عندما تجامل مؤسسات التصنيف العالمية دولة الاحتلال

22 أكتوبر 2023
وكالات التصنيف تجاهلت خسائر الاقتصاد الإسرائيلي الفادحة/فرانس برس
+ الخط -

عقب الغزو الروسي لأوكرانيا في 25 فبراير 2022 بأيام لا تتجاوز الأسبوع سارعت وكالات التصنيف العالمية الكبرى إلى خفض التصنيف الائتماني لروسيا، متذرعة بوجود مخاطر عالية.

فقد خفضت ستاندرد أند بورز S&P تصنيف روسيا إلى مستوى عالي المخاطر. وخفضت فيتش التصنيف السيادي لروسيا 6 درجات إلى الدرجة عالية المخاطر قائلة إن العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب غزوها أوكرانيا جعلت استطاعة روسيا خدمة ديونها أمرا غير مؤكد وستضعف اقتصادها في "صدمة هائلة" لجدارتها الائتمانية.

وقالت موديز، يوم 3 مارس 2022، إنها خفضت التصنيف الائتماني طويل الأجل وتصنيف الديون الممتازة غير المضمونة لروسيا إلى B3 من Baa3، وعزت ذلك إلى العقوبات الصارمة التي فرضتها الدول الغربية على موسكو.

مؤسسات التصنيف العالمية سارعت وخفضت تصنيف روسيا عقب غزو أوكرانيا بأيام قليلة

صاحب خفض تصنيف روسيا صدور تقارير سلبية عن مؤسسات مالية كبرى وبنوك استثمار عالمية تتحدث عن انهيار وشيك للاقتصاد الروسي، وقرب إفلاس روسيا وعجزها عن سداد الديون الخارجية المستحقة عليها.

بل وخرجت علينا فيتش يوم 9 مارس 2022 محذرة المستثمرين من الاستثمار في السندات وأدوات الدين الروسية، لأن روسيا ستعجز قريبا عن سداد ديونها. علما بأن روسيا لم تفلس أو تتعثر ماليا منذ غزو أوكرانيا رغم الحرب الاقتصادية الشرسة التي تعرضت لها.

بنت مؤسسات التصنيف وبنوك الاستثمار تقاريرها السريعة بشأن روسيا عقب اندلاع الحرب على عدة اعتبارات، منها زيادة المخاطر الجيوسياسية بالنسبة للاقتصاد الروسي، وتجميد المؤسسات الغربية ما يقرب من نصف احتياطيات روسيا من النقد الأجنبي، وبما يعادل 300 مليار دولار.

وكذا إعلان الولايات المتحدة وبريطانيا ومعظم دول أوروبا فرض حظر على النفط الروسي، واندلاع حرب اقتصادية غربية شرسة وواسعة النطاق ضد روسيا وأصولها وقطاعها النفطي والمالي والاستثماري، ومصادرة استثمارات وأموال وأصول لمستثمرين روس في أسواق العالم تقدر بمليارات الدولارات.

انحازت مؤسسات التصنيف الكبرى لدولة الاحتلال وغضت الطرف عن كل تلك الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد الإسرائيل

في المقابل، وعقب اندلاع عملية "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر، وما سببته من انهيارات في الأنشطة الاقتصادية داخل دولة الاحتلال، وخسائر فادحة للاقتصاد دفعت بنك إسرائيل المركزي لضخ 45 مليار دولار في الأسواق للحيلولة دون تهاوي الشيكل والبورصة وأسواق المال، انتظر الجميع تكرار سيناريو روسيا وحدوث سباق بين مؤسسات التصنيف العالمية لخفض تصنيف دولة الاحتلال استنادا إلى عدة اعتبارات ومؤشرات.

من بين تلك الاعتبارات تهاوي قطاعات السياحة والطيران والاستثمارات المباشرة، وهروب المستثمرين، وتهاوي الشيكل، وتضرر أنشطة الصناعة والزراعة والخدمات والتجارة والطاقة وصادرات الغاز، وخلو المؤسسات والمصانع والمزارع من العمالة بسبب استدعاء 360 ألفا من جنود الاحتياط.

