ملايين العمال تحت خطر الإجهاد الحراري في العراق والأردن

ملايين العمال تحت خطر الإجهاد الحراري في العراق والأردن

25 يوليو 2023
أعمال شاقة تحت لهيب الشمس (حسين فالح/فرانس برس)
+ الخط -

يواجه ملايين العمال في العراق والأردن خطر الموت تحت لهيب الشمس، في ظل تقاعس حكومي عن حمايتهم، وسط انتهاكات خطيرة لحقوقهم.

ويُعَدّ كل من العراق والأردن من أكثر البلاد العربية التي تتعرض فيها حقوق العمال لانتهاكات عديدة تؤدي إلى مخاطر كبيرة على حياتهم، في ظل عدم وجود ضمانات وتشريعات وإجراءات حكومية كافية من أجل تجنيبهم الإصابة بضربات الشمس والأضرار المترتبة عن ارتفاع درجات الحرارة مثل انتشار الزواحف السامة والحرائق في أماكن العمل لبعض الأنشطة الاقتصادية.

غياب القوانين في العراق
تشهد المحافظات العراقية أجواءً شديدة الحرارة تصل في بعض المناطق إلى أكثر من 50 درجة مئوية، فيما صنفت بعض المناطق ضمن الأعلى ارتفاعاً خلال فصل الصيف.

وفي ظل التحذيرات التي أطلقتها وكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، فإنّ شهر يوليو/ تموز الحالي سيكون الأكثر سخونة في العالم منذ "مئات السنين"، في وقتٍ تُشير فيه التحذيرات إلى أن الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة والذي قد يستمر لأيام سيشمل عدداً من الدول العربية، من بينها العراق، بفعل موجة الحرارة العالية التي تعرف باسم "القبة الحرارية".

وتعيش طبقة العاملين في العراق معاناة كبيرة بسبب الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، التي أثرت مباشرةً في الطبقة العاملة والعاملين بالأجر اليومي والجهد البدني في مجالات البناء والإنشاء والمهن والنقل.
أكد اتحاد نقابات العمال في العراق أن لارتفاع درجات الحرارة في العراق تأثيراً كبيراً على المستوى المعيشي للعاملين في أصحاب الأجر اليومي والجهد البدني.
واعتبر رئيس الاتحاد، ستار الدنبوس، أن الطبقة العاملة في العراق، هي المتضرر الأكبر من جميع الظروف التي يتعرض لها البلد والمنطقة، حيث يقع العامل ضحيةً للظروف الطبيعية والأحداث الأمنية والسياسية والمتغيرات الاقتصادية.
وقال الدنبوس، لـ"العربي الجديد"، إن قطاع العمل في العراق ينقسم إلى قسمين: الأول يعتبر القطاع المنظم، الذي يشمل الوزارات واتحادات العمال ومراكز الصحة والسلامة. وأضاف أن القطاع الآخر هو غير المنظم ويعتبر القاعدة الأوسع للطبقة العاملة وأصحاب المهن الحرة والأجر اليومي، ويفتقد هذا القطاع جميع الحقوق والضمانات ووسائل التأمين، بسبب إهمال الحكومة للقطاعات الخاصة التي تعرضت للإيقاف القسري بنسبة 90 بالمائة.

وأشار الدنبوس إلى أن معاناة العمال كبيرة جداً، ولا توجد أي حقوق واقعية تنسجم مع واقع العمل في العراق، ويبقى العامل ضحية للإهمال المتعمد وغياب القوانين، محملاً الحكومة واللجان المعنية في مجلس النواب مسؤولية ما يتعرض له العامل العراقي.
انتقدت الخبيرة القانونية، راقية الخزعلي، عدم تناول مسألة حقوق العمال وتنظيم ساعات العمل خلال ارتفاع درجات الحرارة، ضمن بنود قانون العمل العراقي رقم 37 لسنة 2015. وقالت الخزعلي، في معرض حديثها لـ"العربي الجديد"، إن قانون العمل لم يتطرق إلى تنظيم ساعات العمل خلال أوقات ذروة ارتفاع درجات الحرارة، إلا أنه ألزم أصحاب العمل بتوفير البيئة المناسبة للعاملين.

