الحكومة الجزائرية تقفز بميزانية الدعم تجنباً لغضب الشارع

الحكومة الجزائرية تقفز بميزانية الدعم تجنباً لغضب الشارع

13 أكتوبر 2021
تهاوي الدينار ساهم في زيادة كبيرة بتكلفة الدعم (بلال بنسالم/ Getty)
+ الخط -

دفع تهاوي الدينار الجزائري بالحكومة إلى مد يدها مجددا إلى الخزينة العمومية لرفع ميزانية الدعم، في موازنة 2022، رغم مرور البلاد بوضع اقتصادي صعب، يتميز بشح الموارد وانكماش الاقتصاد وسط ارتفاع الإنفاق الحكومي، ما يضع نظام عبد المجيد تبون أمام مطرقة "شح الموارد المالية" وسندان "شراء السلم الاجتماعي"، حتى لا تثير الشارع الذي لا يزال منقسما بين مؤيدٍ لنظام تبون ومعارضٍ له منذ انتخابه في 12 ديسمبر/كانون الثاني 2019.

وفق الأرقام التي جاءت في موازنة 2022 التمهيدية، التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، فإن ميزانية الدعم أو ما يعرف بـ "التحويلات الاجتماعية" ستقدر بـ 2220 مليار دينار، أي ما يعادل 16.4 مليار دولار (الدولار= 137 دينارا)، ما يمثل 11 بالمائة من قيمة الناتج الداخلي الخام، مقابل 1920 مليار دينار سنة 2021، و1700 مليار دينار السنة التي قبلها.

تأتي زيادة الدعم، رغم مرور البلاد بصعوبات مالية، نتيجة تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية خلال تفشي جائحة كورونا وقبلها الحرب النفطية

وخصصت الحكومة 500 مليار دينار لدعم السكن الاجتماعي، بزيادة قدرها 4 بالمائة للاعتمادات المخصصة سنة 2021، وسيصل دعم قطاع الصحة إلى 410 مليارات دينار بارتفاع 4.96 بالمائة مقارنة مع الاعتمادات الممنوحة السنة الحالية، وذلك تحت ضغط استمرار جائحة كورونا.
في ما يخص الإعانات التي ستقدمها الحكومة لدعم المؤسسات العمومية ذات الطابع الخدماتي، ستستقر عند 861.18 مليار دينار. وفي ما يتعلق بالمواد واسعة الاستهلاك.

وحسب الموازنة العامة للجزائر للسنة القادمة، فقد خصصت الحكومة 35 مليار دينار لدعم ديوان الحليب مقابل 31.47 مليار دينار السنة الحالية، و170 مليار دينار لشعبة الحبوب مقابل 164.2 مليار دينار في 2021، وملياري دينار لدعم استقرار أسعار الزيت والسكر طيلة السنة المقبلة، مقابل 1.5 مليار دينار السنة الحالية، و250 مليار دينار لسد الفارق بين سعر المياه الحقيقي والسعر المدعم بارتفاع 40 مليار دينار عن ميزانية 2021.

كما سيكون للمتقاعدين أصحاب المعاشات الصغيرة دعم مقدر بـ 230 مليار دينار جزائري كمساهمة من الدولة في صندوق احتياطات التقاعد والتعويضات التكميلية لعلاوات التقاعد والمعاشات والمكافآت، لتغطية معاشات وعلاوات التقاعد بدءا من يناير/ كانون الثاني المقبل، كما تم تخصيص مبلغ 15 مليار دينار للعلاوات الخاصة بالتضامن لفائدة التلاميذ المعوزين، يستفيد منها 3 ملايين تلميذ.

وتخصيص 7 مليارات دينار لتغطية مجانية الكتب المدرسية للتلاميذ المحتاجين، فيما قدرت الميزانية المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة بـ 33 مليار دينار والتي ستغطى بنسبة مائة بالمائة.
وبهدف امتصاص جزء من البطالة التي تمس فئة خريجي الجامعات بالدرجة الأولى، أدرجت الحكومة مبلغا قدره 45.25 مليار دينار من ميزانية الدعم، لتغطية مخططات التوظيف في الادارات والشركات الحكومية، لسد العجز في التوظيف الذي خلفته الأزمة الصحية منذ مارس/آذار 2022.

