بدأت السلطات الأميركية اليوم الثلاثاء، سلسلة جديدة من التحقيقات مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، حول حصوله على رشى مالية وسيارة فارهة وشقة سكنية فاخرة، من إحدى الشركات المملوكة لرجل أعمال مصري من أقباط المهجر، بولاية نيويورك، مقابل مساعدته على منح الشركة عقداً حصرياً بتصدير اللحوم المذبوحة على الطريقة الإسلامية، والمشاركة في مناقصات وهمية بالتنسيق مع الحكومة المصرية، لينفرد بإصدار شهادات الذبح للحوم المستوردة من أنحاء العالم.
وجهت السلطات الأميركية، عبر القنوات الدبلوماسية بالقاهرة، طلباً لوزارة العدل، بالتحقق من علاقة مسؤولين بالحكومة حول الرشى لمعرفة سبب منحها العقد الحصري لقبطي لا يملك خبرة في تجارة لحوم الحلال، ومدى علاقة كبار المسؤولين بواقعة الفساد المرتكبة داخل الأراضي الأميركية.
تشارك وزارة العدل والزراعة والمباحث الفيدرالية في التحقيقات الموسعة على مدار الأسبوعين الماضيين، والتي بدأت منذ مطلع العام الجاري، حول حصول السيناتور روبرت مينينديز وزوجته نادين أرسلان على سيارة مرسيدس وشقة فاخرة بواشنطن العاصمة، وكميات من المجوهرات وعشرات الآلاف من الدولارات، من رجل الأعمال وائل حنا الذي يدير أعمال الشركة في منطقة نيوجرسي.
واستدعى المدعون العامون بجنوب نيو جرسي مراسلات متبادلة بين النائب الأميركي وفريد دايبس Farid Daibes، المطور العقاري والمالك الأصلي لشركة "إيدج ووتر" بعد إقراره بأنه مذنب بارتكاب جرائم مصرفية اتحادية العام الماضي، وينتظر الحكم النهائي في القضية، التي تأجل البت فيها عدة مرات.
يشغل مينينديز منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وهو المشرف على مليارات الدولارات من المساعدات التي تقدمها الحكومة الأميركية إلى مصر، على شكل منح عسكرية ومساعدات مالية سنوياً. سبقت إحالة السيناتور الأميركي مراراً في قضايا مماثلة، وفقاً لما ذكرته مجلة "بوليتكو" التي اعتبرت اتهامه الجديد قنبلة اختبار تواجه الحزب الديمقراطي الموالي للرئيس بايدن بالكونغرس.
تجري وزارة العدل الأميركية تحقيقات بهدف الخروج بعريضة اتهام واضحة حول حصول عضو مجلس الشيوخ على الهدايا من مالك شركة "Edge water" إدج ووتر أو شركاء الشركة القابضة المالكة لها IS EG Halal "آي إس إيجي" التي فازت بعقد حصري مثير للجدل، يمنحها بمفردها صلاحية إصدار شهادة اللحوم الحلال التي تستورد لحساب الحكومة المصرية، على الرغم من اعتراض وزارة الزراعة الأميركية، لعدم امتلاك تلك الشركة سابقة خبرة في هذا المجال.
تسعى التحقيقات للتأكد مما إذا كان عضو مجلس الشيوخ وزوجته نادين أرسلان، قد حصلا على الهدايا بشكل غير صحيح من مالك الشركة أو شركائه، وما إذا كان السيناتور قد قام بأي إجراء في مقابل الهدايا.
عقد من الحكومة المصرية
حصلت شركة إدج ووتر التي يديرها رجل أعمال من أقباط المهجر المصريين بالولايات المتحدة، وصفته التحقيقات بأنه لا يملك الخبرة في الذبح وسبل التصدير والاستيراد للحوم على الطريقة الإسلامية، على عقد حصري من الحكومة المصرية للتصديق على صادرات اللحوم الحلال بجميع أنحاء العالم.
أشارت التحقيقات إلى أن الحكومة المصرية أنشأت خلال الفترة نفسها 7 شركات، طويلة الأجل، تعمل في نشاط استيراد اللحوم بأنحاء العالم، تتولى عمل منافسات وهمية على العقود المقدمة من شركة "إيدج ووتر" خسرت ملايين الدولارات في الأعمال لصالح "إيدج ووتر"، ما أصاب العاملين في مجالات صناعة اللحوم بصدمة.
يشرف على التحقيقات دانيال ويليامز، المدعي العام للمنطقة الجنوبية بمدينة نيويورك، إلى جانب مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكلاء التحقيقات الجنائية التابعة لمصلحة الضرائب.
يفحص المدعون العامون الفيدراليون صلة العضو وزوجته بصادرات اللحوم إلى مصر، مع توجيه مذكرات استدعاء للمراسلات بين مينينديز ووائل حنا، مالك شركة تصدير اللحوم الحلال للحكومة المصرية، التي تتخذ من نيوجرسي مقراً لها، ومدى علاقته كمطور عقاري بالمكاتب التي يقيم بها عضو الكونغرس، الذي يخوض انتخابات عن دائرة نيوجرسي عام 2024.
صفقات معادية للمنطق
يبحث المحققون عن حصول النائب الأميركي، عام 2019، على مساعدات مالية لفك حبس الرهن العقاري لزوجته، لحقه عملها مستشارةً لشركة "آي أي إيجي حلال"، وتسجيل" مينينديز" في إقرار الذمة المالية، 2020، لسبائك ذهبية بقيمة 250 ألف دولار، مملوكة لزوجته "أرسلان" لم توضح كيف امتلكتها، في وقت كانت تعاني من العسر المالي.
