الأتراك انتفضوا لمعيشتهم وعاقبوا الحزب الحاكم

01 ابريل 2024
الاقتصاد وخيبة الأتراك من عدم تنفيذ وعود الرفاهية سبب النتيجة (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- حزب العدالة والتنمية التركي يتلقى هزيمة كبيرة في انتخابات المجالس المحلية البلدية لأول مرة منذ وصوله للسلطة عام 2002، معبرة عن تغير جذري في الخريطة السياسية التركية بسبب الأداء الاقتصادي المتراجع وتدهور الواقع المعيشي.
- الناخبون يعبرون عن استيائهم من الوضع الاقتصادي الراهن بالتصويت بأغلبية لصالح حزب الشعب الجمهوري ومرشحيه في مدن رئيسية مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير، مما يعكس تأثير الاقتصاد المتراجع وتدهور القوة الشرائية على النتائج الانتخابية.
- الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية يظهران روحاً وطنية بقبول نتائج الانتخابات، مؤكدين على أهمية الديمقراطية والإرادة الشعبية، ويعدان بتقييم النتائج وإجراء محاسبة داخلية لتصحيح الأخطاء وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

لا شيء ربما، سوى الاقتصاد وتردي الواقع المعيشي للأتراك، يبرر الهزيمة المدوية لحزب العدالة والتنمية بانتخاب المجالس المحلية البلدية، بل وربما غير المسبوقة منذ وصل الحزب للسلطة عام 2002. 

فالتبدّل أو الانقلاب في الخريطة السياسية التركية الداخلية بالأمس، بعد النتائج الأولية وغير الرسمية، خرج حتى عن توقعات حزب الشعب الجمهوري نفسه، بدليل أنه لم يعدّ منصة ليخطب عليها رئيس البلدية الكبرى، أكرم إمام أوغلو ما دفعه لإلقاء خطاب الفوز من على ظهر حافلة بمنطقة الفاتح ليل الأحد.

فحصول حزب الشعب المعارض وحده، من دون تحالف مع أحزاب المعارضة على 37.39% من أصوات الأتراك، صفعة بكل معنى الكلمة وغير محسوب لها، بل ولم يفعلها أو يتوقعها الحزب المعارض بمواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان، وهو بأعلى مراحل انتشائه.

ربما سلط الإعلام أضواءه أمس، على الولايات الكبرى الشهيرة التي خسرها الحزب الحاكم، بعد الآمال والتعويل باستردادها من المعارضة، وتصريح الرئيس أردوغان "دعونا نرسلهم إلى التقاعد في 31 مارس في أنقرة وإسطنبول وإزمير"، في حين المفاجآت وصلت لفوز الحزب المعارض بنحو 30 ولاية كبرى، بما فيهم أنطاليا ومرسين وبورصة.

وخسر الحزب الحاكم حتى بلدية شانلي أورفا التي ذهبت لحزب "الرفاه الجديد" والتي كان يقول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان "إن رميت سترتي في أورفا تنجح رئيس بلدية".

ليأتي فوز مرشح إسطنبول عن حزب الشعب الجمهوري، إمام أوغلو على المنافس الشاب، مرشح الحزب الحاكم، مراد كوروم بنسبة 50.89% إلى 40.03% صفعة أولى، نظراً لما تعنيه إسطنبول وما تم الاشتغال عليه لاستردادها من المعارضة، بعد الحملة الانتخابية والآمال التي عوّل عليها الحزب الحاكم والرئيس التركي نفسه.

كما يأتي الفوز المتوقع لمرشح الحزب المعارض بأنقرة، منصور يافاش بنسبة نحو 60% على مرشح الحزب الحاكم، تورغوت ألتنوك الذي لم يحصل أكثر من نسبة 32.04 صفعة ثانية بعد خطة رمي منافس قومي بالعاصمة لرئيس البلدية القومي.

لتكتمل المفاجأة إن لم نقل الصفعة أيضاً، بفوز مرشح الحزب المعارض بإزمير، جميل توغاي بنسبة 48.72 على مرشح العدالة والتنمية، حمزة داغ الذي لم تصل نسبة التصويت له إلى أكثر من 37.03، أيضاً بعد التصريحات والتعويل على استعادة إزمير، معقل المعارضة وحزب الشعب الجمهوري التاريخية، إلى كنف العدالة والتنمية.

قصارى القول: ربما لا تأخذ الانتخابات البلدية، بدول العالم، هذه الضجة والتحدي والتسابق الذي تشهده تركيا، فضلاً عن أن صلاحيات البلديات لا تتعدى القضايا الخدمية على اعتبارها جهة تنفيذية تتلقى الدعم والقرارات من حكومة "العدالة والتنمية" والرئيس التركي، بعد تغيير نظام الحكم خلال استفتاء عام 2017.

