مصر: رواج الفواكه المعطوبة وبقايا الخضروات

مصر: رواج الفواكه المعطوبة وبقايا الخضروات

08 سبتمبر 2023
موجة غلاء تضرب أسواق الخضروات والفواكه (العربي الجديد)
+ الخط -

 

بعد ساعات قضتها المواطنة المصرية فاطمة بحثا عن حقائب مدرسية وكراسات بأسعار مقبولة في سوق ميدان الجيزة، غرب العاصمة، عادت أدراجها إلى البيت بعزبة "كعابيش" مرورا بسوق الطوابق الشعبي شديد الزحام، على مسافة كيلومترين من منطقة أهرامات الجيزة السياحية.

وقفت فاطمة على استحياء أمام بائع الفاكهة تسأل عن سعر كيلو عنب "فرط"، وعينها على قفص ممتلئ بحبات من المانجو متعددة الأصناف.
مدت فاطمة يدها إلى قفص المانجو لتلتقط بعض الحبات من بقايا مبيعات الأسبوع. ينشغل البائع عن طلبات فاطمة التي تظهر اهتماما بانتقاء المانجو المعطوب، لاستبعاد شديدة التلف والمصابة بالديدان. تنتظر السيدة الأربعينية حتى ينتهي البائع من تعبئة أكياس الفاكهة التي اشتراها أحد العملاء من أقفاص العنب والمانجو الطازجة، ثم تسأل عن سعر "شروة" المانجو، وسعر كيلو العنب "الفرط".

يخبرها البائع أن العنب الفرط – آحاد الأعناب التي ينفرط عقدها من عناقيد العنب الطازجة بعد عمليات النقل والبيع- بعشرة جنيهات، ويشير بيديه إلى كمية المانجو الموجود بقفص مخلفات البيع، من كل الأصناف، كي تحمل تلك "الشروة" بعشرين جنيها (الدولار = نحو 31 جنيهاً).
تبدي فاطمة فرحتها بالفوز بصفقة تراها رابحة، فالعنب الذي اختارته يعادل أقل من نصف سعره المعروض للبيع بثمن 25 جنيها، أما بقايا مبيعات المانجو، رغم احتوائها على كتل سمراء تنم عن فساد قطع كبيرة من كل حبة، ما زالت تحتفظ ببعض المادة الطازجة، حيث يمكنها تقطيع الأجزاء السليمة إلى شرائح أو صناعة عصير مانجو طازج.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

يقدم البائع تنازلات لفاطمة وأمثالها ممن اعتدن المرور على محله لشراء مخلفات الفاكهة والخضر يوميا. يقول صاحب المحل الشهير بمدخل سوق الطوابق الشعبي، مارك، لـ"العربي الجديد": تتعرض الفاكهة والخضر للتلف السريع، وعلى أصحاب المحال أن يبحثوا عن وسائل للتخلص من مخلفات البيع بسرعة، فهناك من يتفق مع المطاعم ومحال العصائر على تجميع كميات من المنتجات التي لم تصب إلا بكسر أو تعرضت لسوء النقل وأثناء العرض، ليبيعها بأقل من سعرها المعلن للجمهور بما يتراوح ما بين 30% إلى 50%، وما تبقى من حبات معطوبة أو مصابة يصعب على المحال التعامل معها أو تهدد المنتجات الأخرى بالتعفن، فنضعها على جانب خاص بالمحل، لحين وصول الزبائن غير القادرين على شراء تلك المنتجات.

يؤكد مارك، الذي رفض ذكر اسمه كاملا، أن سعر بقايا الفاكهة أو الخضر يتوقف على نوعية المشتري، فهناك بعض العملاء الدائمين الذين يحملون تلك البقايا يوميا، بأي مبلغ يقدرون على دفعه.

ويذكر أنه كثيرا ما يعطي هذه البقايا لرجال أو سيدات مجانا، إذا ما شعر بحاجتهم إليها وعدم قدرتهم على الدفع.

يشير مارك إلى تراجع قدرة المشترين على شراء الفاكهة خلال الموسم الحالي أكثر من العام السابق، مع تضاعف أسعار المنتجات، بما يزيد من الهالك بالمبيعات، فيضطر التاجر إلى تحصيل أية مبالغ من بيع البقايا، باعتبارها فائضا من أرباح المبيعات. يبين البائع أن الاقبال على بقايا الخضروات زاد في الآونة الأخيرة، رغم زيادة الأسعار بنسب أقل من الفاكهة والسلع الأساسية الأخرى.

تحول سوق بقايا الخضر والفاكهة في المحال الكبرى والأسواق الشعبية إلى وسيلة رائجة لتوفير الطعام الرخيص للأسر المتوسطة وستر الأسر الفقيرة غير القادرة على دفع فواتير المبيعات.

تراجع دور المجمعات الاستهلاكية الحكومية في توفير السلع الضرورية بأسعار مخفضة، وأصبحت معروضاتها من السلع منافسة للأسعار المعلنة بالقطاع الخاص، عدا ما تقدمه من سلع تموينية موزعة على بطاقات الدعم المخصصة لـ62 مليون مواطن. وتتلقى هذه الفئة دعما بقيمة 50 جنيها شهريا لكل فرد، توفر بالكاد قيمة كيلوغرام واحد من الزيت أو السمن المهدرج أو كيلو سكر مع علبة شاي وزن 50 غراما، و5 أرغفة يوميا، وبما لا يزيد عن 150 رغيفا شهريا لكل أسرة.
كما تحولت عربات الأمن الغذائي التي يطلقها الجيش وقوات الشرطة في الشوارع، وشوادر البيع التي يشارك في ملكيتها بعض التجار المقربين من الحكومة، تحت شعارات "تحيا مصر" و"أمان" للأمن الغذائي، إلى بيع منتجات أقل قيمة للأسر، منها العسل والحلوى والمربيات، مع قليل من اللحوم البرازيلية والهندية المجمدة، أما باقي السلع، فرغم رداءة الجودة، فإنها غير منافسة في السعر لما يباع في الأسواق الشعبية.
وتشجع الحكومة توجه المنتجين نحو التصدير سعيا وراء زيادة الدخل القومي من العملة الصعبة. وتضاعفت المبيعات ودخل الدولة من صادرات الحاصلات الزراعية والبستانية خلال عام واحد لتصل إلى 5.7 مليارات دولار العام الحالي، بما ضغط على أسعار المستهلكين في الداخل. في بلد تراجعت قيمة العملة، أكثر من 50% رسميا خلال عام، ويتصاعد التضخم إلى معدلات قياسية غير مسبوقة ليبلغ 38.2% في يوليو/ تموز الماضي، أصبحت فاطمة وأخواتها غير قادرات على توفير الاحتياجات اليومية لأبنائهن، لذلك يحرصن على شراء بقايا الخضروات والأطعمة والفاكهة، ويعتدن الذهاب إلى مصانع المنتجات والأسواق الكبرى للحصول على ما يريدن بأسعار زهيدة.

المساهمون