العقارات تغسل الأموال في العراق: انفلات الأسعار إلى أرقام فلكية

العقارات تغسل الأموال في العراق: انفلات الأسعار إلى أرقام فلكية

02 فبراير 2024
مبان سكنية قيد الإنشاء في مجمع سكني بالعاصمة بغداد (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

يشهد سوق العقارات في العاصمة العراقية بغداد قفزة كبيرة في الأسعار وصفت بأنها غير مسبوقة، اعتبرها البعض غير منطقية وتؤكد وجود عمليات غسل أموال ضخمة ناتجة من الفساد المستشري في البلاد، إذ تجاوزت أسعار العقارات في بعض أحياء بغداد نظيرتها في عواصم أوروبية وعربية، رغم تراجع القدرة الشرائية للمواطنين.

ويأتي ذلك في الوقت الذي يؤكد فيه خبراء اقتصاد وعقارات على ضرورة وجود رقابة حقيقية من الدولة على قطاع العقارات والأراضي ليس ببغداد فقط، بل في مختلف المحافظات التي تشهد هي الأخرى ارتفاعا مماثلا.
وحسب تقرير نشرته وكالة أنباء عراقية محلية، لشركة عقارات رائدة في المجال بالعاصمة، فإن أسعار العقارات في بعض المناطق وصلت إلى 20 ألف دولار للمتر الواحد وفي مناطق أخرى تتراوح ما بين 3500 إلى 14 ألف دولار للمتر الواحد كحد أدنى.

وأدرج تقرير الشركة العقارية جانبا من قيمة سعر المتر الواحد في بعض أحياء العاصمة العراقية. وبلغ سعر المتر الواحد في حي اليرموك ما بين 4000 و20000 دولار، بينما في حي الحارثية المجاورة، تراوح بين 3500 و14000 دولار، وفي القادسية بين 3200 ولغاية 14000 دولار، بينما تراوح في المنصور وزيونة والجادرية بين 3300 و13000 دولار، وفي حي الجامعة بين 2500 ولغاية 11000 دولار، بينما تقل القيمة كلما كانت المنطقة باتجاه أطراف العاصمة.

وفي السياق، يقول عاملون في قطاع العقارات إن أدنى سعر للمتر في بغداد بلغ ألف دولار وهو في مدينة الصدر شرقي العاصمة، وهناك أراض مُصنفة على أنها زراعية وليست سكنية، إذ يجري البناء عليها بشكل مخالف، لكن يأمل أصحابها فرض الأمر الواقع على الحكومة بعد تحولها لأحياء سكنية كاملة في تغيير جنس الأرض من زراعية إلى سكنية.

عضو لجنة النزاهة في البرلمان العراقي هادي السلامي، قال لـ"العربي الجديد"، إن "هناك ارتفاعا مخيفا في أسعار العقارات في بغداد وكذلك محافظات أخرى، وهذا بسبب أن التجارة بتلك العقارات أصبحت وسيلة جديد لغسل الأموال من قبل أصحاب الأموال المشبوهة، ولهذا أصبحت العقارات في ارتفاع متواصل دون أي استقرار".

وأوضح السلامي أن "وزارة العدل أنشأت قبل أكثر من ثمانية أشهر شعبة في دائرة التسجيل العقاري، وهي (شعبة غسل الأموال) ومهمتها متابعة عملية بيع وشراء العقارات ذات المبالغ الخيالية، والتي وصل بعضها الى ملايين الدولارات، وهذا ما يؤكد ان هناك عمليات غسل أموال عبر هذه التجارة".

وأضاف أن "عمل شعبة غسل الأموال في دائرة التسجيل العقاري، لم يتبين بشكل واضح، ولم تكشف هذه الشعبة عن نشاطاتها وعملها طيلة الأشهر الماضية وما حققته من ضبط عمليات غسل الأموال عبر بيع وشراء العقارات، ولهذا نخشى أن يكون الضغط السياسي أقوى من تمكين هذه الشعبة من ممارسة عملها بالشكل الصحيح".
إلى ذلك، قال المختص في الشأن الاقتصادي ناصر الكناني، لـ"العربي الجديد"، إن "أسعار العقارات تعتمد على العرض والطلب، وما دام هناك طلب كبير على شراء العقارات في مناطق محددة، فهذا يدفع إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، خاصة أن تلك الأسعار في ارتفاع مستمر وبشكل يومي".

