بعد انهيار الإسترليني ... هل تنجو بريطانيا من هاوية الكساد؟

بعد انهيار الإسترليني ... هل تنجو بريطانيا من هاوية الكساد؟

27 سبتمبر 2022
وزير المالية كوارتنغ متهم بالتسبب في انهيار الأسواق (كارل كورت/Getty)
+ الخط -

يدفع انهيار الجنيه الإسترليني بريطانيا إلى هاوية الكساد الاقتصادي بعجلة متسارعة لم تشهدها في تاريخها، حيث تراجعت العملة البريطانية بمعدلات حادة تقريباً مقابل جميع العملات، حتى عملات العديد من الدول الناشئة.

ولا يستبعد محللون أن يتراجع الإسترليني إلى أقل من دولار واحد خلال الفترة المقبلة وربما قبل نهاية العام الجاري، وسط الرهانات المكثفة من قبل المضاربين على العملة البريطانية.

وأعلنت حكومة ليز تراس الجديدة خطة لخفض الضرائب في المملكة المتحدة، مع تقليص الرسوم المفروضة على أجور العمال والشركات، في محاولة لدعم الاقتصاد، لكنْ اقتصاديين أبدوا قلقهم من أن هذه التدابير لا يمكن تحملها وقد تؤدي إلى أزمة عملة بسبب مخاوف ارتفاع الديون.

ولتجنب تلك الأزمة، حث اقتصاديون البنك المركزي البريطاني "بنك إنكلترا" على التدخل في السوق عبر شراء الجنيه الإسترليني المتهاوي ورفع الفائدة لإنقاذ الإسترليني، الذي ينذر بعاصفة من الأزمات في بريطانيا على مستويات أسواق المال وسوق السندات وغلاء أسعار السلع الاستهلاكية وارتفاع معدل التضخم وتهديد المستوى المعيشي للمواطنين.

موقف
التحديثات الحية

ومن بين هؤلاء الخبير الاقتصادي العالمي محمد العريان، الذي شدد في تصريحات مع راديو "بي بي سي" على أن على بنك إنكلترا رفع الفائدة 1% مرة واحدة إذا لم يعكس وزير المالية البريطاني، كواسي كوارتنغ، الإجراءات الأخيرة التي اتخذها وأوقعت الأسواق في حالة من الانهيار.

وقال العريان: "لو كنت محافظ بنك إنكلترا ولم يعدل وزير المالية خطته، لقررت رفع الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس كاملة في محاولة لتحقيق استقرار الوضع".
وقرر بنك إنكلترا الأسبوع الماضي رفع سعر الفائدة بمقدار 0.5% إلى 2.25% لمكافحة التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته في 40 عامًا، عند 9.9%. كما أعلنت الحكومة البريطانية تخفيضات ضريبية وحوافز استثمارية لتعزيز النمو.

وتراهن المصارف الاستثمارية على أن "بنك إنكلترا" ربما سيلجأ لرفع الفائدة بشكل طارئ قبل الاجتماع المقرر للجنة المصرفية في نوفمبر/ تشرين المقبل.

ويتوقع محللون أن يرفع البنك المركزي الفائدة على الإسترليني إلى 6% من مستواها الحالي لإنقاذ العملة.

في هذا الصدد، قال محلل الأسواق البريطاني ويل هيتون، في تغريدة أمس الاثنين: "لا يستطيع بنك إنكلترا تفادي إقرار زيادة حادة في الفائدة على الإسترليني قبل اجتماعه المقبل.

من جانبه تساءل تشارلز تانوك، النائب البريطاني من حزب المحافظين، في تغريدة أمس، عما إذا كان انهيار الإسترليني سيصبح أزمة حقيقية لبريطانيا.

ويعني انهيار الإسترليني المزيد من كلف الاقتراض لبريطانيا، وكذلك المزيد من تراجع الأصول البريطانية، خاصة سندات الخزانة، وربما يثير أزمة في سوق الدين الثابت في بورصة لندن في وقت تبدو فيه حكومة ليز تراس في أمسّ الحاجة للحصول على تمويلات جديدة لسد الفجوة في الميزانية.

