دعوات ضد التطبيع الاقتصادي في المغرب والجزائر

دعوات ضد التطبيع الاقتصادي في المغرب والجزائر

16 أكتوبر 2023
تصاعد دعوات المقاطعة للسلع الإسرائيلية في الدول العربية (محمد أسعد/ الأناضول)
+ الخط -

عطّلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مسيرة التطبيع مع المغرب التي بدأها الاحتلال منذ سنوات، وسط دعوات بمقاطعة سلع إسرائيل، وفي الجزائر أثبت المواطنون أن بلدهم إحدى القلاع الثابتة على مواقفها الرافضة لأي تطبيع مع الاحتلال، بما في ذلك في مجال التجارة.

استحضر المغاربة البعد الاقتصادي في حملاتهم ضد التطبيع مع دولة الاحتلال على خلفية تبني الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع ومجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، تنظيم مسيرة وطنية شعبية بالعاصمة الرباط، أمس الأحد، وسط تصاعد الغضب الشعبي من جرائم الاحتلال في قطاع غزة.
ويتشبث المغرب الذي طبّع مع إسرائيل قبل حوالي ثلاثة أعوام، بالموقف الرامي إلى إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من يونيو 1967، وفق حل الدولتين المتوافق عليه دوليا.

بلغت المبادلات التجارية بين المغرب وإسرائيل 55.7 مليون دولار في 2022 رغم ابرام اتفاقات اقتصادية واستثمارية ضخمة

وكانت المملكة المغربية قد أعربت بعد "طوفان الأقصى" عن "قلقها العميق" إزاء "تدهور الأوضاع واندلاع الأعمال العسكرية في قطاع غزة"، معبرة عن إدانتها لـ"استهداف المدنيين من أي جهة كانت".

وبلغت المبادلات التجارية بين المغرب وإسرائيل 55.7 مليون دولار في العام الماضي رغم ابرام اتفاقات اقتصادية وتجارية واستثمارية ضخمة على مدى العامين الماضيين، حسب تقرير لمعهد اتفاقات أبراهام للسلام، الذي يحل على المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء، حيث ارتفعت تدفقات الصادرات والواردات بنسبة 32 في المائة مقارنة بالعام الذي قبله.

ويتجلى أن العلاقات الاقتصادية بين المغرب وإسرائيل ما زالت ضعيفة، غير أنه ينتظر أن تتطور بالنظر للنوايا الرسمية المعرب عنها من الطرفين، حيث جرى التعبير عن الرغبة في نقل المبادلات التجارية إلى 500 مليون دولار، ولكن كل ذلك قد يتم عرقلته بعد عمليات "طوفان الأقصى"، حسب مراقبين.

وتعتبر السياحة إحدى الأنشطة الموعودة بالتطور بسرعة، علما أنه زار المغرب في العام الماضي 200 ألف سائح إسرائيلي، حسب مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، مقابل 80 ألف في العام الذي قبله.
ويبدو من مواقع التواصل الاجتماعي، أن مستعمليها من المغاربة، مازالوا يتابعون الأخبار والتعبير عن مشاعرهم ومخاوفهم إزاء القصف الإسرائيلي لغزة بعد "طوفان الأقصى"، غير أن بعضهم بدأ يبدي انشغاله بالمبادرة التي أقدمت عليها "ماكدونالدز" بإسرائيل مع الدعوة إلى مقاطعتها.
ويعتبر الناشط الحقوقي المغربي وعضو منظمة "بي دي إس" الذي ينادي بالمقاطعة الأكاديمية والثقافية والسياسية لإسرائيل، سيون أسيدون، أن مناهضة التطبيع له بعد اقتصادي يقضي بعدم التعامل مع الشركات الإسرائيلية سواء عبر مشاريع أو السلع.
ويذهب إلى أن الحملة المناهضة للتعامل مع إسرائيل ومقاطعة شركاتها وسلعها لم تتوقف منذ سنوات، مضيفا أنها استهدفت شركات بعينها وماركات تجارية عالمية لها حضور في المغرب تستورد السلع من إسرائيل.

عضو منظمة "بي دي إس"، سيون أسيدون: مناهضة التطبيع له بعد اقتصادي يقضي بعدم التعامل مع الشركات الإسرائيلية عبر مشاريع أو سلع

ويضيف أسيدون الذي كرس حياته للتوعية بخطورة الاحتلال الإسرائيلي وجوهره العنصري والدعوة لضرورة مناهضه، أن التمور الإسرائيلية التي كانت موضوع حملة مقاطعة، لاقت تجاوبا مهما من المواطنين، خاصة في شهر رمضان، حيث أضحت الأسر أكثر حرصا على معرفة مصدر ذلك المنتج.
ويشير الناشط في مجال حقوق العمال في القطاع الزراعي، محمد الهاكش، إلى أنه بعد الاعتداء الإسرائيلي على الفلسطينيين والدعوات التي تصاعدت في إسرائيل بتهجير سكان غزة، لم تبلور مبادرات واضحة للدعوة إلى المقاطعة تستحضر التطورات الأخيرة.

ويوضح أنه يفترض في السياق الحالي من أجل تنفيذ المقاطعة تعيين السلع الإسرائيلية التي تباع في الأسواق المحلية والتي يراد أن تكون هدفا للمقاطعة، كما حدث في مناسبات سابقة كان الدعوة واضحة.

