سباق خليجي لجذب أثرياء العالم: احتدام التنافس بين السعودية والإمارات

سباق خليجي لجذب أثرياء العالم: احتدام التنافس بين السعودية والإمارات

18 مايو 2023
السعودية تواصل سياسة الانفتاح الاستثماري لجذب رؤوس الأموال (Getty)
+ الخط -

تشهد دول الخليج منافسة كبيرة من أجل استقطاب رؤوس أموال أثرياء العالم، ولا سيما بين كل من السعودية والإمارات اللتين تقدمان حوافز ضخمة لإغراء المستثمرين.

وبأكثر من 68.400 مليونير و15 مليارديراً، تحتل إمارة دبي موقع الريادة عربياً وإقليمياً للمدن التي تعد مقصداً لإقامة أثرياء العالم، وسط مؤشرات متزايدة على منافسة سعودية شرسة لاستقطاب رؤوس الأموال الضخمة بالإمارة الصغيرة إلى مدن المملكة.

وحسب تقرير أصدرته شركة هينلي أند بارتنرز، في 20 إبريل/نيسان الماضي، فإنّ أبوظبي تحتل المرتبة الثانية لمدن الأثرياء في الإقليم بـ24.200 مليونير، وبعدها الدوحة بـ21.500 مليونير، ثم تأتي الرياض في المرتبة الرابعة بـ 18.100 مليونير، ما قدم مؤشراً على أن منافسة الرياض لدبي كمركز مالي واقتصادي ليست بعيدة المنال.

وعززت التطورات الجيوسياسية من فرصة دبي في الاستمرار بموقع الريادة، خاصة بعدما تراجع عدد أصحاب الملايين الذين يعتبرون العاصمة الروسية موطناً لهم، على خلفية حرب أوكرانيا، بنسبة 44% مقارنة بما كان عليه الوضع قبل 10 سنوات، في حين شهدت سانت بطرسبرغ تراجعاً بنسبة 38%، وكثير منهم انتقل للإقامة في دبي، بحسب تقرير الشركة الأميركية.
لكن السعودية، في المقابل، تعتمد، في تنافسها مع الإمارات، على إغراء الشركات والمؤسسات بامتيازات لنقل مقراتها إلى الرياض أو جدة أو أي من المدن السعودية القائمة، أو المستقبلية، مثل نيوم، ما يعني انتقال آلاف الموظفين ورواد الأعمال أيضا للإقامة بالمملكة.

منافسة شريفة
يرى الخبير الاقتصادي، جاسم عجاقة، أن المنافسة الجارية بين الإمارات والسعودية، "شريفة" وتقوم على تسابق القائمين على أمر الاقتصاد في البلدين نحو ما فيه الخير لبلديهما في إطار "اقتصادي بحت"، حسبما صرح لـ"العربي الجديد".

فالمنافسة ذاتها تمتد إلى دول إقليمية أخرى، بينها تركيا، إذ إن الشركة التي ستتخذ من السعودية مركزا رئيسيا لها لن يكون لها مكان في تركيا، وبالتالي فالمنطقة أمام سباق اقتصادي إقليمي ومنافسة حامية، لكنها "إيجابية"، حسب توصيف عجاقة.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن دولة قطر سيكون لها دور في هذا السباق، إضافة إلى الكويت وغيرها من الدول الخليجية، مشددا على ضرورة توظيف منافسة كهذه في إطار تكامل الاقتصادات الخليجية، حتى ولو كان النفط والغاز هو العنصر المشترك بين هذه الاقتصادات.
فاقتصادات الخليج بحاجة إلى تنويع مواردها، وهو ما تدركه دول المنطقة جيدا، وتسعى إليه بقوة الإمارات والسعودية وقطر، بحسب عجاقة، الذي يشير إلى أن إمارة دبي لديها ميزة نسبية في هذا التنافس، تتمثل في أسبقية تنفيذ الإصلاحات منذ فترة طويلة، ما أرسى مستوى أكبر من الثقة بأسواقها.
ويوضح عجاقة أن دبي ستعتمد على هذا الرصيد في منافستها، مقابل اعتماد المملكة العربية السعودية على ثورة الإصلاحات والاستثمارات الضخمة وجذب الشركات الأجنبية لنقل مقراتها إلى الرياض أو جدة، مشيرا إلى أن رؤية المملكة 2030 الاستراتيجية تسير بخطى حثيثة، ما يعطي للسعودية مصداقية أعلى في المنافسة الجارية، ولذا تشهد السعودية تطوراً إيجابياً كبيراً على المستوى الاقتصادي.

