خيارات صعبة أمام واشنطن وحلفائها... والتجارة العالمية تنزف

سفن البحر الأحمر .. خيارات صعبة أمام واشنطن وحلفائها والتجارة العالمية تنزف

22 ديسمبر 2023
متسوّقون في مدريد وسط مخاوف من نقص السلع (Getty)
+ الخط -

تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون وأسواق السلع والتجارة خيارات صعبة في التعامل مع أزمة التجارة في البحر الأحمر وسط هجمات الحوثي على السفن التجارية التي تحمل بضائع إسرائيلية أو متجهة من إسرائيل وإليها. وحتى الآن أعلنت أكثر من 100 شركة من شركات الشحن الكبرى في العالم أن سفنها ستتوقف عن الإبحار عبر البحر الأحمر لعبور باب المندب، وستتجه نحو رأس الرجاء الصالح في أفريقيا رغم طول مدة الإبحار وزيادة الكلفة.

كما حولت شركات النقل البحري ما تصل قيمته إلى نحو 35 مليار دولار من شحنات البضائع بعيداً عن طريق البحر الأحمر، في ظل تصاعد المخاطر الأمنية في المنطقة. ومع تعقد المشهد في البحر الأحمر مع استمرار هجمات جماعة الحوثي اليمنية ضد السفن الإسرائيلية أو العالمية المتجهة نحو موانئ دولة الاحتلال، زاد قلق المؤسسات العالمية الكبرى.

في هذا الشأن، قال كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي فيليب لين إن صناع السياسة يراقبون الوضع في منطقة البحر الأحمر، لكن من غير الواضح ما إذا كانت المخاطر الأمنية ستؤثر على التضخم وفي أي اتجاه سيكون هذا التأثير.

وذكر لين في دبلن، الأربعاء، أن التأثير النهائي لهذا الوضع غير مؤكد، في تعليق يأتي عقب وقف العديد من شركات الشحن استخدام طريق الشحن الذي يمر عبر البحر الأحمر خوفاً على سلامة السفن.

وأضاف لين: "من الواضح أن الاختناقات من أي نوع تمثل مشكلة كبيرة، لكن في ما يتعلق بالتأثير النهائي على التضخم، فهناك قوى في كل اتجاه"، وأشار إلى الانخفاض في أسعار الطاقة منذ بداية الصراع في الأراضي الفلسطينية قبل أكثر من شهرين، والذي يظهر كيف يمكن للمخاطر الجيوسياسية أن تقوض الثقة، وتؤدي إلى انخفاض الاستثمار، وكذلك الخوف بشأن المستقبل، على حد تعبيره.

عالمياً أيضاً يرى خبراء أن التهديدات في البحر الأحمر تشكل حجر عثرة أمام التجارة العالمية، لأن أي سفينة تبحر بين أوروبا وشرق آسيا يجب عليها إما المرور عبر قناة السويس للمرور عبر البحر الأحمر أو قطع مسافة طويلة حول أفريقيا، وهو ما يضيف آلاف الأميال وما يصل إلى ما بين أسبوعين وشهر إلى الرحلة.

وهو ما يعني أن أسعار الشحن والبضائع والسلع الحيوية وعلى رأسها النفط وسلاسل الإمداد المستوردة من آسيا للمصانع والمتاجر الأوروبية ستعاني من نقص بعض السلع خلال مواسم التسوق الحالية وأن أسعار منتجاتها سترتفع، وبالتالي ستتفاقم أزمة التضخم الذي تسعى الاقتصادات الأوروبية للتخلص منه.

في هذا الشأن، قال الخبير الاقتصادي بوكالة "موديز أناليتكس" مارك هوبكنز إن 12% من التجارة العالمية تمر عبر البحر الأحمر، وفقاً لمجموعة تجارة الغرفة الدولية للشحن البحري، وبالتالي فمن المرجح أن يمثل الاضطراب مشكلة أكبر لأوروبا وآسيا مقارنة بالولايات المتحدة.

وأضاف هوبكنز في تعليقات نقلها موقع إنفستوبيديا Investopedia، مساء الأربعاء: "من غير المرجح أن يكون لاضطرابات الشحن حول شبه الجزيرة العربية أي تأثير كبير على الاقتصاد الأميركي، ولكنه سيؤثر على أوروبا وآسيا".

