اقتصاد النزوح في السودان: شلل الإنتاج وهروب العمالة

09 مايو 2023
نزوح آلاف السودانيين بسبب الحرب (فرانس برس)
+ الخط -

باتت المنشآت الإنتاجية في السودان في مرمى نيران الحرب وتداعياتها، وخاصة في الخرطوم العاصمة التي تحتضن معظم المنشآت الاقتصادية في البلاد، حيث يبلغ عدد المنشآت فيها أكثر من خمسة آلاف منشأة صناعية تتوزع على 46 قطاعاً صناعياً، أبرزها الصناعات الغذائية والبلاستيكية والجلدية والملابس والأدوية والصناعات الكيميائية.

وترتب على لجوء ونزوح الآلاف من العمالة بسبب الحرب الدائرة في السودان شلل الإنتاج وسط عمليات تدمير متواصلة للمزارع والمصانع والأسواق التجارية والبنية التحتية.

وحسب التقرير السنوي لبنك السودان المركزي، حقق قطاع الصناعة نسبة 17% من الناتج المحلى الإجمالي للبلاد خلال العام الماضي، في حين راوحت مساهمة الزراعة بين 23% و38%، وحققت الخدمات ما بين 51% و58% من الناتج المحلي.

هروب المزارعين
في ما يتعلق بالزراعة، يتخوف كثير من المزارعين من فشل كبير للموسم بخاصة في ظل استمرار الحرب وانعدام الغازولين. ويقول المزارع الرضي جابر، وهو يعمل أيضا في مجال التجارة، إنه يفكر جديا في ترك المهنة.

وأضاف: هناك مخاوف من استمرار الحرب التي ستعيق العملية الزراعية في السودان نتيجة لانعدام الوقود بالإضافة إلى هروب العمالة الزراعية الماهرة.

يتابع جابر: "هذا الأمر سيكون وبالاً على السودانيين، وحتى العمالة التي هربت من الخرطوم إلى الولايات ستتضاعف معاناتها بسبب انعدام الوقود الذي سيوقف العملية الزراعية بشكل شبه كامل".

توقف عجلة الصناعة
وجاءت الصناعة في صدارة القطاعات المتضررة من الحرب بسبب توقف معظمها وهروب العمالة منها بالإضافة إلى خنق الأسواق والكساد الذي أصاب مختلف السلع.

وكانت القطاعات الإنتاجية، وأبرزها الصناعة، تعاني طوال الفترات الأخيرة من مشكلات عديدة، منها ندرة الطاقة أو ارتفاع أسعارها بخاصة الكهرباء أو زيادة كلفة مدخلات الإنتاج، والنتيجة النهائية أن كثيراً من المصانع لم تعد عجلاتها تدور فباتت بلا إنتاج.

ورغم ذلك ظلت بعض المنشآت تعمل بطاقة محدودة إلى أن طاولتها الحرب الحالية التي دمرت ما تبقى منها وطاولت بعضها السرقات والنهب والحريق، الأمر الذي أفرز واقعاً سيئاً لقطاع الصناعة أدى إلى هروب ولجوء كثير من العمالة من المصانع التي لم تتعرض لأضرار الحرب المباشرة.

ويقول محمد توفيق، وهو صاحب مصنع للزيوت في أم درمان، لـ"العربي الجديد"، إنه أغلق مصنعه وسرح ما تبقى من عمالة وسوف ينتقل إلى ولاية أخرى للعمل في صناعة الزيوت أو سيتوقف نهائياً عن العمل والهجرة إلى بلد آخر.

وحسب بيانات رسمية، تقدر الطاقة التصميمة لصناعة الزيوت بحوالي 2.3 مليون طن من الحبوب الزيتية في العام. ويقدر حجم الاستهلاك السنوي للبلاد بحوالي (200 ــ 250) ألف طن من زيوت الطعام.

أما إبراهيم جابر، وهو صاحب مصنع للصابون، فيرى في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ كلّ العمالة التي تعمل في مصنعه عادت إلى ولاياتها وسيتوقف عن العمل، بالإضافة إلى تعرض مصنعه للسرقة والنهب.

يقول إنّه خسر كثيراً ولا يريد أن يستأنف العمل "حتى لو توقفت الحرب لعدم وجود ضمانات أمنية". يتابع أنّ الخرطوم أصبحت غير آمنة ولن تعود كما كانت في السابق حتى لو انتهت الحرب، نتيجة للخراب والدمار الذي طاول جميع المنشآت الاقتصادية.

تهديد الاستثمارات
أما إبراهيم محمود، وهو صاحب عدد من المطاعم، فقال إنه ظل يعمل في ظروف بالغة الصعوبة في السابق وفكر كثيراً في التوقف عن العمل بسبب الظروف الاقتصادية المعقدة وكان يؤجل هذا القرار إلى أن جاءت الحرب وجعلته يأخذ خطوات جادة في ترك الاستثمار في السودان نتيجة لنزوح ولجوء العاملين من الخرطوم إلى ولاياتهم وظروف الصراع العسكري الصعبة التي ألقت بظلالها على مختلف المجالات.