وحسب البيانات الرسمية على موقع الحكومة البريطانية، بلغ حجم الدين العام حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري 2.365 ترليون جنيه إسترليني، كما بلغ حجم الاقتراض في نفس الفترة 15.8 مليار إسترليني أو ما يعادل نسبة 2.6% من إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد.

يذكر أن البنك الدولي يقدر حجم الاقتصاد البريطاني في العام الجاري بنحو 3.320 ترليونات دولار.
لكن هنالك مخاوف من انكماش حاد خلال الأشهر المقبلة بعد أن نما الاقتصاد بنحو 0.2% في يوليو/ تموز الماضي.

وتشير بيانات بورصة لندن إلى تراجع جاذبية أدوات الدين البريطاني وسط المزيج الخطر من معدل ارتفاع التضخم المتزامن مع تراجع سعر العملة. وحسب بيانات حكومية، بلغ معدل التضخم في أغسطس/ آب الماضي 9.870% منخفضاً من معدل يوليو/ تموز البالغ 10.1%.
على صعيد تداعيات انهيار الإسترليني على المواطنين، من المتوقع أن يفاقم الغلاء في البلاد بسبب ارتفاع السلع المستوردة من الخارج، خاصة السلع الرئيسية مثل الوقود والغاز الطبيعي، بسبب خسارة العملة قيمتها الشرائية مقابل الدولار، كما سيفاقم ارتفاع الفائدة المتوقع لإنقاذ الإسترليني من ارتفاع أقساط القروض السكنية على أصحاب المنازل والشقق، وهو ما سيعني تلقائياً المزيد من المعاناة المعيشية للمواطن وزيادة الضغط على ميزانية الطبقة الوسطى، وزيادة نسبة الفقر لدى الطبقات ذات الدخل المنخفض في البلاد.

على صعيد أسواق المال، حتى الآن أدى انهيار الإسترليني إلى تراجع مؤشر "فايننشيال تايمز ــ 100" بنسبة 0.8% أمس، قبل أن يعود المؤشر للارتفاع قليلاً بنسبة 0.60% أو (42 نقطة) عند 7061 نقطة.

ورغم أن انهيار الإسترليني كان من المفترض أن يجعل الأصول البريطانية رخيصة بالنسبة للمستثمرين الأجانب، ويؤدي إلى التدافع لشرائها على أمل تحقيق أرباحا ضخمة في المستقبل. ولكن يبدو أن الثقة باتت متدنية جداً في مستقبل النمو بالاقتصاد البريطاني الذي دخل عملياً غرفة الإنعاش وفق محللين.
وكان الإسترليني قد تراجع إلى ما دون 1.03 دولار لأول مرة أمس، قبل أن يتحسن سعره إلى 1.05 دولار في منتصف جلسة التعاملات النهارية، ثم واصل التحسن إلى 1.0712 دولارا قبل إغلاق بورصة لندن.
وبالنسبة لأدوات الدين الحكومية ومدى جاذبيتها للمستثمرين في ظل تراجع العملة، فقد ارتفع عائد السندات البريطانية إلى أعلى مستوى 4% خلال تعاملات الإثنين مع تراجع الإسترليني إلى أدنى مستوياته على الإطلاق مقابل الدولار.

وارتفع عائد السندات البريطانية لأجل 10 سنوات أمس الاثنين إلى 4.098%، ليتجاوز مستوى 4% للمرة الأولى منذ عام 2010.
وانطلقت موجة مبيعات الإسترليني في أعقاب تصريحات أدلى بها ووزير المالية البريطاني كواسي كوارتنغ، تعهد فيها بالمزيد من التخفيضات الضريبية، ما أثار مخاوف من أن السياسات المالية لحكومة ليز تراس ستقود إلى مزيد من التضخم في الاقتصاد.

وهذه الأزمة الثانية التي تعرض لها الجنيه الإسترليني منذ بداية التسعينيات، حينما أجبر المضاربون، وعلى رأسهم جورج سورس، الإسترليني على الخروج من نظام الوحدة النقدية الأوروبي. وكسب سورس من المضاربة على الإسترليني مليار دولار في يوم واحد.