رصيد تاريخي
يرى الخبير الاقتصادي، حسام عايش، أن دبي تمثل حالة فريدة في العالم من بين ما يمكن تسميتها بمدن أصحاب الثروات الكبرى، وبالتالي فقد أوجدت الإمارة الصغيرة لدولة الإمارات مكاناً بين دول عظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية واليابان وفرنسا والصين وروسيا، وهي الدول التي صنع فيها الأثرياء ثرواتهم، أو يقيمون فيها، حسبما صرح لـ"العربي الجديد".
ويوضح عايش أن أثرياء العالم يقيمون في مدن كهذه لأسباب مختلفة، منها المكانة العالمية والإمكانات الكبيرة في عقد الصفقات ولقاء رواد الأعمال، وإتاحة الفرص الهائلة، غير أن دبي تتميز بقدرة استثنائية على جذب هؤلاء الأثرياء، لأسباب تتعلق بالضرائب المنخفضة والقيود القليلة على حركة الأموال، لدرجة أن هناك مؤسسات ومنظمات دولية، بينها الاتحاد الأوروبي ومنظمة الشفافية الدولية، وضعت الإمارات ضمن التصنيفات المتعلقة بشبهات غسل الأموال.
وتحاول السعودية الدخول في إطار هذا المستوى الجاذب لرؤوس الأموال، بحسب عايش، الذي نوه إلى أن التنافس السعودي الإماراتي على نفس القطاعات الاقتصادية تقريبا، وذلك لأسباب موضوعية تخص مرور السعودية حاليا بذات المرحلة التي مرت بها الإمارات سابقاً.

فالسعودية تعيد حركتها العالمية الجديدة إلى إطار تحديثها الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي فهي تمر بنفس ظروف الإمارات منذ 3 عقود، ما ينتج عنه نفس الاستجابات للتحديات التي واجهتها الإمارات سابقا، ولكن على مستوى أكبر، حسبما يرى عايش.
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن السعودية تستفيد أيضاً من تجربة دبي لكي تطور تجربتها بما يجعلها وكأنها في حالة تنافس مع الحالة الإماراتية، حتى لو لم يكن ذلك مقصودا لذاته، سواء على مستوى المركز المالي، أو على مستوى التنافس على المجالات الاقتصادية المختلفة.

تغيير القوانين
لكن عايش يرى، في الوقت ذاته، أنه من الصعوبة القول بأن الرياض ستحل سريعا محل دبي كمركز مالي، لأن تراكم إنجازات الإمارة هو ما أوصلها لأن تكون مركزاً مالياً عالمياً يحظى بالثقة وبالقدرة على الجذب وبالاستمرارية، ما سيحد من قدرة الرياض على جذب هذه الأعداد الكبيرة من رجال الأعمال وأصحاب الثروات الهائلة، بالمدى المتوسط على الأقل، خاصة أن الوضع القانوني والمعيشي والاجتماعي في السعودية لا يزال مختلفاً عن دبي.
فدبي "إمارة عالمية مركزة في مدينة" حسب توصيف عايش، بينما السعودية دولة كبيرة ممتدة الأطراف، والرياض ليست المركز الوحيد فيها، والمملكة ما زالت في مرحلة قراءة احتياجات الأثرياء ورواد الأعمال وما يمكنها أن تقدمه لهم إضافة لما تقدمه دبي، وهو أمر ليس باليسير، وفق تقديره.

ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن أهم ما تحتاجه السعودية في منافستها مع الإمارات هو تغيير الأنظمة والقوانين والسياسات المختلفة، خاصة أن الرياض لا يمكنها تحمل أن تكون تحت منظار الاتهام بغسل الأموال، كما جرى مع دبي، لأنها تقدم نفسها باعتبارها نموذجاً اقتصادياً عالمياً مختلفاً وجديداً في المنطقة، وفي آسيا وفي العالم.

مقرات الشركات
يلفت الخبير الاقتصادي، إلى أن انتقال المراكز الإقليمية للشركات إلى دبي كان لأسباب موضوعية، تتعلق بالتسهيلات الهائلة المقدمة من دولة الإمارات، وإذا كانت السعودية قادرة على أن تقدم هذه التسهيلات، أو ما هو أفضل منها وأحدث، فمن الموضوعي أن تأخذ إدارات تلك الشركات قرارا بالانتقال إلى المملكة.
ويلفت عايش، في هذا الصدد، إلى أن الاقتصاد السعودي تجاوز ناتجه الإجمالي التريليون دولار، بما يمثل ضعفي الاقتصاد الإماراتي، كما أن آفاق الاقتصاد السعودي لاتزال في حالة انطلاق واستكشاف لإمكانات وقدرات وثروات جديدة، بينما وصل الاقتصاد الإماراتي إلى مرحلة قريبة من الذروة، ولذا فإن الثقل الاقتصادي للسعودية سيكون حاسماً، ليس فقط على مستوى الخليج وإنما في آسيا.
ولذا اتجهت الإمارات مؤخراً إلى إطلاق مبادرات جديدة، مثل مبادرة تملك الأجانب للمشروعات بنسبة 100%، ومبادرة إتاحة الإقامة الذهبية للمستثمرين لمدة 10 سنوات، فضلاً عن مبادرات العلاقات الاقتصادية مع الدول الأخرى، واتفاقيات الشراكة الاستراتيجية، بحسب عايش، مشيراً إلى أنّ السعودية تطلق مبادرات موازية لمواكبة ذلك، لكن بتفاصيل خاصة بها.

المساهمون