يعد اليمن من المناطق الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ، وتتمثل في الزيادة المتصاعدة خلال الأعوام القليلة الماضية في الجفاف وارتفاع درجة الحرارة والأعاصير وانجراف الأراضي والتصحر. هذا الأمر دفع الحكومة اليمنية إلى وضع هذه التغيرات في مقدمة التأثيرات التي تطاول الاقتصاد الوطني وأزمة الغذاء المستفحلة بصورة تفوق قدرات احتوائها والتعامل معها.
يرصد "العربي الجديد"، تأثيرات جسيمة للمناخ المتطرف الذي يتعرض له اليمن، إذ ارتفعت الأضرار بشكل بالغ منذ العام 2018، بنسق تصاعدي مخلفة تبعات جسيمة في البنية التحتية والمأوى وسبل العيش بالنسبة للمواطنين، بخسائر، وفق تقديرات تم تتبعها، تفوق 1.2 مليار دولار سنوياً وبنسبة تصل إلى ما يقارب 10 في المائة من إجمالي الناتج الإجمالي لليمن.
في حين تقدر خسائر القطاع الزراعي فقط بأكثر من 64 في المائة من إجمالي الخسائر، بينما زادت فجوة الغذاء بما يناهز 40 في المائة، وتشير البيانات الحكومية الصادرة عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية في وزارة التخطيط والتعاون الدولي إلى أن حجم الأراضي المتدهورة الناتجة من التغيرات المناخية منها الانجرافات المائية والاتجاه الريحي والتدهور الكيميائي تصل إلى 5.6 ملايين هكتار بنسبة 12.5 في المائة من إجمالي مساحة الأراضي الزراعية.
دعوات للمساندة
وقال مصدر حكومي مسؤول، فضل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن على المجتمع الدولي تحمل مسؤوليته في مساندة اليمن الذي لا يستطيع مواجهة الأزمات الاقتصادية المتعددة والمركبة بمفرده، إذ إن هناك تعويلا كبيرا على برنامج عمل الدوحة بهذا الخصوص للعشر سنوات القادمة للدول الأقل نمواً في الأعوام 2022-2031، وذلك باعتباره أداة فعالة لتأهيل البلدان الأقل نمواً في الوصول إلى التنمية الواسعة وتحسين مؤشرات التنمية البشرية وتجاوز أوضاع الهشاشة والضعف الاقتصادي والهيكلي.
ويوضح الباحث الزراعي أمين الحمادي، لـ"العربي الجديد"، أن الانزلاقات والجفاف والتصحر أثرت بشكل بالغ على الغطاء النباتي المتدهور وهو ما يعد من الأسباب الرئيسية في تقلص الأراضي الصالحة للزراعة، إضافة إلى أن هناك تدهوراً كبيراً في الموارد الطبيعية المختلفة من مياه ونبات واهتزاز المخزون السمكي، إلى جانب بروز العديد من التبعات أخيراً كالتعرية وتملح التربة وزحف الرمال، إذ يؤثر كل ذلك على غذاء ومعيشة السكان في اليمن.
كما يتوقع خبراء وتقارير اقتصادية وزراعية أن تكون تأثيرات التغيرات المناخية كبيرة لدرجة تضر باليمن بسبب ندرة المياه والأمطار الحمضية الناتجة من التلوث البيئي، الأمر الذي يؤثر على الزراعة ومخزون المياه الجوفية وتذبذب هطول الأمطار ونوبات الجفاف.
وعرضت الحكومة اليمنية في مؤتمر الأمم المتحدة في الدوحة للبلدان الأقل نمواً الذي بدأ في 5 مارس/ آذار، أبرز التحديات الكبيرة التي تعيق أهداف التنمية المستدامة في اليمن على كافة المستويات الاقتصادية والإنسانية والاجتماعية، إذ جاء تغير المناخ في مقدمة التحديات المتفاقمة التي تتطلب دعم ومساندة دولية لمساعدة اليمن على الصمود في مواجهة مختلف هذه الأزمات والتبعات والتحديات.