وأضافت أن هناك قصوراً في الجانب التشريعي لقانون العمل العراقي، الذي يفتقد الكثير من أساسيات حقوق العمال في جميع مستوياتهم وطبيعة أعمالهم، مشددة على أهمية أخذ وزارة العمل دورها في إصدار قرارات تلزم أصحاب العمل بتوفير البيئة المناسبة وشروط السلامة الكاملة في أثناء فترة العمل. وأشارت الخزعلي إلى أن العامل المتضرر من العمل، الذي تعرّض لإصابة نتيجة قيامه بعمله ولم يحصل على تعويض أو حقوق من أصحاب العمل، يمكنه رفع دعوى قضائية لمقاضاة صاحب العمل ومطالبته بالتعويض المادي عن الضرر الذي لحق به في أثناء أوقات العمل.

وخلّف الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة آثاراً جانبية انعكست على الواقع المعيشي والاقتصادي للعمال، وأثر إلى حد كبير بالقدرة الشرائية للعائلات التي تعتمد على الأجر اليومي من خلال الأعمال الشاقة التي تتعرض مباشرةً لموجة الحر الشديدة.

وقال أحمد مخلف الذي يعمل في مجال البناء، إنه ومجموعة من العاملين معه توقفوا عن العمل لعدم استطاعتهم على مواجهة الحر الشديد، حيث تصل درجات الحرارة إلى أكثر من 50 درجة مئوية.

وتابع مخلف، خلال حديثه مع "العربي الجديد" أنّ عائلته تعتمد على مصدر دخله الوحيد في مجال البناء، ومنذ أيام لم يتمكن من الخروج للعمل بسبب الحر الشديد وارتفاع درجات الحرارة. وأوضح أنّ إصابته هو أو أي من زملائه تعني عدم إمكان الحصول على المال، مع غياب الدعم الحكومي وعدم توافر فرص التعويض أو التأمين الصحي، ما ينعكس على انقطاع القوت اليومي لهم ولعائلاتهم.

من جانب آخر، أفاد الباحث الاقتصادي، أحمد عبد الله، بأن الطبقة العاملة في العراق تعاني من فقدان الاهتمام والرعاية، حيث يتمسك الكثير من أرباب العمل بفرض أوقات العمل لساعات طويلة خلال فترات الذروة دون أن تأخذهم في العاملين الرأفة والشفقة.

وأضاف عبد الله، لـ"العربي الجديد"، أن القانون العراقي غائب تماماً عن تطبيق فقرات القانون المدني التي تؤكد ضمان سلامة وصحة العاملين في جميع المجالات، ولا توجد ثقافة الضمان الصحي والحماية وسبل السلامة المهنية في الكثير من مجالات العمل.

انتهاكات خطرة في الأردن
ترى منظمات وشخصيات تُعنى بالدفاع عن حقوق العمال أن العمال في الأردن يواجهون انتهاكات خطيرة لحقوقهم، وخصوصاً في قطاعات الزراعة والخدمات العامة والنظافة والإنشاءات وغيرها، وتأخذ تلك الانتهاكات منحى أخطر، من خلال العمل بظروف جوية قاسية، كارتفاع درجات الحرارة التي يشهدها الأردن منذ أكثر من 10 أيام.
المرصد العمالي الأردني قال إنه مع دخول موجة الحر التي تستمر لعدة أيام، يواجه العديد من العمّال الذين تتطلب طبيعة عملهم البقاء في الميدان، تحت أشعة الشمس الحارقة، مخاطر صحية مثل التعرض لضربات الشمس.
ووفق تقرير صادر عن طقس العرب، فإنه يُتوقع أن تصل درجات الحرارة إلى نهاية الثلاثينيات في العديد من القرى والمُدن الأردنية بما فيها العاصمة عمان، وستدور حول الـ45 درجة مئوية في مناطق الأغوار والبحر الميت والعقبة، وقد تتجاوز ذلك في بعض مناطق الأغوار وبخاصة الوسطى.

