يشهد العراق أوضاعاً سياسية وأمنية متوترة انعكست على القطاعات الاقتصادية، جرّاء قيام الفصائل المسلحة العراقية بإنهاء الهدنة الخاصة بوجود الأميركان في البلاد وعودة استهدافها القواعد المتمركزين بها، كرد فعلٍ على الجرائم التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
وتتعقد الأمور مع إصدار زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، أمراً بجمع تواقيع داخل مجلس النواب لإغلاق السفارة الأميركية في بغداد، وإن حدث ذلك بالفعل، فإن تأثيرات تمدد الحرب إلى العراق، سينعكس على قطاعات الاستثمار والسياحة والنشاطات المختلفة، وأبرزها تأثر قطاع النفط الذي تعتمد عليه بلاد الرافدين بشكلٍ أساسي.
وفي هذا السياق، لفت عضو تحالف "قيم" المدني، علي السوداني، إلى أن "المخاوف من تدهور الوضع الاقتصادي في العراق بسبب الهجمات على الأميركيين والقواعد التي يتواجدون فيها، أمر متوقع، وأن الأميركيين كانوا على دراية بأنهم سيتعرضون لهجمة من الفصائل العراقية".
وأكد لـ"العربي الجديد"، أن "الولايات المتحدة لن تعاقب العراق على الهجمات، بل إنها تريد معاقبة إيران بأشد مما سبق، لكن في بعض القطاعات ستشهد تراجعاً لا سيما السياحة، المتراجعة أصلاً بسبب المشاكل البيئية، بالإضافة إلى تهديد الفرص الاستثمارية".
واستهدفت مليشيات وفصائل مسلحة تتبع الفصائل المعروفة في البلاد، القواعد العراقية التي تستضيف القوات والمستشارين الأميركيين، في أربيل والأنبار، وكذلك قواعد في سورية. وخلال الأيام المقبلة، قد يشهد العراق توتراً سياسياً ومأزقاً حكومياً من مطالبة الصدر بإغلاق السفارة الأميركية في بغداد، ويحدث ذلك دون النظر إلى تأثيرات ذلك على الوضع الاقتصادي في العراق.
بدوره، رأى الخبير الاقتصادي العراقي بشير الجواهري، أن "أزمة اقتصادية تستهدف العراق ودول المنطقة، مثل سورية ولبنان وإيران وربما مصر، تلوح في الأفق بسبب الأحداث الأخيرة في غزة، وقد تشتد الظروف الاقتصادية الصعبة في حال امتد الصراع إلى العراق ولبنان وسورية، ما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، التي قد تُفسر على أنها مفيدة للعراق، لكنها ضارة، بسبب العقوبات على العراق بشأن تداول الدولار"، متوقعاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الولايات المتحدة ستتوجه إلى معاقبة إيران التي تعتبرها إسرائيل أنها الخطر الأكبر عليها".
وسبق أن طالبت الولايات المتحدة وكندا، من مواطنيهما عدم السفر إلى العراق، وفي حال وجودهم في العراق عليهم المغادرة فوراً، كما التحقت هولندا بدعوة مواطنيها إلى مغادرة العراق في أسرع وقت ممكن، معتبرة في بيان أن "أحداث غزة تتسبب في تظاهرات في المدن العراقية، وهناك احتمال لأعمال عنف واستهداف للأجانب، وقد يتدهور الوضع الأمني في العراق فجأة، لذا ندعو المواطنين الهولنديين إلى المغادرة فوراً"، مؤكدا أنه "باستثناء مدن كردستان، فإن باقي مدن العراق تعتبر مناطق حمراء، ونطلب من مواطنينا مغادرة المناطق الحمراء، وفي حال كان بقاؤهم ضرورياً، فعليهم الانتقال إلى المنطقة البرتقالية، وتعني بها مدن كردستان، شمالي البلاد.