كما أكدت أنها تبذل جهوداً كبيرة للحد من آثار تغير المناخ، وتبني حزمة من الإجراءات والسياسات وعلى رأسها إعداد خطة طوارئ مناخية لمواجهة الكوارث الطبيعية والتخفيف من حدتها، علاوة على مكافحة التصحر ووقف زحف الرمال وتخفيف آثار الجفاف، ناهيك عن اعتماد نهج التكيف القائم على النظام الإيكولوجي، وإنشاء خطة لرصد ومراقبة تأثير الظواهر المناخية والطقس المتطرفة، إضافة إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لدعم برامج التكيف مع التغيرات المناخية.
خطط في ظل الصراع
وقد دعا مؤتمر الدوحة إلى حشد الموارد اللازمة من المانحين والهيئات الدولية المانحة لمواجهة التهديدات البيئية والتغيرات المناخية في اليمن، سواء كانت كوارث طبيعية أو نزوحا سكانيا أو ندرة في المياه أو تلوثا بيئيا، وبما يتواءم مع خطط الاستجابة الإنسانية وإعداد آلية للاستفادة من التمويلات الدولية للعمل المناخي.
في السياق، يشير مصدر مسؤول في وزارة الزراعة والري والثروة السمكية اليمنية، لـ"العربي الجديد"، إلى أن هناك خططا عديدة تتم دراستها لوقف تدهور القطاعات الإنتاجية كالأسماك، منها ما يتعلق بتفادي أي آثار على الصيادين نتيجة القرار الأخير الذي تم اتخاذه لوقف تصدير الأسماك، لافتاً إلى تفاقم أزمات هذا القطاع بسبب الحرب والصراع الدائر وتقلبات المناخ والأعاصير.
ويتطرق الخبير في علوم البحار جلال الأهدل، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى نقطة مهمة في هذا الخصوص تتعلق بتفاقم المشاكل البيئية كالتسربات النفطية والتلوث البحري، إلى جانب المناخية وخطورتها في تهديد البيئة البحرية والتأثير على السواحل اليمنية ومناطق الاصطياد والشعاب المرجانية، حيث لا تجد مثل هذه المشاكل أي اهتمام يستشعر خطورتها المتصاعدة خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
تفاقم الأزمات
وتحذر الحكومة اليمنية من تفاقم الأزمة الإنسانية المستفحلة في اليمن، من خلال احتياج نحو 80 في المائة من السكان إلى المساعدات الإنسانية، ووجود نحو 4.3 ملايين نازح في الداخل، وتنامي معدلات الفقر والبطالة إلى مستويات حرجة وانكماش الاقتصاد، إضافة إلى خطورة وضع اليمن ضمن الدول التي تتلقى صدمات مناخية عالية.
وبحسب وزارة التخطيط والتعاون الدولي، فإن اليمن يحتل المرتبة 30 بين الدول الأكثر ضعفاً، والمرتبة 17 بين الدول الأقل قدرة على مواجهة آثار تغير المناخ، كما تشير الإحصاءات إلى أن التغيرات المناخية الكبيرة والمفاجئة قد أعاقت جهود الأمن الغذائي، بسبب تأثر العديد من الأراضي بالفيضانات والسيول، وكذا الجفاف نتيجة التصحر الذي تعاني أماكن كثيرة من الأراضي الزراعية.
الخبير الاقتصادي مطهر عبدالله يعتبر في حديثه مع "العربي الجديد"، أن دعم المانحين يمثل مصدراً هاماً من مصادر النقد الأجنبي في اليمن ودعم الأنشطة الاقتصادية والقطاعات الخدمية، والذي كان له دور كبير في مساعدة البلاد قبل الحرب بالذات خلال الفترة من 2010- 2015، الأمر الذي ساهم بصورة ملموسة في استقرار الموازين والمؤشرات الاقتصادية الكلية، ومنها احتواء عجز الموازنة العامة واستقرار سعر صرف الدولار وتراكم الاحتياطيات الخارجية من النقد الأجنبي.
لذا وفق عبدالله، هناك ملف آخر مهم برز خلال السنوات القليلة الماضية على وجه التحديد، والمتمثل بتأثيرات المناخ التي تضرب الزراعة، وهي من أهم القطاعات المنتجة للغذاء والمشغلة للأيدي العاملة.