تسعى العديد من الشركات التركية مؤخراً لنقل أعمالها إلى القاهرة، على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية في بلادها، وفي مقدمتها الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها الليرة التركية، رغم أن الجنيه المصري ليس في حالٍ أفضل كثيراً.
وبعد توتر في العلاقات استمر لعقد من الزمن، على خلفية الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، وإيواء تركيا الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الهاربين من اضطهاد السلطات المصرية، ووقوف البلدين في معسكرين متنازعين في ليبيا، وعند وضع خطط تقسيم غاز البحر المتوسط، ربما ينجح الاقتصاد في رأب الصدع الذي سببته السياسة للعلاقات بين البلدين.
وقبل عام، التقى وفدا الأعمال المصري التركي للمرة الأولى منذ تسع سنوات. ومنذ ذلك الحين، أصبحت العلاقات أقوى من أي وقت مضى، بحسب تقرير حديث نشرته وكالة "دويتشه فيله DW" على موقعها على الإنترنت.
ارتفاع تكاليف الوقود واستمرار عدم اليقين بشأن الأحوال الاقتصادية
ورغم النشاط الواضح، والتراجع عن السياسات الاقتصادية التقليدية، لم ينجح وزير المالية التركي الجديد محمد شيمشك؛ ولا الرئيسة الجديدة للبنك المركزي، حفيظة غاية أركان، في خلق الاستقرار الاقتصادي. ويقول كلاهما إن الاقتصاد التركي سيستعيد الاستقرار ويعود إلى معدلات التضخم المكونة من رقم واحد في عام 2025 أو 2026. ومع ذلك، فإن العديد من الشركات غير مستعدة لتحمّل مثل هذه الحالة من عدم اليقين.
وتواجه الشركات التركية تكاليف إنتاج متزايدة، وارتفاعاً في أسعار الوقود، وسياسات لا يمكن التنبؤ بها بشأن صرف العملات الأجنبية وأسعار الفائدة. لذلك سعى بعضها إلى الانتقال إلى الخارج.
وتوفر مصر تكاليف عمالة وإنتاج أقل بكثير من تركيا. وعلاوة على ذلك، في إبريل/ نيسان، ألغت مصر حاجة المواطنين الأتراك للحصول على تأشيرة قبل دخول البلاد.
وحتى الآن، بلغ إجمالي الاستثمارات التركية الواردة إلى مصر هذا العام 2.5 مليار دولار. ومن المقدر أن تنمو إلى 3 مليارات دولار بحلول نهاية عام 2023، بحسب "دويتشه فيله".
وتتمتع الشركات التركية العاملة في مصر أيضاً بفرصة المشاركة في تجارة بدون رسوم جمركية مع دول ثالثة، مما يسمح لها بالاستفادة من أسواق جديدة.
وقال رئيس مجلس الأعمال التركي المصري، مصطفى دينيزر، لـ "دويتشه فيله": "كانت مصر بالفعل دولة جاذبة لممارسة الأعمال التجارية، لكن رفع شرط التأشيرة للمواطنين الأتراك كان بمثابة نقطة تحول حقيقية".
وأضاف دينيزر أن الشركات التركية كانت تتطلع إلى الانتقال إلى بلدان أخرى لسنوات عديدة، في محاولة للحفاظ على قدرتها التنافسية، مضيفاً: "مع وجود نظام الإعفاء من التأشيرات، هناك الآن زخم كبير يدفعهم للانتقال إلى مصر".
وقال الخبير إن 35 مؤسسة صناعية تركية تعمل اليوم في مصر وتحقق مبيعات سنوية تزيد عن 1.5 مليار دولار.
ويمكن للشركات التركية المتمركزة في مصر الاستفادة من مجموعة من الأسواق المختلفة، وذلك بفضل اتفاقيات التجارة الحرة التي وقعتها مصر مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأميركا الجنوبية وبعض الدول الأفريقية، وفقاً لما ذكره دينيزر.
تكلفة العمالة في مصر ثلث نظيرتها في تركيا
وفي تركيا، يبلغ متوسط تكاليف العمالة الشهرية حوالي 500 دولار للعامل الواحد، بينما لا تتجاوز تكاليف العمالة في مصر 150 دولاراً شهرياً، وتقل تكلفة الوقود كثيراً في مصر عن نظيرتها في تركيا، ولهذا السبب قامت الشركات التركية الكبرى مثل "أرسليك"، و"سيسكام"، و"تمسا"، و"يلدز القابضة" بنقل جزء كبير من عمليات الإنتاج إلى مصر بالفعل.
وتصنع شركة "تمسا"، على سبيل المثال، الحافلات والشاحنات الصغيرة في مصر، وتصدرها إلى بقية دول العالم، بحسب الشركة. وتتمتع العلامة التجارية المحلية للحلويات "بلاديس" التابعة لشركة "يلدز القابضة" بنجاح كبير في السوق المصرية، وهي ثاني أكبر سوق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أيضاً تقوم شركة "يسيم تكستايل" بدورها بتشغيل مصانع الملابس في القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية، وتوريد بضائعها إلى العديد من العلامات التجارية الرياضية المشهورة عالمياً.
واستثمرت شركة الكهرباء العملاقة "أرسليك"، المعروفة في أوروبا بعلامتها التجارية Beko، مؤخراً 100 مليون دولار في مصنع مصري جديد من المقرر أن يبدأ العمل بحلول نهاية العام. كما أعلنت شركة "إسكيفي القابضة"، و"إل سي وايكيكي"، ومجموعة "إروغلو"، كما العديد من الشركات الأخرى، عن استثمارات إضافية.
ويعمل نحو 70 ألف شخص في مصر بالفعل لدى الشركات التركية، دون احتساب العاملين لدى الموردين. ويجري الآن إنتاج ثلث المنسوجات والملابس في مصر بالمصانع التركية.
الشركات التركية مرحّب بها في مصر
ويقول دينيزر، الذي يعمل في صناعة النسيج، إن الشركات التركية تحظى بشعبية كبيرة في مصر. ويضيف "شركاتنا تحظى باستقبال جيد للغاية، ويجري الاعتناء بها هناك".
ومع ذلك، تواجه الشركات التركية نقصاً في العملات الأجنبية بمصر. ويعني هذا النقص في الدولارات أن الشركات التركية التي تنتج السلع للسوق المحلية في مصر غالباً ما تتلقى مدفوعاتها من العملة الأجنبية متأخرة. وقال دينيزر إن البنكين المركزيين التركي والمصري يتفاوضان حالياً لحل هذه المشكلة.
وفي أكتوبر، سافر وزير التجارة التركي عمر بولات ووفد تجاري إلى مصر، ورافقه في الزيارة إبراهيم بوركاي رئيس غرفة التجارة والصناعة في مدينة بورصة القوية اقتصادياً.
وقال بوركاي: "هدفنا هو زيادة حجم التبادل التجاري المصري التركي إلى 15 مليار دولار في السنوات الخمس المقبلة". وفي العام الماضي، بلغ إجماليه 7 مليارات دولار.
وتركز شركات بورصة على قطاعين بشكل خاص: صناعة السيارات والنسيج، بحسب بوركاي. وأضاف: "لدينا أيضاً فرصة للتعاون مع الشركات المصرية في دول أخرى".
وقال بوركاي إنه يرى "إمكانات كبيرة في المعارض التجارية المصرية، ويمكننا الاستفادة من سنوات عديدة من الخبرة في هذا المجال"، مضيفاً أن الخطط الخاصة بإنشاء معرض تجاري كبير للمنسوجات والأقمشة قيد التنفيذ بالفعل.