تحديات مقلقة أمام قمة المناخ

تحديات مقلقة أمام قمة المناخ

13 نوفمبر 2022
خلال فاعليات كوب 27 في مصر (Getty)
+ الخط -

اختتمت فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "كوب 27" في مدينة شرم الشيخ بحضور ما يزيد على 100 وفد من مختلف دول العالم، وأجمع الحضور على خطورة الأزمة المناخية التي تهدد العالم أجمع، مشددين على ضرورة التحرك واتخاذ خطوات عملية من أجل خفض حرارة الكوكب. 

وبعد العديد من الكوارث المناخية الضخمة التي ضربت عدة دول حول العالم، فإنه بات من المؤكد أن القمة الأخيرة اكتسبت زخماً شعبياً كبيراً، وأن الشعوب تتوق لحلول سريعة وناجزة لخفض الانبعاثات والاحتباس الحراري، للحد من تلك الكوارث الطبيعية التي تخلف عشرات الآلاف من الضحايا سنويا، بخلاف الخسائر الاقتصادية الضخمة، وخير مثال على تلك الخسائر الفيضانات الأخيرة التي غمرت ثلث باكستان وتسبّبت وحدها بأضرار قدرت بأكثر من 30 مليار دولار. 

وشدد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس خلال جلسات المؤتمر على أن الفوضى المناخية هي السبب الرئيس في الصراعات العالمية. ونبه إلى أن الإنسانية تخوض معركة بقاء في مواجهة التغير المناخي، داعيا إلى اتفاق بين الاقتصادات المتقدمة والنامية والناشئة من أجل البيئة ولصالح البشرية، لا سيما الصين والولايات المتحدة، كما حث المؤسسات الدولية على تغيير نهجها الاقتصادي وتوفير موارد مالية للحياد الكربوني. 

تعهدات أقل من المأمول لخفض الانبعاثات 

وفي ظل الظروف العالمية الراهنة تضاءلت احتمالات تحقيق الأهداف الطموحة التي توصل إليها اتفاق باريس للمناخ المبرم عام 2015، والذي يقضي بحصر الاحترار بحوالي 1.5 درجة مئوية مقارنة بالحقبة ما قبل الصناعية، تحقيق هذا الهدف يتطلب خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 45% بحلول العام 2030، وهو الأمر الذي أضحى حلما إلى حد كبير في ظل أزمة الطاقة الناجمة عن الصراع الروسي الأوروبي على الأراضي الأوكرانية. 

حتى بفرض احترام الدول الموقعة على الاتفاقيات السابقة بتعهداتها الحالية، فإن النتيجة المتوقعة في نهاية المطاف ستكون ارتفاع الانبعاثات بنسبة تتراوح بين 5 و10%

وحتى بفرض احترام الدول الموقعة على الاتفاقيات السابقة بتعهداتها الحالية، فإن النتيجة المتوقعة في نهاية المطاف ستكون ارتفاع الانبعاثات بنسبة تتراوح بين 5 و10%، الأمر الذي يضع العالم على مسار تصاعدي في درجة الحرارة قدره 2,4 درجة مئوية في أفضل الحالات بحلول نهاية القرن الحالي. 

أما السيناريو الكارثي الذي سيحدث حال استمرار نفس السياسات المتبعة حالياً، فإنه من المتوقع أن يؤدي إلى ارتفاع الاحترار ليبلغ الاحترار 2.8 درجة مئوية، ورغم كارثية هذا السيناريو إلا أنه مع الأسف الأقرب للتطبيق، حيث بلغ عدد الدول التي تعهدت بخفض الانبعاثات خلال كوب 2021 حوالي 29 دولة فقط، وذلك على الرغم من إقرار عدد أكبر كثيرا من الدول لميثاق تلك التعهدات. 

ترقب الدول الفقيرة للمساعدات 

تعهد الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ "سيمون ستيل"، بالعمل على ثلاثة مسارات لمكافحة التغير المناخي، أولها تحويل المفاوضات إلى أفعال ملموسة، إذ ينبغي متابعة الجهود للحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 في المائة، ويركز المسار الثاني، على ترسيخ العمل على الأولويات الهامة ومنها التخفيف من آثار التغيرات المناخية وتمويل الدول لرفع قدرتها على التأقلم مع آثار التغيرات المناخية، والتعويض عن الأضرار والخسائر، بينما سيركز المسار الثالث على تعزيز الشفافية والمساءلة والنزاهة البيئية من خلال إعداد خطط بيئية مفصلة. 

لا شك أن الدول النامية تترقب باهتمام كبير الأحاديث المتعلقة بالمساعدات إلى الدول الفقيرة وهي أكثر البلدان عرضة لتداعيات الاحترار المناخي

ولا شك أن الدول النامية تترقب باهتمام كبير الأحاديث المتعلقة بالمساعدات إلى الدول الفقيرة وهي أكثر البلدان عرضة لتداعيات الاحترار المناخي، خاصة أن مسؤوليتها عن حدوثها محدودة للغاية في ظل انبعاثات منخفضة للغاية من الغازات الدفيئة مقارنة بالإجمالي العالمي. 