إضافة إلى الخسائر الناتجة عن تجميد مشروعات التطبيع الاقتصادي والتجاري والاستثماري مع دول الخليج، وإلغاء صفقات شراء مستثمرين خليجيين لشركات إسرائيلية كبرى، وحملة المقاطعة لسلع ومنتجات السلع الإسرائيلية والدول الداعمة للاحتلال، إلا أن ذلك السيناريو الذي حدث مع روسيا وغيرها من الدول التي تعرضت لمخاطر لم يحدث مع إسرائيل.

بل انحازت مؤسسات التصنيف الكبرى لدولة الاحتلال وغضت الطرف عن كل تلك الخسائر، واكتفت بصدور تحذيرات خجولة لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تؤثر سلبا في قرارات واتجاهات المستثمرين الدوليين.

فقد أعلنت وكالتا موديز وفيتش أنهما وضعتا قيد المراجعة تصنيف الديون السيادية الإسرائيلية طويلة الأجل، تمهيداً لاحتمال خفضه بسبب الحرب الدائرة بين جيش الاحتلال والمقاومة الفلسطينية.

موقف مؤسسات التصنيف لا يختلف كثيرا عن الدعم الأعمى والمطلق من قبل الحكومات الغربية تجاه دولة الاحتلال

وقبلها تخبط موقف موديز ما بين احتمال خفض تصنيف الديون السيادية لإسرائيل، وتأجيل نشر التصنيف الائتماني الجديد لدولة الاحتلال، مسوغة ذلك بالتطورات العسكرية القائمة في المنطقة، قائلة إن الموعد المقبل لإصدار تقرير عن الاقتصاد الإسرائيلي، ونشر التصنيف الجديد له سيكون بعد 6 أشهر!

أما ستاندرد أند بورز فقد أصابها الخرس تماما تجاه ما يحدث بشأن الاقتصاد الإسرائيلي، ولم تنطق بحرف واحد سواء جهة خفض التصنيف، أو حتى التلميح بالخفض من باب ذر الرماد في العيون.

موقف مؤسسات التصنيف لا يختلف كثيرا عن الدعم الأعمى والمطلق من قبل الحكومات الغربية تجاه دولة وجيش الاحتلال، وكما يتدفق الدعم الأميركي والأوروبي الأعمى واللامحدود على دولة الاحتلال في حربها الإجرامية على قطاع غزة، نجد أن تلك المؤسسات أصابها الخرس والعمى عن رؤية الانهيارات المتتالية في الاقتصاد الإسرائيلي.

ولم تعد تلك الوكالات ترى الخسائر الفادحة التي تعرضت لها دولة الاحتلال والتي تتجاوز مليارات الدولارات خلال فترة زمنية لا تتجاوز الأسبوعين بشهادة البنوك الإسرائيلية نفسها مثل هابوعليم وغيره.

موقفها تجاه خفض تصنيف دولة الاحتلال يضع علامات استفهام، ليس فقط حول تقاريرها بشأن اقتصادات الدول، بل وحول نزاهتها أيضا

لا أريد القول إن وكالات التصنيف الدولية تدار بالريموت كنترول وحسب مصالحها ووفق أجندة سياسية وليس وفق مؤشرات مالية وأرقام محايدة.

لكن موقفها تجاه خفض تصنيف دولة الاحتلال يضع عشرات من علامات الاستفهام، ليس فقط حول تقاريرها بشأن اقتصادات الدول، بل وحول نزاهتها أيضا، ويعيد للسطح نظريات المؤامرة التي يتم نسجها من وقت لآخر حول مصداقية أكبر 3 مؤسسات تصنيف في العالم، فيتش وموديز وS&P، ودرجة الثقة في تقاريرها.

المساهمون