ويضيف أنه على الرغم من أن تكاليف النقل تشكل نسبة صغيرة من الكلفة النهائية لمعظم السلع، ولكن قد تنشأ بعض الاضطرابات في سلاسل التوريد، وهو ما يؤثر على بعض الصناعات وعلى أسعار الطاقة في أوروبا".

وعلى الرغم من إعلان الولايات عن تشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة في البحر الأحمر، إلا أن خبراء يشككون في فعالية هذه القوة وقدرتها على منع صواريخ الحوثي وطائراته المسيرة من الوصول للسفن التجارية العابرة لباب المندب.

في هذا الصدد، قال زميل أبحاث القوة البحرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن سيدهارث كوشال إن التحالف البحري بقيادة الولايات المتحدة، والذي لا يزال قيد التشكيل، "قادر بشكل جماعي على نشر قوة بحرية كبيرة في البحر الأحمر".

ولكن السؤال الذي يطرحه العديد من الخبراء هو عما إذا كانت هذه القوة فعالة في حماية السفن، أو عما إذا كانت ستهدد بتوسع الحرب الإسرائيلية؟ ومن بين الأعضاء الآخرين في المبادرة متعددة الجنسيات لحماية السفن المملكة المتحدة وكندا وفرنسا وإيطاليا واليونان وأستراليا وهولندا والنرويج وإسبانيا، وسط غياب الدول العربية الواقعة على سواحل البحر الأحمر.

ويضيف كوشال: "كما رأينا من خلال النشاط الأخير الذي قامت به السفينة يو إس إس كارني في المنطقة، يمكن للسفن الحديثة أن توفر حماية كبيرة لنفسها وللسفن الأخرى في مسرح العمليات ضد التهديدات الجوية والصاروخية"، في إشارة إلى المدمرة الأميركية ذات الصواريخ الموجهة التي أسقطت 14 طائرة بدون طيار يوم السبت.

ولكن كوشال يحذر من الخطر الرئيسي الذي يواجه واشنطن وهو المخاطرة بتوسيع نطاق الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة وإشعال المنطقة التي تبدو كبرميل بارود ينتظر إشعال ثقاب كبريت.

ويقول كوشال في تعليقات نقلتها وكالة بلومبيرغ، أمس الخميس، إن الطريقة الأكثر فعالية للقضاء على تهديد الحوثيين هي مهاجمة مواقع إطلاق الصواريخ، ويرى أنه "لن يؤدي تلقائياً إلى حريق إقليمي، ولكنه قد يزيد مخاطر حدوثه"، مضيفاً: "لا أعتقد ذلك أيضاً، لأن الحوثيين وإيران والولايات المتحدة لا يرغبون في تصعيد أوسع للحرب في غزة".

من جانبه، يتوقع الرئيس التنفيذي لشركة الأمن البحري درياد غلوبال كوري رانسلم، في تعليقات نقلتها قناة "سي أن بي سي" أمس الخميس، أن التهديد سيظل يواجه الشحن البحري "في المستقبل المنظور طالما استمرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة".

ويرى محللون أن كل ما يمكن للتحالف البحري الذي تعمل على تشكيله الولايات المتحدة فعله هو التقليل من هجمات الحوثي وليس منعها تماماً، ويذكر في هذا الشأن: "اعتماداً على كيفية اجتماع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، يمكننا أن نرى انخفاض مستوى التهديد ضد الشحن التجاري إذا كانت جهودهم فعالة".

من جانبها، تقول البروفسورة بجامعة هارفارد ميغان أوسوليفان إن رد الولايات المتحدة في البحر الأحمر يوفر الردع، لكنه يهدد بتوسيع نطاق الحرب. ويتوقع رانسلم أن التأثير الاقتصادي على التجارة العالمية بسبب الهجمات الحوثية سيتواصل على المدى القصير. لكنه يضيف أنه في كل عام هناك "ما يقرب من 35 ألف رحلة للسفن تمر بشكل رئيسي بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، وهو ما يمثل حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وهذا يعني أنه إذا استمرت التهديدات، فقد تشهد البلدان في تلك المناطق تأثيرات اقتصادية كبيرة. ويمكن أن يتأثر الاقتصاد الإسرائيلي بشكل خطير أيضاً إذا رفضت المزيد من شركات الشحن استلام البضائع المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، ويقول "حتى الآن فعلت شركتان ذلك بالفعل".