وتأمل الدول النامية في ضخ مساعدات مالية كافية لمواجهة الآثار الكارثية للتغيرات المناخية على المواطنين والاقتصادات المحلية، وتدور أحاديث من الدول الغنية حول تخصيص 100 مليار دولار سنويا للمساعدة على جعل اقتصاداتها أكثر مراعاة للبيئة، وتعزيز مقاومتها للتغيرات المناخية في المستقبل، كما يدور الحديث حول مقترح إنشاء صندوق خاص بالخسائر والأضرار، وهي تعويضات تدفع للدول النامية عن الأضرار المناخية التي تتسبب فيها الدول الصناعية الكبرى وترفض العودة عنها. 

ومن الجدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عرقلا مقترحاً في مباحثات المناخ التابعة للأمم المتحدة العام الماضي لتدشين صندوق، واكتفيا بالاتفاق على "حوار" من دون هدف نهائي واضح، ولكنه على مدار الشهر الماضي، أبديا المزيد من الانفتاح على مناقشة التعويضات في كوب27، إلا أنهما لا يزالان متحفظين بشأن تدشين الصندوق، في ظل الخشية من الوقوع تحت دوامة من التعهدات قبل الدول النامية التي ترى نفسها ضحية ممارسات غيرها. 

وبحسب حديث ساميويل وربيرج المتحدث الإقليمي للخارجية الأميركية لوكالة الأنباء المصرية، فإن الرئيس جو بايدن تعهد بمضاعفة تمويل صندوق المناخ 4 مرات من الحد الأقصى الذي بلغته إدارة باراك أوباما، وتقديم 11 مليار دولار من التمويل سنويا بحلول 2024، وأوضح أن التمويل سيكون مقدما لـدعم جهود الدول الرامية لإزالة الكربون من اقتصاداتها وتعزيز ممارسات استخدام الأراضي الصديقة للمناخ وتعزيز التكيف والمرونة. 

أزمات تتحدى تنفيذ مخرجات القمة 

يتزامن كوب 27 مع العديد من الأزمات العالمية الطاحنة، وتأتي في مقدمتها الحرب في أوكرانيا، واشتعال الضغوط التضخمية شرقا وغربا، وفشل الرفع المتوالي لأسعار الفائدة في التخفيف من حدة ارتفاعه، كما يتزامن كذلك مع المخاوف المتصاعدة من موجة عالية من الركود التضخمي، فضلا عن أزمات الطاقة والغذاء والتنوع الحيوي، الأمر الذي جعل تنفيذ المخرجات التي اتفق عليها في المؤتمرات السابقة، علاوة على المخرجات المتوقعة من المؤتمر الحالي، مشكوكا فيه إلى حد كبير.  

كما أن تنصل الدول الكبرى من التزاماتها تجاه التغيرات المناخية لا سيما التعهدات المالية منها يشكل تحديا رئيسيا، حيث يسود الاختلاف بين الدول حاليا حول فكرة الصندوق المقترح، الذي ترفضه دول الاتحاد الأوروبي، التي ترى تسخير أموال دولية موجودة حالياً لمعالجة الخسائر والأضرار، بدلاً من تدشين صندوق جديد، بينما اقترحت منظمة (تحالف الدول الجزرية الصغيرة) أن يتم الاتفاق خلال كوب 27 على (صندوق استجابة) تستضيفه الأمم المتحدة لجمع الأموال من مصادر مختلفة للبلدان التي تتعرض للكوارث. 

تحولت سياسات الطاقة النظيفة إلى ضرورة حتمية يجب الانتقال إليها للتقليل من الأضرار التي تهدد الحياة البشرية جميعها

بينما اقترح دبلوماسيون ترتيب مصادر تمويل متعددة متناهية الصغر، بدلاً من صندوق مركزي واحد، ويشير ذلك الاختلاف بجلاء إلى التحديات التي تواجه تنفيذ توصيات القمة، ومما يؤكد ذلك ما أشار إليه مراقبون أنه بفرض الاتفاق على إنشاء صندوق موحد كما تقترح الدول النامية، فإن الأمر قد يستغرق نحو عامين قبل أن يصبح جاهزاً لتوزيع الأموال. 

تحولت سياسات الطاقة النظيفة إلى ضرورة حتمية يجب الانتقال إليها للتقليل من الأضرار التي تهدد الحياة البشرية جميعها، وتعد المؤتمرات السنوية للمناخ فرصة لتنشيط الدعوات نحو حث الدول الصناعية الكبرى على القيام بدورها الواجب لإصلاح ما أفسدته بنهمها الرأسمالي وتغولها على البيئة، ورغم التحديات الكبيرة التي تمر بها الدول الأوروبية حاليا في ظل أزمة الطاقة بالإضافة إلى العديد من التحديات الأخرى، إلا أن تبنيها لسياسات وإجراءات ومساعدات تخفف حدة التداعيات على الدول النامية سيعود بالنفع علي سكان الكوكب جميعا. 

المساهمون