تشهد المصارف السورية نشاطاً وزيادة إيداعات، منذ تحميل بشار الأسد المصارف اللبنانية سبب الأزمة الاقتصادية وتدهور سعر صرف الليرة السورية، في نوفمبر/كانون الأول الماضي، نتيجة ما يقال عن إيداعات سورية ضخمة، تصل وفق بعض التقارير إلى نحو 40 مليار دولار، ومشكوك باستردادها جراء الأزمة المصرفية التي تعصف بلبنان.
وأعلن المصرف المركزي عن زيادة الإيداعات بالمصارف وصدرت قرارات مصرفية عدة، خلال الفترة الماضية، كرفع رأسمال بعض المصارف الحكومية وتوقف بعضها الآخر عن قبول الإيداعات بفوائد، ليأتي السبت، قانون رئيس النظام، بشار الأسد بالسماح بتأسيس مصارف التمويل الأصغر، كخطوة في "ضخ الدماء بالمنظومة المصرفية" وتأمين التمويل اللازم للمشروعات الصغيرة وقروض لمعدومي الدخل.
ووفق القانون الصادر، تمنح مصارف التمويل الأصغر قروضاً تشغيلية لشريحة محدودي الدخل، من أجل تأمين دخل إضافي لها وخلق فرص عمل وتحقيق التنمية المستدامة، فضلاً عن ما جاء بمادة القانون الثانية أن الهدف "تحقيق النفاذ المالي لأكبر شريحة ممكنة من ذوي الدخل المنخفض" وذلك من خلال تقديم المنتجات والخدمات المالية المختلفة في مجالات الائتمان والادخار والتأمين، والخدمات غير المالية المرتبطة بها، من تدريب وبناء القدرات وتقديم المشورة للعملاء وغيرها، بهدف تأمين دخل إضافي وخلق فرص العمل وتحسين نوعية الحياة سعيا وتعزيزا للبعد الاقتصادي والاجتماعي من أجل تحقيق التنمية المستدامة.
ويؤسس مجلس النقد والتسليف مصارف على شكل شركات مساهمة مغفلة تهدف إلى تقديم التمويل الأصغر بالإضافة إلى الخدمات المالية والمصرفية الأخرى المنصوص عليها في القانون.
وتضمنت شروط تأسيس المصرف، منح صلاحيات تأسيس المصارف لجمعيات أو مؤسسات خاصة سورية أو مؤسسات غير سورية تمتلك الخبرة والكفاءة بهذا النوع من النشاط، لكن يشترط في الجمعيات والمؤسسات الخاصة السورية أن تكون حاصلة على صفة النفع العام وفق القوانين النافذة.
وبحسب القانون، لا يجوز للشخص الاعتباري المؤسّس أو المساهَم فيه من قبل جمعية أو مؤسسة خاصة سورية لا تتمتع بصفة النفع العام، المشاركة في تأسيس المصارف أو المساهمة فيها.
كما يشترط في الأشخاص غير السوريين عند التأسيس أو المساهمة الحصول على موافقة مسبقة من رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح مجلس النقد والتسليف.
وحدد القانون الحد الأدنى لرأس مال المصرف بمبلغ قدره خمسة مليارات ليرة سورية، موزعًا على أسهم إسمية قابلة للتداول بقيمة مئة ليرة سورية للسهم الواحد، ويجوز زيادة الحد الأدنى لرأس المال بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح مجلس النقد والتسليف.
واشترط ألا يقل الحد الأدنى لنسبة مساهمة الشريك الاستراتيجي عن 25% من رأس المال، وألا تتجاوز مساهمة الشخص الطبيعي نسبة 10%من رأس المال، وتدخل مساهمة الزوج والأولاد ضمن هذه النسبة.
وأجاز أن يكون جزء من رأس المال على شكل مقدمات عينية، على ألا تتجاوز قيمة هذا الجزء نسبة 10% من إجمالي رأس المال يجري تقييمها عند التأسيس، ويضع مجلس النقد والتسليف الضوابط اللازمة بخصوص تقييم هذه المقدمات، والتي يعاد تقييمها عند الحل والتصفية فقط.
ويتولى المصرف قبول الودائع بالعملة السورية، والتمويل والمنتجات المالية والقرض الأصغر بضمان أو دونه، وفتح الحسابات الجارية وحسابات التوفير، وخدمات التأمين وإعادة التأمين لدى شركات التأمين السورية التي تمنحها للمستهدفين وفق الضوابط التي تضعها هيئة الإشراف على التأمين.
كما يتولى الاستثمار في الأوراق المالية الحكومية، والأوراق المالية التي يصدرها مصرف سورية المركزي، والإسهام مع الجهاز المصرفي في تحويل الأموال بناء على طلب الأفراد داخل الأراضي السورية، وخاصة في المناطق التي لا تتوفر فيها فروع للمصارف العاملة، وفق الضوابط التي يصدرها مجلس النقد والتسليف بهذا الخصوص.
وحول المزايا التشجيعية والإعفاءات، نصت المادة 14 من القانون، على الإعفاء من ضريبة الدخل على الأرباح الصافية الناتجة عن عملها خلال السنوات الخمس الأولى لبدء مزاولة عملها.
وتحديد نسبة ضريبة الدخل على الأرباح الصافية التي تحققها المصارف المؤسسة على شكل شركات مساهمة مغفلة خاصة عن جميع نشاطاتها بمعدل 14% بما فيها جميع الإضافات، عدا إضافة المساهمة الوطنية لإعادة الإعمار والإضافة لصالح الإدارة المحلية.
كما يتم تحديد نسبة ضريبة الدخل على الأرباح الصافية التي تحققها المصارف المؤسسة على شكل شركات مساهمة مغفلة عامة وذلك عن جميع نشاطاتها بمعدل 10% بما فيها جميع الإضافات عدا إضافة المساهمة الوطنية لإعادة الإعمار والإضافة لصالح الإدارة المحلية.