وعلى إثر التوترات، يؤكد مستشار سوق العراق للأوراق المالية علي العزاوي، لـ"العربي الجديد"، ارتفاع الإقبال على شراء الذهب والدولار وتخزينه من قبل المواطنين، تحسبا لأي هزات اقتصادية ومالية جديدة في العراق.
وقال العزاوي إن العقود الماضية من التوترات أكسبت العراقيين ثقافة التخزين واكتناز الذهب والعملة الصعبة، ولهذا بدا السوق في الأيام الماضية متأثرا بحركة إقبال واسعة على شراء الذهب واستبدال الدينار بالدولار أو اليورو، وهناك آخرون فضلوا سحب أموالهم من البنوك والاحتفاظ بها في منازلهم".
في السياق، قال عضو تحالف "الإطار التنسيقي"، الحاكم في البلاد، عامر الفايز، إن "موقف العراق واضح من الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في غزة، وهو رفض هذا العدوان وعدم التماهي مع مواقف العار التي تتحدث عن حالات إرهابية داخل قطاع غزة الذي يواجه الإرهاب الصهيوني حاليا، وأن هذا الموقف رسمي وشعبي ومعلن، ولا نقصد من خلاله ترهيب الأطراف الدولية أو المواطنين الأجانب داخل العراق".
وبيّن لـ"العربي الجديد"، أن "المخاوف الأميركية جاءت بسبب مواقف واشنطن المخزية في دعم الإسرائيليين".
وأضاف الفايز، أن "العراق يريد أن يبقى محافظا على علاقاته الدبلوماسية والاقتصادية والمصلحة المشتركة مع الجميع، وليس هناك نية لتحويل العراق إلى قطب منعزل عن العالم، ولعل أحد أبرز النجاحات في حكومة السوداني هو التوازن في العلاقات الخارجية".
وأكد أن "مطالب قوى سياسية ودينية بغلق السفارة الأميركية يعبر عن حالة رفض لما يحصل في غزة، وهناك طرق سياسية تتم من خلالها هذه الأمور، وليس من خلال تهديد الاستقرار العراقي، وأن هناك تأثيرات قد تترتب على اعتبار مدن العراق حمراء، وهذه التأثيرات تشمل قطاعات متفرقة".
وترك الصدر، حكومة محمد شياع السوداني التي دخلت تواً في عامها الثاني، في وضع محيّر بالنسبة لها، بشأن مطالبتها والبرلمان بالتصويت على قرار يقضي بغلق السفارة الأميركية في العراق، "نصرة" للفلسطينيين، فيما أكد على "حماية أفرادها الدبلوماسيين، وعدم التعرض لهم"، مهددا بأنه "إن لم تستجب الحكومة والبرلمان، فلنا موقف آخر سنعلنه لاحقا".
من جانبه، أشار عضو بارز في التيار الصدري، رفض ذكر اسمه، إلى أن "الفصائل التي تقوم باستهداف القواعد العراقية التي تستضيف الأميركيين، تمثل حالة رد فعل على ما يحدث في غزة دون الأخذ في الاعتبار التأثيرات التي قد تؤدي إلى الإضرار بالعراق، ومنها الوضع الاقتصادي، خصوصا القطاع النفطي الذي تحكمه مالياً الولايات المتحدة الأميركية".
وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "الصدر لا يريد التصادم مع الولايات المتحدة على طريقة المليشيات في البلاد، لكن يريد أن يكون الأمر بالطرق القانونية أو بالضغط الشعبي".
وكان رئيس الوزراء العراقي قد وجّه الأجهزة الأمنية كافة بتعقب وتتبع العناصر المنفذة للهجمات على مقرات مستشاري التحالف الدولي الموجودين في العراق، بعد أن طالبت وزارة الخارجية الأميركية الموظفين غير الأساسيين في طاقمها ببغداد مع عائلاتهم بمغادرة العراق، معللة قرارها بأن "ازدياد خطر الإرهاب، الخطف، العنف المسلّح، وعدم الاستقرار في العراق يهدد المواطنين والمصالح الأميركية" في البلاد.