البيت الأبيض والبنك الفيدرالي... هل تعود المناوشات؟

البيت الأبيض والبنك الفيدرالي... هل تعود المناوشات؟

10 مارس 2023
هل يتراجع بايدن عن سياسته المؤيدة لاستقلال البنك الفيدرالي؟ (سول لويب/فرانس برس)
+ الخط -

لم يسعد البيت الأبيض، كما الأسواق وملايين الأميركيين، بشهادة رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) جيروم باول، أمام الكونغرس، يوم الثلاثاء، الأمر الذي دعا مسؤولاً في البيت الأبيض إلى التعليق، للمرة الأولى منذ انتخاب الرئيس جو بايدن، على أمر يخص السياسة النقدية في البلاد، باستثناء عبارات الإشادة والدعم.

وتعقيباً على ما أشار إليه باول من احتمالية أن تدفعه المؤشرات الأخيرة إلى رفع أسعار الفائدة أبعد من التقديرات السابقة، بعد أن أخفقت توقعات البنك الفيدرالي الأخيرة بشأن هبوط معدلات التضخم، شدد المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، على ضرورة انتظار المزيد من البيانات قبل اتخاذ أي خطوة جديدة لتحجيم التضخم.

وأضاف المسؤول لوكالة رويترز، يوم الأربعاء، أنّه "من غير المقبول أن يجرى الاعتماد على مؤشرات شهر واحد في اتخاذ قرار مثل ذلك، ولا بد من إعطاء فرصة للجميع لالتقاط أنفاسهم"، مؤكداً في الوقت نفسه استقلالية قرارات بنك الاحتياط الفيدرالي.

ويعتمد البيت الأبيض على باول، وهو جمهوري معتدل، بحسب ما تصفه وسائل الإعلام، لتوجيه الاقتصاد نحو الهبوط الآمن، بتخفيض معدل التضخم، من دون دخول الاقتصاد في ركود، بينما يستعد بايدن لحملة انتخابية رئاسية ثانية، تركز على خلق فرص العمل، واستثمارات جديدة لا يمكن أن تأتي في ظل حالة ركود.

وتتسم النظم الديمقراطية بشكل عام، والنظام الأميركي بشكل خاص، بإعلاء مبدأ الفصل بين السلطات وتخصصية المناصب، إلا أن الولايات المتحدة قد شهدت من ذي قبل اختلافات في الرؤى بين البيت الأبيض والبنك الفيدرالي، ربما تكون أكثر دراماتيكية من هذا الخلاف.

فخلال فترة حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ضاق الرجل ذرعاً بـ"المرأة الحديدية" جانيت يلين، رئيسة البنك الفيدرالي وقتها، لتترك وظيفتها باتفاق مشترك بينهما، لم يُعلن عنه، لتصبح حالياً وزيرة الخزانة.

وبعد يلين، ضغط ترامب في أكثر من مناسبة، بصورة علنية في بعض الأحيان، وداخل الغرف المغلقة في أحيان أخرى، لدفع البنك الفيدرالي إلى خفض الفائدة، أملاً في الحفاظ على انتعاش الاقتصاد، ولدفع مؤشرات الأسهم إلى أعلى، وكلا الأمرين كان ركيزة أساسية في حملة إعادة ترشحه للمنصب.

لكن باول، الذي استلم المهمة من يلين، لم يعبأ بضغوط ترامب، واستمر في تنفيذ سياساته، ما دفع ترامب لانتقاده علناً، عدة مرات، قبل أن يضطر رئيس البنك لتخفيض معدلات الفائدة بصورة واضحة، مقترباً بها من صفر بالمئة، ولكن بضغوط محاربة التأثيرات السلبية لوباء كوفيد-19 على الاقتصاد الأميركي.

وقبل ترامب، عيّن الرئيس الديمقراطي باراك أوباما يلين رئيسة لمجلس الاحتياط الفيدرالي خلفاً لبن برنانكي الذي كانت نائبة له، لتصبح أول رئيسة لهذا البنك العريق منذ تأسيسه في 1914. وسارت الأمور بسلاسة، من ناحية بسبب التناغم الفكري والحزبي بينهما، ومن ناحية أخرى بسبب انتعاش الاقتصاد في أعقاب خروج الاقتصاد الأميركي من الأزمة المالية العالمية. 