هذا على أن يتم إعفاء عملاء المصارف من جميع الرسوم تحت أي تسمية كانت على أي عقود أو عمليات يجرونها مع المصرف بما فيها رسوم الرهن ورسم الطابع. وإعفاء عملاء المصرف من ضريبة الدخل على الريع المتحقق من الودائع لدى المصرف، وذلك بالنسبة للودائع التي لا تتجاوز قيمتها مليوني ليرة سورية، وذلك سواء كانت هذه المبالغ في وديعة واحدة أم عدة ودائع للشخص الواحد.
ويقول أستاذ النقد، مسلم طالاس: يمكن النظر إلى هذه المصارف، خاصة بظروف دولة كما سورية، يعاني سكانها من البطالة والفقر، بأنها ستؤدي بعض الأدوار، عبر التمويل والتأهيل، لتقليل نسب الفقر والبطالة، ولكن اعتدنا على نظام الأسد، أن يكون لكل قوانينه، غايات ومآرب أكثر من اقتصادية، خاصة أن مهمة هذه المصارف، متوفرة أصلاً وتقدم المصارف الحكومية بسورية نفس المنتجات.
وعن الغايات التي يمكن أن يحققها نظام الأسد جراء تأسيس هكذا مصارف، يقول طالاس خلال حديثه لـ"العربي الجديد" هناك منافع عدة، ربما أهمها الهروب من العقوبات الأوروبية وعقوبات الخزانة الأميركية وحتى قانون قيصر الذي طاول بحزمته الأخيرة، المصرف المركزي، ومعروف أن العالم ينظر بعطف ودعم لمصارف التمويل الأصغر نظراً لهدفها الاجتماعي.
كما يمكن أن تكون هذه المصارف لتبييض أموال أو دخول شركاء من الدول الحليفة للأسد، كإيران، وربما الأهم، بحسب طالاس، يكون تأسيس هذه المصارف لإعادة توطين الثروة بسورية بعد تبديل الوجوه حول بشار الأسد، وذلك من خلال الأموال المصادرة والمحجوزة، كما رأينا بالنسبة لرامي مخلوف على سبيل المثال.
ويتساءل أستاذ النقد، ما هو سعر الفائدة التي يمكن أن تنافس خلالها هذه المصارف، سواء منخفضة للقروض أو تشجيعية مرتفعة للإيداع، خاصة بواقع التضخم النقدي ومخاطر تأكل أي فائدة، ما يعني أن احتمال الخسائر كبير، فمن يقدم على هذه المشروعات غير المضمونة.
ويرى مراقبون أن ثمة غايات سياسية، جراء الحركة المصرفية والقرارات الجديدة، بهدف تسويق أن سورية بخير والتحضير للمرحلة المقبلة وإعادة الإعمار، إذ أصدر رئيس النظام السوري أول من أمس، قانوناً رفع بموجبه رأسمال المصرف الصناعي، من 10 مليارات ليرة وفق القانون 28 لعام 2010 إلى 14 مليار ليرة سورية اليوم.
كما يروّج مصرف سورية المركزي لزيادة الإقبال على المصارف السورية والعاملة على أراضيها، إذ عرض التقرير الاقتصادي الأسبوعي الصادر عن مصرف سورية المركزي، قبل أيام، توزيع الودائع حسب نوع الوديعة والجهة المودعة حتى نهاية أغسطس/ آب من عام 2020 مظهراً حالة نمو في الودائع تحت الطلب حسب الجهة المودعة لتصل في القطاع العام إلى 1.475 مليار ليرة في نهاية أغسطس/ آب 2020، مقارنة بـ 1.174 مليار ليرة في نهاية عام 2019 وبمعدل نمو 26%.
وبحسب تقرير المركزي السوري، فقد بلغت الودائع تحت الطلب للمؤسسات 834 مليار ليرة في نهاية شهر أغسطس/ آب من عام 2020، مقارنة بـ446 مليار ليرة في نهاية عام 2019 محققة معدل نمو 87%، أما من حيث نمو حجم الودائع تحت الطلب للأفراد فقد بلغت الودائع 1.684 مليار ليرة في نهاية شهر آب من عام 2020، وبمعدل نمو 108% مقارنة نهاية عام 2019.
وفي ما يتعلق بودائع التوفير فهي مختصة بالأفراد وقد بلغت 686 مليار ليرة في نهاية شهر آب من عام 2020، مقارنة بـ675 مليار ليرة في نهاية عام 2019.
هذا في حين ازدادت الودائع لأجل حسب الجهة المودعة خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2020، ففي القطاع العام ازدادت من 429 مليار ليرة إلى 1.106 مليار ليرة، وودائع المؤسسات من 112 مليار ليرة إلى 175 مليار ليرة، وودائع الأفراد من 708 مليارات ليرة إلى 973 مليار ليرة، وأن مساهمة الأفراد بلغت 48% من إجمالي الودائع، ومساهمة القطاع العام 37% والمؤسسات 15% من إجمالي الودائع في نهاية آب 2020.
وفي إشارة إلى تخمة المصارف الحكومية بالإيداعات، أصدر صرف التوفير قراراً بمنع أي من متعاملي المصرف وزبائنه ممن بلغ رصيده المليون ليرة، من إيداع أي مبلغ في حسابه المفتوح لدى المصرف زيادة عن ذلك.
واكتفت المدير العام للمصرف، رغد معصب بالقول: "هذا القرار اتخذ بناء على قرار مجلس الإدارة، وكل متعامل لا يناسبه هذا القرار بإمكانه فتح حساب جار من دون فائدة".