وقال محلل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة فيرسك ميبلكروفت توربيورن سولتفيدت في تعليقاته لموقع إنفستوبيديا، يوم الأربعاء: "بالنسبة للحوثيين، فإن التحدي يتمثل في تقديم ما يكفي من التهديد لردع شركات الشحن عن المرور عبر باب المندب مع تجنب الأعمال التي يمكن أن تؤدي إلى رد فعل عسكري ساحق من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة". ويرى ميبلكروفت أن الحوثيين لا يحتاجون إلى منع السفن فعلياً من المرور عبر البحر الأحمر؛ إنهم يحتاجون فقط إلى التسبب في اضطراب كافٍ لجعل أقساط التأمين البحري باهظة أو إجبار معظم شركات الشحن على تعليق أنشطتها.

وكتب الزميل غير المقيم في مركز أبحاث "أتلانتك كاونسل" هونغ تران، في تعليق على موقع المركز يقول: الهجمات على الشحن البحري في البحر الأحمر تشكل تهديداً للاقتصاد العالمي، خاصة إذا أدت إلى جر المزيد من الدول إلى صراع مسلح في الشرق الأوسط. ويقول تران إنه "كلما طال أمد الحرب في غزة، كلما استمرت اضطرابات الشحن الناجمة عن الهجمات الصاروخية في البحر الأحمر لفترة أطول". ويضيف: "يكمن الخطر في أن يؤدي اتساع نطاق الحرب على غزة إلى زيادة زعزعة استقرار الاقتصاد الإقليمي، وبالتالي يمتد تأثير ذلك إلى الاقتصاد العالمي".

ويرى محللون أن التهديدات التي يتعرض لها الشحن في قناة السويس يمكن أن تدفع الشركات الأوروبية والأميركية إلى إعادة التفكير في مدى اعتمادها على الإمدادات والمواد المشحونة من الخارج. وكانت الاضطرابات الناجمة عن جائحة كوفيد-19 في عام 2020، والغزو الروسي لأوكرانيا، والكوارث الأخرى، قد قدمت ما يكفي من الحوافز لمثل هذا التفكير الذي سيعمل على تجزئة التجارة العالمية ويقود تلقائياً إلى عزلة تجارية بدلاً من التكامل.

وقال مارك هوبكنز، الخبير في وكالة "موديز أناليتكس"، في هذا الصدد: "إن إغلاق قناة السويس في عام 2021، والتهديدات الحالية للشحن في البحر الأحمر توضح حجم المخاطر التي تتعرض لها سلاسل التوريد الناشئة في نقاط الاختناق بسبب مشاكل ممرات النقل العالمية"، "وبالتالي، فإن التأثير الأكثر إلحاحاً للهجمات على ممرات الشحن المائية قد يكون تشجيع المزيد من الصناعات على مراقبة سلاسل التوريد وربما تنويعها لتقليل تلك المخاطر".

ويعد البحر الأحمر الطريق الوحيد المؤدي إلى قناة السويس التي تربط بين المحيط الهندي عبر باب المندب والبحر الأبيض المتوسط الذي تقع على سواحله بلدان أوروبية عديدة. وبالتالي فإنه يربط بين أكبر مستهلكي العالم للسلع القابلة للتداول في أوروبا مع كبار الموردين في آسيا. ويمر حوالي 12% من التجارة العالمية عبر القناة، وهو ما يمثل 30% من إجمالي حركة الحاويات العالمية، وما يزيد عن تريليون دولار من البضائع سنوياً.

ويمر حوالي 80 مليون طن من الحبوب عبر قناة السويس كل عام، ويتجه أكثر من ثلثها إلى الصين، وفقاً لمحلل شركة كيبلر الأميركية إيشان بهانو، كما يمر نحو 7 ملايين برميل من النفط يومياً عبر باب المندب، وفقاً لمصرف غولدمان ساكس الاستثماري الأميركي.

المساهمون