وبدأت الخلافات بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض في 2017، مع تحفظ يلين على تدخلات الرئيس الأميركي في السياسة النقدية، أو ضغوطه لرفع سعر الفائدة أكثر من مرة، ليتهمها ترامب بالتواطؤ لصالح الرئيس السابق باراك أوباما.

ويرى متابعون أنّ مجلس الاحتياط الفيدرالي، بقيادة جانيت يلين، كان مستقلًا، ولكن حكيماً في نفس الوقت، حيث استجاب عندما تطلبت الأمور، وقام برفع أسعار الفائدة في مارس/ آذار 2017، في خطوة عززها نمو اقتصادي مطرد، ونمو قوي للوظائف، والثقة بأن التضخم يرتفع صوب المستوى الذي يستهدفه البنك الفيدرالي.

ورغم التقاليد الفيدرالية التي فرضت تعيين أغلب رؤساء البنك لفترتين كعلامة على استقلاليته، تركت يلين منصبها بعد فترة واحدة، لتتحول معركتها الكامنة مع ترامب إلى وسائل الإعلام، في فترة كانت مضطربة اقتصادياً وسياسياً، قبل رحيله عن البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني 2021.

وبالعودة خطوات للوراء، نجد أنّ الرئيس الأسبق للبنك بن برنانكي لم يكن أفضل حظًا ممن جاء بعده، سواء في علاقته بالبيت الأبيض أو في تعامله مع الأزمات الاقتصادية، إذ تولى مقاليد الأمور في نهاية 2005 والبلاد لم تزل تعاني من التداعيات الاقتصادية لحرب العراق.

وفي 2007، اصطدم برنانكي بالبنوك، وفرض عليها قروضًا طارئة، خوفًا من انهيارها، قبل أن تنزلق البلاد في الأزمة المالية العالمية، وكان أبرز المتأثرين بها المؤسسات المالية، بسبب قروض الرهن العقاري، والمشتقات التابعة لها.

وجاءت الأزمة الحقيقية مع البيت الأبيض في سبتمبر/ أيلول 2013، عندما أعلن أوباما لوسائل الإعلام، في تصريح اعتبر وقتها غير حكيم، أن الاقتصاد لا يسمح للبنك الفيدرالي بخفض مشترياته من السندات، ما أدى إلى إرباك الأسواق، وتكبيدها خسائر فادحة.

لكن أشهر الأزمات كانت في عهد الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون في أوائل السبعينيات، حيث عانت الولايات المتحدة وقتها من ارتفاع معدلات التضخم، لكنه كان مصحوباً بتباطؤ واضح في النشاط الاقتصادي، ما دفع نيكسون للضغط على البنك الفيدرالي لإبقاء أسعار الفائدة منخفضة، وتحفيز النمو الاقتصادي.

ورأى رئيس البنك الفيدرالي وقتها آرثر بيرنز أن إبقاء أسعار الفائدة منخفضة لن يؤدي إلا إلى تفاقم التضخم، فكان مترددًا في الامتثال لمطالب نيكسون.

وفي محاولة لإجبار مجلس الاحتياط الفيدرالي على الامتثال لرغباته، بدأ نيكسون في التنمر على بيرنز وتخويفه، وذهب إلى حد الاتصال به في المنزل في منتصف الليل للمطالبة بأسعار فائدة أقل، وانتقده علناً في العديد من المحافل، متهماً إياه بأنه "شديد التقييد، ويعيق النمو الاقتصادي".

وفي النهاية، استسلم البنك الفيدرالي لمطالب نيكسون، وأبقى أسعار الفائدة منخفضة، ما أدى إلى تعزيز الاقتصاد على المدى القصير، إلا أن ذلك تسبب أيضًا في تفاقم التضخم على المدى الطويل، ويعتقد العديد من الاقتصاديين أن إذعان البنك الفيدرالي للضغط السياسي كان عاملاً رئيسياً في تعرض البلاد لأطول فترة من التضخم المرتفع في تاريخها، وهي التي لم تنته إلا بحلول عام 1983.

المساهمون