ووسط الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد البريطاني، لا يستبعد خبراء أسواق أن تتعرض العملة البريطانية إلى مزيد من الخسائر خلال الأشهر المقبلة، وأن تتراجع قيمة الإسترليني إلى ما يعادل دولاراً واحداً أو إلى أقل من دولار للمرة الأولى في التاريخ البريطاني، ما لم تتمكن حكومة ليز تراس من التوصل إلى اتفاق شراكة تجارية مع الولايات المتحدة، يساهم في رفع معدل النمو الاقتصادي ببريطانيا.

ويعاني الاقتصاد البريطاني منذ خروج البلاد من عضوية الاتحاد الأوروبي، قبل عامين، من تراجع حجم التجارة الخارجية وارتفاع معدل التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي وتدهور سعر صرف الإسترليني.

وكانت رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس قد عقدت اجتماعاً مع الرئيس الأميركي جو بايدن على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكنها استبعدت التوصل إلى اتفاق شراكة تجارية مع أميركا في الوقت القريب.

ولم يستبعد محلل العملات بمصرف نمورا الياباني جوردان روتشستر، في تعليقات نقلتها صحيفة "وول ستريت جورنال" أمس الاثنين، أن يتراجع سعر صرف الجنيه الإسترليني إلى أقل من دولار.
وقال روتشستر إنه "لا يوجد سبب يمنع الجنيه الإسترليني من الاستمرار في التدهور وسط المبيعات المكثفة، وربما يتراجع إلى أقل من دولار واحد قبل نهاية العام".

ورغم أن سعر الصرف المنخفض جداً للإسترليني قد يساهم في إنعاش المشتريات الأجنبية للأصول البريطانية التي باتت رخيصة، فإن خبراء كثر يستبعدون حدوث ذلك.

وأظهرت بيانات لجنة تداول السلع الآجلة في بورصة لندن أمس مخاوف المستثمرين الأجانب من الأصول البريطانية، حيث تشير البيانات إلى ارتفاع الرهانات القياسية على هبوط الإسترليني من قبل مديري الأصول الكبار.
في هذا الشأن، قال كيران كوشيك، محلل الصرف الأجنبي في مصرف "لومبارد أودييه" في جنيف: "لا يزال هناك مجال لتراجع الإسترليني إلى أقل من مستواه الحالي".

وأضاف أنه لا توجد معلومات تفيد بأن الإسترليني سيتحسن، وتوقع أن يتواصل ضعف العملة البريطانية "مقترباً من السعر الذي بلغه في العام 1985، وأن يتراجع أكثر، ويحتمل أن يصل إلى التكافؤ مع الدولار للمرة الأولى في التاريخ.
وخسر الجنيه الإسترليني نحو 5% من قيمته في التعاملات المسائية يوم الأحد في آسيا. وأصبح في تعاملات أمس الاثنين العملة الأسوأ، بين عملات مجموعة العشرة، أداءً في العالم حتى الآن.

ومجموعة العشرة هي الدول ذات الاقتصادات الكبرى والقوية في العالم. من جانبه، انتقد وزير الخزانة الأميركي الأسبق، لورانس سمرز، السياسات الاقتصادية للحكومة البريطانية الجديدة برئاسة ليز تراس، مشيرًا إلى أنها قد تدفع الإسترليني للهبوط أدنى من سعر التكافؤ مع الدولار.
وقال سمرز في تصريحات لمحطة "بلومبيرغ": "يؤسفني للغاية أن أقول ذلك، لكني أعتقد أن المملكة المتحدة تتصرف إلى حد ما مثل سوق ناشئة تحول نفسها إلى سوق مغمورة".

وأضاف أن "بين خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي والسياسات المعلنة حالياً، أعتقد أن بريطانيا ستظل في الذاكرة لاتباعها أسوأ سياسات الاقتصاد الكلي في أي بلد كبير منذ فترة طويلة".

وأضاف سمرز: "لن أشعر بالمفاجأة في حال تراجع الإسترليني لأدنى من سعر التعادل مع الدولار في حال استمرار هذا المسار الاقتصادي".

المساهمون