وأشار المرصد إلى أنّه على الرغم من أن أمانة عمّان الكبرى والعديد من البلديات قلّصت ساعات عمل عمال الوطن طوال فترة موجة الحر حفاظاً على سلامتهم، إلا أن هناك فئات عمّالية أخرى في الميدان لا تتمتع بمثل هذه الاستثناءات وتضطرّهم لقمة العيش إلى العمل في أثناء هذه الموجات الحارة. ومن هؤلاء: عمّال الزراعة والإنشاءات والتحميل والتنزيل وغيرهم.
ونقل المرصد العمالي عن عاملين معاناتهم، حيث قال حميد أبو العز، أحد العاملين الذين يعملون في التحميل والتنزيل في ميناء العقبة إنهم أكثر العمال في الميناء عرضة لأشعة الشمس خلال موجات الحر وإنه ليس هناك مراعاة لظروف عملهم من قبل شركة العقبة لإدارة وتشغيل الموانئ لظروفهم. فمثلاً، لا تُقلَّص ساعات عملهم، ولا توفر وسائل وقاية من أشعة الشمس مثل المظلات.

من جانبه، قال إبراهيم المصري، الذي يعمل بنظام المياومة في مهنة البناء والحدادة، إنهم يعانون دائماً في فصل الصيف وموجات الحر من درجات الحرارة العالية، وبخاصة في ظل عدم توفير معدات تحميهم من التعرض لأشعة الشمس في أثناء عملهم.
ريما التي تعمل في أرض زراعية بمنطقة الأغوار الشمالية قالت إن عملهم شاق جداً في فصل الصيف، وبخاصة في موجات الحر، وأشارت إلى أنهم معرضون دائماً لضربات الشمس. تابعت أنّ العمل يبدأ في الصيف من السادسة صباحاً وحتى بعد الظهر، وفي موجات الحر ينتهي الساعة العاشرة صباحاً، لتجنب أشعة الشمس الحارقة في هذا التوقيت.
رئيس المرصد أحمد عوض قال لـ"العربي الجديد" إن تلك الانتهاكات والخطر الذي قد يداهم العمال خلال ارتفاع درجات الحرارة لا يتوقف على الجانب الصحي وضربات الشمس فقط، بل تمتد إلى تهديد حياتهم من قبل الزواحف التي تنتشر بكثرة خلال موجات الحر.

وتابع: إن ارتفاع درجات الحرارة يُعد عاملاً رئيسياً وبيئة مناسبة لانتشار العديد من الزواحف السامة والحشرات الخطرة التي تهدد حياة الإنسان. وأشار إلى تعرّض عامل زراعة في جامعة حكومية للدغة أفعى في أثناء عمله، فنُقل إلى المستشفى وأُدخل إلى قسم العناية المركزة لمراقبة حالته التي وُصفت بالمتوسطة.
وأكد أهمية إيلاء هذه الجوانب الرعاية والاهتمام ومعالجة الانتهاكات العمالية التي تواجه العمال خلال العمل في الصيف.
من جانبه، قال الخبير في التأمينات الاجتماعية موسى الصبيحي إن قانوني العمل والضمان الاجتماعي يلزمان المنشآت باتخاذ إجراءات السلامة العامة والسلامة والصحة المهنية وتدابيرها وتوفير أدواتها في كل الظروف، للوقاية من مخاطر العمل حفاظاً على سلامة العمّال وحياتهم.

وأضاف الصبيحي أن من واجب أصحاب العمل في موجات الحر الشديدة اتخاذ كل الإجراءات والاحتياطات الضرورية للحفاظ على حياة وصحة وسلامة العمال لديهم، مثل تقليص عدد ساعات العمل أو إعادة تنظيمها وجدولتها والتوقف عن العمل في أوقات ذروة الحرارة.

ويجب، بحسب الصبيحي، توفير مياه الشرب، وتبريد أو ترطيب مواقع العمل وتوفير مظلات وأدوات وقاية وقبّعات مناسبة للوقاية والتخفيف من تداعيات وأخطار التعرض لأشعة الشمس المباشرة قدر الإمكان.

وختم بأنّ الإصابة بضربة الشمس وبأي من مضاعفاتها تعتبر إصابة عمل وفقاً لأحكام قانون الضمان الاجتماعي وقانون العمل.

المساهمون