد الأميركي في مرحلة ركود تضخمي

إذا وضعنا هذين التصريحين الصادرين عن، يلين وريموند، إلى جانب تصريحات أخرى صادرة عن رموز مجتمع الأعمال الأميركي، فإننا يبدو أننا أمام أزمة طويلة وعميقة، قد تكون نتيجتها الحتمية هي دخول الاقتصاد الأميركي في مرحلة ركود تضخمي.

بل إن الملياردير رئيس شركة تيسلا لصناعة السيارات الكهربائية إيلون ماسك قال إن الاقتصاد الأميركي يعيش على الأرجح في حالة ركود، وإن على الشركات مراقبة التكاليف والتدفقات النقدية، وهو التصريح الذي أغضب بايدن حيث خرج ورد عليه بسرعة لكن بأسلوب تهكمي، حيث قال إنه يرجو لماسك "حظًا سعيدًا في رحلته إلى القمر".

وفي حال وصول الاقتصاد الأميركي إلى تلك المرحلة، فإن الركود والكساد والانكماش والإفلاس وغيرها من مفردات التعثر لن يناله وحده، بل سيصيب كل اقتصادات العالم.

وإذا كان الاقتصاد الأميركي لديه من القوة ما يمكنه من التغلب على تلك المرحلة بأقل الخسائر، فماذا عن الاقتصادات الضعيفة، وهل نتوقع سقوطا أشد وأسرع لدول يفوق ما يحدث حاليا في سريلانكا وباكستان ولبنان وغيرها؟