جموح الدولار يضاعف أزمات اللبنانيين على وقع أسعار "صيرفة"

جموح الدولار يضاعف أزمات اللبنانيين على وقع أسعار "صيرفة"

09 يناير 2023
إذلال اللبنانيين عند أعتاب المصارف يومياً لشراء الدولار بسعر "صيرفة" (الأناضول)
+ الخط -

عاود سعر صرف الدولار في لبنان ارتفاعه من جديد، ظهر اليوم الإثنين، متخطياً عتبة الـ45 ألف ليرة، وذلك بعد الإجراءات الجديدة التي اتخذها حاكم المصرف المركزي رياض سلامة ربطاً بمنصّة "صيرفة"، قبل أن يشهد تبدلات سريعة خلال النهار، صعوداً وانخفاضاً.

وترددت معلومات، أمس الأحد، عن اتجاه لدى مصرف لبنان لتحديد سقف التحويل على منصة "صيرفة" بمائة مليون ليرة لبنانية للحساب الواحد شهرياً ابتداءً من اليوم الاثنين، على أن تشمل هذه العملية الأفراد فقط، بينما تم إبلاغ المصارف عدم فتح اعتمادات للمؤسسات، استناداً إلى الإجراء الجديد، علماً أن أي بيان رسمي لم يصدر بعد بهذا الشأن.

وكان مصرف لبنان قد أصدر في 27 ديسمبر/كانون الأول 2022 تعميماً رفع فيه سعر الصرف عبر منصة صيرفة من 31200 ليرة إلى 38 ألف ليرة للجم الارتفاع الكبير للدولار خلال فترة الأعياد والذي تجاوز 47 ألف ليرة.

وبحسب التعميم، يشتري مصرف لبنان كل الليرات اللبنانية ويبيع الدولار على سعر صيرفة 38 ألف ليرة، ويمكن للأفراد والمؤسسات دون حدود بالأرقام أن يتقدموا من جميع المصارف اللبنانية لتمرير هذه العمليات وحتى إشعار آخر، الأمر الذي ترجم سريعاً بانخفاض فوري للدولار ولأكثر من 4 آلاف ليرة لبنانية دفعة واحدة.

ولفت حجم التداول على منصة صيرفة الأنظار بالأرقام التي لحظها والتي شهدت ارتفاعاً كبيراً في الأيام الماضية وتوقف عندها الخبراء الاقتصاديون للسؤال عن مصدر الدولارات، الأمر الذي دفع مصرف لبنان إلى إصدار توضيح بهذا الصدد، حيث إن آخر عملية تداول الخميس الماضي بلغ حجمها على سبيل المثال 305 ملايين دولار أميركي بمعدل 38 ألف ليرة للدولار الواحد.
وفي 4 يناير/كانون الثاني الجاري، بلغ حجم التداول على منصة صيرفة 290 مليون دولار أميركي، فيما بلغ حجم التداول يوم 3 يناير، 310 ملايين دولار أميركي.

وأوضح البنك المركزي، في بيان أمس الأحد، أن "حجم التداول اليومي على منصة صيرفة الذي يصدره بشكل يومي، يتضمن، أولاً ما باعه واشتراه مصرف لبنان من دولار أميركي، وثانياً، عمليات بيع وشراء الدولار الأميركي التي قامت بها المصارف ومؤسسات الصرافة والتي يجب عليهم تسجيلها على منصة صيرفة".

وأردف "بالتالي، التداول على منصة صيرفة يتضمن مجموع الدولارات التي دخلت إلى مصرف لبنان وتلك التي دفعها مصرف لبنان، يضاف إليها عمليات المصارف والصرافين التي تسجل على صيرفة"، مشيراً إلى أن "ازدياد حجم التداول على منصة صيرفة في الأيام القليلة الماضية هو طبيعيٌّ ومتوقعٌ حيث جرى السماح للجمهور ببيع وشراء الدولار دون قيود عبر منصة صيرفة من خلال مصارفهم".

في السياق، تقول الباحثة اللبنانية بالجرائم المالية والاقتصادية محاسن مرسل لـ"العربي الجديد"، إن "منصة صيرفة نشأت بداية على أساس توحيد سعر الصرف، في ظل أزمة التعددية التي خلقتها أصلاً تعاميم مصرف لبنان المتتالية، وعلى أساس أن تكون القاعدة الأساسية لعمليات بيع وشراء الدولار الأميركي، وذلك قبل أن يصبح دور حاكم البنك المركزي المضاربة على الليرة اللبنانية".

وتوضح مرسل أن "لا سند قانوني يبرر نشأة منصة صيرفة، إذ إن قانون النقد والتسليف يسمح لمصرف لبنان ببيع وشراء العملة، لكن لا يتيح له المضاربة بالعملة الوطنية، وهذه بحد ذاتها مخالفة تطاول الحفاظ على سلامة النقد، فكل من يضارب أو يسيء إلى العملة الوطنية إنما هو يرتكب جرماً مالياً يلاحق عليه".

وتلفت مرسل إلى أن "مصرف لبنان موّل بداية منصة صيرفة من خلال التدخل من الاحتياطي الموجود لديه، ثم من شراء الدولارات من الشركات المالية والصيارفة، وهذا ينتج فارقاً ما بين سعر صرف الدولار في السوق وسعره عبر منصة صيرفة، عدا عن الفائدة التي أعطيت بثلاثة في المائة، وهذه خسائر يتحملها مصرف لبنان وتزيد الفجوة المالية لديه، وتسجّل في بند الموجودات".

وتشير الباحثة اللبنانية بالجرائم المالية والاقتصادية إلى أن "مصرف لبنان تخلى عن دوره ببيع وشراء العملة، وأصبح يضارب على الليرة اللبنانية، من خلال لمّ الدولارات من السوق وطبع كتلة نقدية بالليرة لتمويل عمليات الشراء والبيع، وعندما يزيد الطلب على الدولار حكماً تنخفض قيمة الليرة، وبالتالي كلما كبرت الكتلة النقدية بالليرة كلما سرع ذلك انهيار قيمتها".

وترى مرسل أن "عمليات صيرفة تبقى مبهمة، ما يوسّع دائرة الأسئلة بشأنها، حتى إنه يوم كانت المصارف تسلك طريق الإضراب والإقفال كانت المنصة تواصل نشاطها، رغم أنها تحصل عبر هذه البنوك"، مشيرة إلى أن أبرز المستفيدين من المنصة هم المحظيون ومديرو المصارف والبنوك وكبار المودعين.

في المقابل، تشير مرسل إلى أن مصرف لبنان لا يدعم المنصة اليوم من الاحتياطي الذي يقال إنه يبلغ 10 مليارات دولار، علماً أن هذا الكلام غير دقيق، وبحسب مرجعيات دولية فإن المبلغ يقتصر على 3 مليارات دولار قابلة للاستعمال، لافتة إلى أن هذه الأموال ليست إلا نتيجة المضاربة التي تؤدي بدورها إلى مزيدٍ من الانهيار في قيمة الليرة اللبنانية.

المساهمون