بيد أن السؤال الذي يتوثب على شفاه أي متابع هو، ما الذي حصل بتركيا لينقلب المزاج العام وتتبدل خيارات المصوتين خلال عشرة أشهر، بعد أن أعطى الشعب الأغلبية البرلمانية لحزب العدالة والتنمية في مايو العام الماضي ومن ثم الرئاسة لرئيس الحزب، رجب طيب اردوغان بجولة الإعادة. 

ربما ليس سوى الاقتصاد وخيبة الأتراك من عدم تنفيذ الوعود الحكومية برفاهيتهم، هو المستجد الأهم والسبب الأكثر وجاهة، وإن وجدت أسباب أخرى تتعلق بالسياسة الخارجية والانفتاح العربي أو ملف اللاجئين، أو حتى تعثر البناء ببعض مناطق الزلزال وتطلعات الشباب وحرياتهم.

فهاتيك الأسباب، وعلى أهميتها، تبقى أمام المعيشة والحريات، ثانوية ولا ترقى لتقود هذا التبدل بالرأي العام والأقرب إلى الانقلاب.

فمعيشة الأتراك المتراجعة باطراد، بعد تعدي نسبة التضخم السنوي 64% وتهاوي ليرتهم إلى ما دون 32 مقابل الدولار، كان، على الأرجح، الدافع الأهم للقصاص من خلال صناديق الانتخابات، رغم رفع الحد الأدنى للأجور مرتين العام الماضي ومرة هذا العام ووعود بثانية.

إلا أن 17,002 ليرة، وإن كان جلّ الأتراك يتقاضون أعلى منها، لم تعد تسعف الأسرة التركية بواقع غلاء ينوف عن 100% خلال عام أو تسد الاحتياجات بعد ارتفاع الحد الأدنى للفقر التي حددها الاتحاد التركي لنقابات العمال "Türk-İş" بنحو بمبلغ 45 ألفا و686 ليرة وحد الجوع بمبلغ 14 ألفا و25 ليرة.

فالحكومة التي وعدتهم بتخفيض التضخم وتحسين سعر الليرة وبالرفاهية، خلال برنامجها في تموز العام الماضي، لم تقدم شيئاً على الأرض حتى اليوم، رغم أنها عبثت بسعر الفائدة ورفعته من 8.5 إلى 50% ورفعت أسعار المحروقات التي كانت محرضاً لارتفاع السلع والمنتجات، فأثرت على نشاط الأسواق والإنتاج.. وربما تنعكس على الصادرات نهاية العام.

الأمر، بعد مؤشر نتائج الانتخابات الصافعة، الذي يستوجب مراجعة تبدأ من الاقتصاد ووعود الحكومة، ولا تنتهي عند الدور الأبوي بالحكم، الذي يؤثر الرئيس أردوغان إلباسه حتى على المرشحين الشباب الذين لم يرهم الناخب خارجين عن عباءته.

لأن التجديد ومستوى معيشة وحرية الأتراك، هي أسرار ولائهم الوحيدة، وربما لنا بانقلاب عام 2016 مثال حي، حين خرج الشعب للشوارع بمواجهة دبابات وطيران الانقلابيين، للمحافظة على بلدهم أولاً ومنع وصول العسكر للحكم ثانياً وللمحافظة على مستوى معيشة ورفاهية، ثالثاً والأهم.

ولكن، لعل ما يجب الإقرار به بنهاية القول، وليس من قبيل التوازن أو الإطراء والتملق هو، قبول الحزب الحاكم والرئيس التركي نفسه، هزيمة أمس بروح وطنية عالية تحسب لهم، ليرسلوا للمترصد ومن يهمه الأمر، أن الانتخابات بزمن أردوغان لم تفقد مصداقيتها، بل لم تزل تركيا دولة ديمقراطية ولا يجرؤ الحزب الحاكم على منع حشد جماهير الأحزاب المعارضة ليقولوا آراءهم بالصناديق.

فحينما تكون تركيا هي الغاية والديمقراطية هي الوسيلة، فهذا ما يجعل الربح والخسارة وتبدل الوجوه، عبرة وصيرورة لابد منها.

فأن يقول أردوغان بخطاب "الشرفة" ليل أمس "الفائز بهذه الانتخابات هو الديمقراطية التركية وتركيا، وأن الشعب التركي أوصل رسالته بوضوح إلى السياسيين" واعداً "تقييّم النتائج بقلب مفتوح وإجراء محاسبة داخلية" بعد أن اعترف بالأخطاء ووعد بتصحيحها وتغيير المسار، فهذا ما يضمن لتركيا تعدي مطبات الاقتصاد وغيره، ومتابعة المسيرة إلى حلم العشرة الكبار.

المساهمون