الحكومة تحاول تهيئة الظروف، خاصة على الصعيد الاجتماعي، وتفادي إعادة إشعال شرارة الحراك الشعبي الذي أطفأته الجائحة، وتأجيل مراجعة نظام الدعم، وفق محللين

ويبدو من هذه الخطوة الرامية لرفع ميزانية الدعم، أن الحكومة تحاول تهيئة الظروف، خاصة على الصعيد الاجتماعي، وتفادي إعادة إشعال شرارة الحراك الشعبي الذي أطفأته جائحة كورونا، وتأجيل مراجعة نظام الدعم، وفق محللين.
وتأتي زيادة الدعم، رغم مرور البلاد بصعوبات مالية، نتيجة تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية خلال تفشي جائحة كورونا وقبلها الحرب النفطية، في وقت لا تزال الجزائر تبحث عن طريقة سلسة للانتقال من الدعم العام للأسعار والخدمات إلى الدعم الموجه الذي يمسّ الفئات الهشة من المجتمع، رغم ضغط صندوق النقد الدولي على الجزائر، لمراجعة سياسة الدعم.

وفي السياق، يقول الخبير الاقتصادي، جمال نور الدين، لـ "العربي الجديد" إن "رفع ميزانية الدعم منطقي لعدة أسباب أولها تراجع الدينار، وبالتالي يجب رفع الميزانية لتمويل الواردات، من السلع واسعة الاستهلاك وأيضا مواد البناء والأدوية، كما أن الاستهلاك ارتفع وبالتالي من المنطقي رفع ميزانية الدعم من الجانب التقني المالي".
وكان الدولار قد تعدى عتبة 137 ديناراً للدولار الواحد، في التعاملات الرسمية في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر/أيلول المنصرم، بعد تسجيله 137.17 ديناراً، مواصلاً بذلك منحى التهاوي.
ويعتبر التراجع التاريخي للدينار في التعاملات الرسمية الخامس من نوعه في غضون شهرين و10 أيام، ففي 25 يوليو/ تموز المنصرم، سجل الدولار 135.09 ديناراً للدولار الواحد، ثم 135.41 ديناراً في 9 أغسطس/ آب المنصرم، ثم واصل الدينار تسجيل الأرقام القياسية بعدما سجل سعر الصرف الرسمي في 23 أغسطس/ آب المنصرم 135.88 ديناراً للدولار الواحد، وأخيراً 136.36 ديناراً للدولار في 8 سبتمبر/ أيلول الماضي، و136.9 ديناراً في 20 من نفس الشهر.
ويضيف نور الدين أن "الزيادة لها بعد سياسي أيضا، لا يمكن تغافله، بل هو الأصل، لأن الجزائر ليست مستعدة لرفع الدعم أو تقليصه. سياسيا، نلحظ أن النظام الجديد لم يرسِ دعائمه ولا يحظى بدعم شعبي واسع، لذلك لا يريد أن يدخل في صراع مع الشارع لأسباب معيشية في وقت لا تزال القبضة الحديدية بينهما محتدمة حول المسائل السياسية وإشكالية تغيير النظام وإرساء آليات العمل الديمقراطي، وبالتالي من المهم لحكومة عبد المجيد تبون الثانية بقيادة أيمن بن عبد الرحمن، أن تشتري السلم الاجتماعي لتفادي تأجيج الشارع الجزائري".

وأكبر عقبة تواجه حكومة الجزائر في رسم موازنة السنة المقبلة التي ستفوق 68 مليار دولار، خصوصاً ما يرتبط بتأمين ميزانية الدعم، هي نقص الموارد المالية، فعادة ما تلجأ الحكومة إلى عائدات النفط واحتياطي الصرف لتغطية ميزانية الدولة، إلا أن المعطيات هذه المرة تغيرت، فعائدات النفط لا تزال متهاوية، رغم ارتفاع الأسعار مؤخرا في الأسواق العالمية، واحتياطي الصرف يتبخر بسرعة، ولم تعد الجزائر قادرة على مساره الهبوطي، لارتفاع الإنفاق، على الاستيراد خاصة.
ويقول الخبير المالي، عبد الرحمن مبتول، لـ"العربي الجديد" إن "الحكومة ملزمة بجمع ما بين 70 و75 مليار دولار على الأقل لموازنة 2022، لتأمين أي إنفاق مفاجئ، وضخها في الخزينة العمومية قبل نهاية السنة الحالية، وهي مهمة صعبة في الوقت الراهن، بسبب تراجع احتياطي الصرف إلى مستويات حمراء (عند 42 مليار دولار أو أقل)، في مقابل تحسن ليس كبيراً لعائدات النفط المنتظرة، المرتقب أن تصل إلى 33 مليار دولار حسب توقعات الحكومة مقابل 27 مليار دولار عند نهاية 2020، أي بفارق 6 مليارات دولار فقط".

المساهمون