وبيّن الكناني أن "ارتفاع أسعار العقارات في بغداد بشكل جنوني سببه استغلال مال الفساد والمال السياسي لشراء تلك العقارات ضمن عمليات غسل الأموال، وتسجيل تلك العقارات بأسماء مختلفة، وقضية (سرقة القرن) كشفت هذا بشكل أوضح، حيث إن المتهم الأول بهذه القضية (نور زهير) أغلب أموال السرقة اشترى بها عقارات في مناطق محددة في بغداد، وهذا حال باقي الفاسدين، دون أي شك".

وأضاف أن "هناك فقدانا للسيطرة الحكومية على سوق العقارات، إضافة إلى عدم امتلاك الدولة أي أرقاما رسمية عن عدد العقارات في كل محافظة، كما لا يتم توزيع قطع أراض بشكل منتظم للمستحقين ما ساعد أيضا برفع أسعار العقارات، وهذا أثر على زيادة أزمة السكن بشكل كبير، فكيف لموظف راتبه لا يتجاوز 700 دولار أن يشتري عقارا قيمة المتر الواحد فيه تتجاوز 4000 دولار كأدنى حد؟".

وإزاء هذه الظاهرة بات على المواطن العراقي خاصة أصحاب الدخل المحدود التخلي عن فكرة امتلاك منزل خاص، لذا ظهرت عمليات بناء مجمعات سكنية بمنازل مساحتها بسيطة، ويتم تقسيط قيمتها على نحو 5 سنوات، بعد تقديم دفعة أولى.
ويقول أحمد وليد (35 سنة) وهو موظف في وزارة البلدية، لـ"العربي الجديد": "تخليت عن حلم امتلاك منزل ببغداد. مرتبي لا تتجاوز قيمته 800 دولار، وهذا يعني أنني في العام الواحد لن أتمكن من شراء أكثر من مترين، هذا إن افترضنا أنني لن أنفق شيئاً من المرتب". ويضيف وليد: "أموال ضخمة. لا أعرف من أين يأتون بها، ولماذا هذا الشراء الكثير رغم سعر العقارات غير المنطقي؟ أتمنى أن نسمع عن كشف شبكة فساد كبيرة متورطة بهذا الملف قريبا".
وفي السياق، قال رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، لـ"العربي الجديد"، إن "الارتفاع الخيالي بأسعار العقارات في بغداد ومدن عراقية أخرى، سببه غسل الأموال، كذلك زيادة عمليات بناء المجمعات السكنية في بغداد يعكس زيادة عمليات غسل الأموال عبر شراء الشفق ضمن تلك المجمعات، وليس حل أزمة السكن".

يقول أحمد وليد (35 سنة) وهو موظف في وزارة البلدية، لـ"العربي الجديد": "تخليت عن حلم امتلاك منزل ببغداد. مرتبي لا تتجاوز قيمته 800 دولار"

 

وأشار فيصل إلى أن "كثرة المطاعم ببعض شوارع بغداد، أيضا تأتي ضمن عمليات غسل الأموال، خصوصاً أن إيجار بعض تلك المطاعم هائل، وتطوُّر عمليات غسل الأموال يرجع إلى عدم وجود رقابة حقيقية على عمليات البيع والشراء، ولهذا ملايين الدولارات من عمليات الفساد تختفي عبر شراء العقارات وهذا يزيد الأسعار بشكل متواصل".

وشدد المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية على أن "الحكومة العراقية مطالبة بشكل عاجل بالتحرك ووضع خطط تستطيع من خلالها السيطرة على ارتفاع أسعار العقارات التي وصلت إلى أسعار فلكية وتتجاوز أسعار عقارات فاخرة بعواصم أوروبية وخليجية، وعدم التحرك الحكومي يعني أن هناك مصالح ما بين قوى السلطة على غسل أموال سرقاتها عبر هذه الطرق".
ويصنّف العراق ضمن الدول الأكثر فساداً في العالم، في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، إذ جاء بالمرتبة السابعة عربياً والـ 157 عالمياً من بين 180 دولة مدرجة على قائمة المنظمة.

ووضع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مكافحة الفساد على رأس أولويات برنامجه الحكومي. وباشر فور تسلمه منصبه في أكتوبر/ تشرين الأول من العام قبل الماضي بالتقدم خطوات باتجاه تقديم الفاسدين إلى القضاء، إلا أن الفساد ما زال يتمدد ويأخذ أشكالاً عديدة، ومنها غسل الأموال عبر سوق العقارات وغيرها.

المساهمون