مقاطعة واسعة في الجزائر

من جانب ثان، بقيت الجزائر المعروفة بقيادتها لمحور "المقاطعة"، إحدى القلاع الثابتة على مواقفها الرافضة لأي تطبيع مع إسرائيل، بما في ذلك في مجال التجارة، سواء بطرق مباشرة أو غير مباشرة، مرورا عبر دولٍ وسطاء.
ومع تواصل الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، بدأ إطلاق حملات مقاطعة لشركات وعلامات عالمية داعمة أو ذات صلة بالكيان المحتل لفلسطين، كسبيل لدعم الشعب الفلسطيني.
وأطلقت أحزاب سياسية وجمعيات حقوقية حملات مقاطعة ضد شركات وعلامات عالمية، تُسوق سلعها وخدماتها في الجزائر، تدعم إسرائيل وأعلنت دعمها لحملة القصف العنيف التي يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة، وانتقلت الحملات إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث دشن رواد المنصات حملات تحمل "هاشتاغ" يدعو للمقاطعة علامات داعمة لإسرائيل، على غرار وسم " مقاطعتك جهاد"، "مقاطعون سلع صهيون" وغيرها من الحملات الداعية لتفعيل المقاطعة التجارية، التي يراها جزائريون على أنها "تطبيع غير مباشر".

أطلقت أحزاب سياسية وجمعيات حقوقية حملات مقاطعة ضد شركات وعلامات عالمية، تُسوق سلعها وخدماتها في الجزائر

وفي السياق، قال عضو الجبهة الشعبية الجزائرية لمقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني (تكتل سياسي ومجتمعي)، محمد غدير أن "الجبهة وعبر فواعلها السياسية والمجتمع المدني أطلقوا حملات لمقاطعة جميع السلع المستوردة، التي يدعم مُنتجوها أو الدول القادمة منها الكيان الصهيوني، وذلك كشكلٍ من أشكال مقاومة التطبيع".

وأضاف غدير لـ"العربي الجديد" أن "أصحاب حملات المقاطعة وضعوا قوائم للعلامات التي يجب مقاطعتها في الجزائر، ويتم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأغلبها منتجات غذائية و ملابس ومواد تجميل، لا نعرف مدى نجاح المقاطعة، علينا المبادرة والترويج لها."

من جانبه يرى الخبير الاقتصادي، جمال نور الدين، أنه "يجب مقاطعة شركات 'الفرانشايز" وفروعها التي تنشط في الجزائر والمعروفة بعلاقتها بإسرائيل، وذلك أكثر تأثيرا من استهداف منتجات مستوردة بطرق عادية، لأن تأثيرها سيكون على التجار وليس على العلامة".

وأضاف نور الدين لـ "العربي الجديد" أن "حملات المقاطعة يجب أن تكون حاملة لرسائل للعلامات المعنية، لأنه يصعب مقاطعتها مطولا، كون أن المستهلك الجزائري تعود عليها، ولا يوجد لها بديل في الجزائر، في ظل سياسة "شد الحزام" التي تُسير بها الحكومة الجزائرية التجارة الخارجية."

وبالرغم من عدم وجود قوانين تجرم التطبيع مع إسرائيل، بمختلف أشكاله، إلا أن الجزائر على المستوى الرسمي والشعبي، ظلت متمسكة بمقاطعة كل ما هو إسرائيلي، بل تتحفظ على استخدام كلمة "إسرائيل"، على المستوى الرسمي والحكومي، فيما تخضع السلع المستوردة لعمليات تدقيق لتتبع مصدرها، في حال وجود شبهة حول ارتباطها بإسرائيل.

بقيت الجزائر المعروفة بقيادتها لمحور "المقاطعة"، إحدى القلاع الثابتة على مواقفها الرافضة لأي تطبيع مع إسرائيل

وقال المستشار الحكومي وأستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة مستغانم (غربي الجزائر)، عبد القادر بن شارف إن "الناظر في طبيعة علاقة الجزائر كدولةٍ وشعبٍ مع هذا الكيان المسمى "إسرائيل" يعرف تاريخا طويلا من القطيعة والمقاطعة، وبالأخص في المجال الاقتصادي، حيث تعود أصول المقاطعة إلى 1914 حين قال المفكر الصحافي والرسّام التشكيلي عمر راسم في بحثٍ له تحت عنوان "المسألة الصهيونية" إن "عمر اليهود الصهاينة في التجارة" وظلت هذه الجملة هي قاعدة لدى الجزائريين شعبا وحكومة."

وأضاف أستاذ الاقتصادي السياسي لـ "العربي الجديد" أن "الكيان الإسرائيلي حاول دفع الجزائر نحو التطبيع التجاري عبر تمرير سلع من خلال دول أوروبية بالأخص فرنسا وإيطاليا، كانت آخرها حجز مولدات كهربائية استوردتها شركة الكهرباء والغاز "سونلغاز" من إيطاليا سنة 2017، ظهر فيما بعد أنها إسرائيلية المنشأ، لذلك تحرص الجزائر بأن لا تقع في هذا الفخ، وتظل دائما تحذر المستوردين من الوقوع في هذه المحاولات التي لن تتوقف."

المساهمون