وصف بيتر برادايس مساعد المفتش العام السابق بوزارة الزراعة الأميركية، في أثناء إدلائه بشهادته أمام جهات التحقيق، الصفقات بين الحكومة المصرية و"إيدج وتر" بأنها تتحدى المنطق، مؤكداً أن الشركة لم تكن لها أية علاقة مسبقاً بصناعة لحوم البقر الأميركية أو المنظمات الإسلامية بالولايات المتحدة.
أبدى "برادايس" دهشته من منح الحكومة المصرية عمليات الذبح لمسيحي غير متخصص، في مهمة الذبح على الطريقة الإسلامية ككيان وحيد لأداء هذه المهمة.
يشير محللون إلى أن المدعين يبحثون في سبل حصول السيناتور على الأموال والشق والسيارة، قد أعطيت له مباشرة أو لشخص قريب منه مقابل أحد أعماله الرسمية، واحتمال التخطيط بعمل مقاصة لنقل هذه الأصول وكيفية تسجيلها في الوعاء الضريبي، للسيناتور وزوجته.
ونشرت وسائل الإعلام الأميركية جزءاً من التحقيقات الجارية، حول بحث مكتب التحقيقات الفيدرالي، فيما إذا كان أي مسؤول تنفيذي أو شريك في "آي أيجي حلال" قد دفع رشوة لأي مسؤول مصري، مقابل العقد الحصري لإشرافها على الذبائح الإسلامية، مشيرين إلى أن موظفي الخدمة الزراعية الخارجية التابعين لوزارة الزراعة الأميركية المقيمين في مصر سلموا الوثائق ذات الصلة لوزارة العدل المصرية.
تورط مسؤولين مصريين
أشارت التقارير إلى رأي استشاريين قانونيين، الذين قالوا إنه إذا كان ممثلو هذه الشركة يدفعون للمسؤولين المصريين، مقابل الخدمات للحصول على ميزة في الأعمال التجارية، فهذه جريمة، وإن أي دفعة من هذه الرشى، يمكن أن تنتهك قانون الممارسات الفاسدة الأجنبية.
نشرت الصحف الأميركية بياناً لمتحدثة باسم وائل حنا، مالك شركة "آي إس إيجي حلال" المالكة لشركة "إيدج ووتر" قالت فيه: "إن الادعاءات المتعلقة بالسيارات والشقق والنقد والمجوهرات، التي يقدمها أي شخص مرتبط بالشركة إلى السيناتور الأميركي أو زوجته، لا أساس لها على الإطلاق".
أضافت المتحدثة أن الشركة فازت بالعقد على أساس موضوعي دون أن ترتكب أية مخالفات، ودون مساعدة من أي موظف عام أميركي آخر، كذلك لا يوجد أي دليل على الإطلاق، على أن العقد قد مُنح بناءً على الرشوة أو الفساد في مصر.
رفض المتحدث باسم السفارة المصرية في واشنطن التحدث لوسائل الإعلام الأميركية والتعليق على أسئلة الصحافيين حول القضية.
كشفت قناة nbc4 الإخبارية وجريدة نيويورك تايمز الأميركيتان، أن وائل حنا مالك شركة "آي إس إيجي" كان صديقاً منذ فترة طويلة لـ"نادين أرسلان"، زوجة السيناتور الأميركي، وسبق لها أن تلقت هدايا من المجوهرات على مرّ السنين من المالك، مشيرة إلى أن المحققين يريدون معرفة ما إذا كان المسؤولون المصريون على علم بالعلاقات بين شركة "وائل حنا" وزوجة عضو مجلس الشيوخ، وما إذا كانت هناك وساطة من أي مسؤول مصري، لمحاولة إدارة عملية نفوذ أجنبي مرتبط بالنائب الذي يشغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.
ينفي السيناتور الأميركي ارتكابه تلك المخالفات، مؤكداً في تحقيق فيدرالي أُجري معه في مايو/أيار 2023 أن التحقيقات لن تسفر عن شيء على الإطلاق.
سبق للمحكمة العليا الأميركية أن أصدرت قراراً عام 2018، لتضيّق تعريف الفساد بوجه السيناتور مينينديز في أثناء مواجهة باتهامات جنائية في قضية فساد منفصلة، حول أخذه هدايا ورحلات طيران خاصة مجانية من محتال الرعاية الطبية طبيب العيون سالمون ميلغن، المدان بالسجن 17 عاماً، لسوء استغلال الأموال العامة، وممارسة الاحتيال والتربح بملايين الدولارات من حسابات التأمين الصحي.
يحظى مينينديز بدعم الحزب الديمقراطي، الذي أنقذه من اتهام بالرشوة، انتهى بهيئة محلفين ما زالت معلقة للتحقيقات، بينما يأتي الاتهام الحالي ليضعه في مأزق، مع اقتراب موسم الانتخابات الأميركية، ومواجهة من أحد منافسيه بالحزب الذي هاله أن يكون مسؤولاً بحجمه قيد التحقيق مرة أخرى. حذرت لجنة الأخلاقيات بمجلس الشيوخ مينينديز حول سلوكه وعلاقته بـ"ميلغن".
يبلغ مينينديز 69 عاماً، وترجع جذوره إلى أصول كوبية بمقاطعة "هدسون"، وشغل عضوية مجلس الشيوخ على فترات منذ 3 عقود، ومعروف بنقده الصريح لكوبا، وأنه حليف قوي لإسرائيل. وتنص لوائح مجلس الشيوخ الأميركي على أن الهدايا التي تقدم إلى العضو أو شخص قريب منه، تعتبر هدايا "إذا كان لدى عضو مجلس الشيوخ سبب للاعتقاد بأن الهدية قد أعطيت له بسبب الموقف الرسمي".