وأضاف أنّ الاستمرار في العمل عقب الحرب سيكلفه كثيراً، مشيراً إلى أنّ القوة الشرائية ستكون منعدمة في ظل الظروف القاسية التي يعيشها الشعب السوداني.

وتوقع أن تكون خسارته مضاعفة لأن الجهات المختصة سوف تفرض رسوماً مضاعفة لمواجهة الأزمة المالية الخانقة التي تواجه السلطات، كما أنّ أجور العمالة سوف تتضاعف بسبب قلتها ونزوح جزء كبير منها.

ومن جانبه، يؤكد بابكر إسماعيل، الذي يعمل في مجال الأدوية، أنّ هذه الصناعة لن تقوم لها قائمة مرة أخرى في البلاد، إذ بدأت تفقد أحد أهم ركائزها الأساسية وهي العمالة الماهرة والمتخصصة في هذا المجال التي بدأت في الخروج إلى دول أخرى.

وحسب بيانات رسمية، يبلغ عدد المنشآت القائمة في مجال صناعة الدواء حالياً 33 بالإضافة إلى مصانع المستلزمات الطبية والحقن ومصانع المحاليل الوريدية ومصنع لمحاليل غسيل الكلى.

أزمة العمالة
وفي هذا الإطار، يقول الاقتصادي السوداني إبراهيم ياسين لـ"العربي الجديد"، إنّ هروب العمالة ولجوءها إلى مناطق آمنة يؤثر على المصنّعين والمنتجين بصورة كبيرة في ظل الظروف السيئة التي يعيشونها وهذا سينعكس سلباً على إيرادات الدولة الشحيحة التي بدأت في الآونة الاخيرة تعتمد على جيب المواطن.

وبحسب ياسين: "هذه الحرب قضت على الأخضر واليابس تماما، ما يجعل خزينة وزارة المالية فارغة، وهذا الأمر سيلقي بظلال سالبة على زيادة الفقر والبطالة وسوف يصبح معظم السودانيين تحت خط الفقر".

يضيف الاقتصادي السوداني: "إذا استمرت الحرب لفترة أطول سوف تتأثر جميع ولايات السودان التي لجأ إليها كثيرون، بل سيمتد هذا الأثر إلى دول الجوار التي ذهب إليها البعض في ظل عدم قدرة الجهات الإغاثية على تقديم المعونات اللازمة".

زيادة الفقر
تتضارب الإحصائيات حول نسب الفقر في السودان، فبينما تقول تقارير الأمم المتحدة إن 46.5 بالمائة من سكان السودان يعيشون دون خط الفقر، تقول دراسة حكومية أجريت عام 2017 إن الفقر تراجع إلى 36.1 بالمائة، لكنّ خبراء اقتصاد يرون أنّ نسبة الفقر في السودان قد تصل إلى 80% طبقاً للواقع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد.

وحسب بيانات رسمية، ارتفعت نسبة البطالة في السودان إلى 19%، وبلغت نسبة البطالة بين الشباب نحو 34% وبين الخريجين 48% وبين النساء 45%، وفقاً لنشرات رسمية.

وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، في تقرير نشره بنهاية شهر فبراير/ شباط الماضي: "سيحتاج نحو 15.8 مليون شخص، نحو ثلث السكان، إلى مساعدات إنسانية في عام 2023.

وتعد هذه الزيادة، البالغة 1.5 مليون شخص مقارنة بعام 2022، الأعلى منذ عام 2011". ويأتي ذلك وسط توقعات المراقبين بأن تقفز هذه النسب عقب اندلاع الصراع العسكري بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ نحو 3 أسابيع.

تأمين الودائع
من جانبه، كشف الخبير المصرفي لؤي عبد المنعم أنّ وضع البنوك مؤمّن لأن البنك المركزي لديه تشريعات وسياسات واحتياطيات قانونية وصندوقاً لضمان الودائع تضمن الحفاظ على ودائع الجمهور: بنك الخرطوم، وهو الاكثر انتشاراً في البلاد من حيث عدد الفروع، إلى جانب بنك أم درمان الوطني وبنك فيصل.

وقال عبد المنعم فى تصريح صحافي: "تم استهداف الكثير من فروعها، لكن المبالغ الموجودة فيها بصفة عامة محدودة وتكفي حاجة الفرع لمقابلة السحوبات ليوم أو اثنين، وهناك آلية متابعة وتحكم لا تسمح للفروع بالاحتفاظ بمبالغ تزيد عن المسموح به (لا تزيد عن 10% من إجمالي الودائع)".

وأضاف: "لذلك فإنّ المبالغ المنهوبة في البنوك التي تم الاعتداء عليها لا تشكل خطراً كبيراً على الموقف المالي للبنوك، فضلاً عن قيام البنوك بالتأمين على الخزائن في الفروع ضد السرقة والشغب وخيانة الأمانة لدى شركات تأمين محلية كبيرة".

المساهمون