اقتصاد إسرائيل يعاني من أزمة عمالة حادة

25 ديسمبر 2023
الزراعة الإسرائيلية تواصل الخسائر بعد عملية طوفان الأقصى (Getty)
+ الخط -

يرأس نير يانوشيفسكي شركة عقارات وإنشاءات تقع في شمال تل أبيب، وكان يعمل فيها قبل الحرب حوالي 1000 موظف. لكن قرار إسرائيل تعليق تصاريح العمل الفلسطينية بعد عملية "طوفان الأقصى"، في 7 أكتوبر/تشرين الأول، قلب عمليات وأنشطة الشركة رأسا على عقب.

وقال يانوشيفسكي، حسب ما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال"، مساء يوم السبت، "استيقظت في صباح 7 أكتوبر لأجد أن ثلث العاملين قد رحلوا".

ووفق تقرير الصحيفة الأميركية، فإن الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة أحدثت تحولاً جذرياً في اقتصادها واقتصاد الضفة الغربية.

وأدى قرار منع أكثر من 100 ألف عامل فلسطيني من دخول إسرائيل إلى تقليص حجم العمالة الرخيصة التي كانت تدعم تنافسية المنتجات الإسرائيلية المصدرة من جهة، وتخفض معدل التضخم في داخل إسرائيل، وتساهم في الأجور المرتفعة لنحو تسعة ملايين نسمة من سكان إسرائيل من اليهود. ومعروف أن قوانين الهجرة الصارمة جعلت من الصعب على غير اليهود العيش في إسرائيل.

ويقول التقرير: في الوقت نفسه، استدعى الجيش الإسرائيلي ما يقرب من 400 ألف جندي احتياطي، ويقدر المسؤولون أن 250 ألف إسرائيلي تم نقلهم مؤقتًا على الأقل من منازلهم، خاصة من المناطق التي يُنظر إليها على أنها عرضة للهجمات الفلسطينية مثل غلاف غزة والمستوطنات، ما يمنع الكثيرين من الذهاب إلى عملهم.

وهناك نحو 20% من الموظفين الإسرائيليين لا يعملون حالياً بسبب الخدمة العسكرية أو الانتقال إلى مكان آخر أو السفر إلى الخارج عقب اندلاع الحرب على غزة، وفقًا لوزارة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية، التي قدرت أن التكلفة التي يتكبدها الاقتصاد بسبب غياب العمال الإسرائيليين وصلت إلى حوالي 13 مليار شيكل، أي نحو 3.6 مليارات دولار حتى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني.

وفي قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، وهي القوة الدافعة للاقتصاد الإسرائيلي، تم استدعاء ما يتراوح بين 10% إلى 15% من القوى العاملة للخدمة الاحتياطية، وفقًا لتقدير هيئة الابتكار الإسرائيلية.

في هذا الصدد، يقول محلل شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة تشاتام هاوس يوسي ميكيلبيرغ إن "الشركات لا تعمل بسلاسة، والناس لا ينفقون الكثير من المال... هناك تأثير تداعيات سالبة تتراكم على الاقتصاد".

وتوقع الاتحاد الإسرائيلي لمنظمات الأعمال الصغيرة والمركز الكلي للاقتصاد السياسي، ومقره تل أبيب، أن تساهم الحرب بشكل مباشر في إغلاق حوالي 30 ألف شركة صغيرة ومتوسطة الحجم في مختلف القطاعات. ونتيجة لذلك، أصبحت آفاق الاقتصاد قاتمة.

زاد من تلك القتامة فشل المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية «الكابينت» قبل أسبوعين في اتخاذ قرار بشأن عودة عمال فلسطينيين من الضفة الغربية للعمل في إسرائيل.

وحسب هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو دعم عودة العمال الفلسطينيين، وسط معارضة غالبية الوزراء في الحكومة.

وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن جهاز الشاباك (الأمن الداخلي) والجيش الإسرائيلي ومنسق الحكومة في الضفة الغربية دعموا زيادة عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل.

ويقول تقرير "وول ستريت جورنال" إن تعليق تصاريح العمل للفلسطينيين يؤثر بشكل خاص على صناعة البناء في إسرائيل، التي توظف أكثر من 60% من الفلسطينيين العاملين في البلاد، وعلى قطاع الزراعة المهم لتلبية الطلب الداخلي على المنتجات الغذائية.

وتعتمد إسرائيل على العمالة الفلسطينية من الضفة الغربية، وبدرجة أقل من قطاع غزة، في قطاعات البناء والتشييد والزراعة والغذاء والخدمات، بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

ولمواجهة أزمة سوق العمالة الحادة، قالت وزارة البناء والإسكان الإسرائيلية، الشهر الماضي، إن إسرائيل وقعت اتفاقية ثنائية مع الهند لجلب العمالة، وقالت إنها تسعى إلى تعزيز اتفاقيات مماثلة مع دول أخرى في سعيها لاستبدال العمال الفلسطينيين.

كما وافقت الحكومة الإسرائيلية على اقتراح لجلب 10 آلاف عامل أجنبي للعمل في قطاع البناء قبل نهاية العام، كما تتخذ خطوات لزيادة حصة عمال البناء الأجانب بمقدار 23 ألف عامل.

وقالت إنها تسعى أيضًا إلى تمديد تأشيرات العمال الأجانب الموجودين بالفعل في إسرائيل وتقصير الإجراءات البيروقراطية، وكانت حصة عمال البناء الأجانب غير الفلسطينيين قبل الحرب 30 ألفاً سنوياً.

ولكن التقرير يرى أن القوانين الإسرائيلية ربما تكون عائقاً أمام خطط إسرائيل لجلب عمال من الخارج، كما أن نقابات العمال في الهند ترفض إرسال عمال إلى إسرائيل حتى ولو وافقت عليها الحكومة الهندية، كما ذكرت في بيان بهذا الخصوص في بداية نوفمبر/ تشرين الثاني.

وتسمح إسرائيل لليهود من جميع أنحاء العالم بالهجرة والحصول على الجنسية، ولكنها تقيد الهجرة لغير اليهود، كما أن العديد من العمال المهاجرين، حتى لو كانوا يعيشون بشكل قانوني في إسرائيل لسنوات، لا يتمتعون بالحق في الحصول على وضع قانوني دائم ويخاطرون بفقدان تصاريح عملهم إذا كان لديهم أطفال، وفقًا لجماعات حقوق الإنسان.

كما لا يحصل الفلسطينيون من قطاع غزة والضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل وبعض سكان القدس بشكل عام على الجنسية الإسرائيلية أو الحقوق الكاملة.

ومنذ اندلاع الحرب، فقدت إسرائيل قرابة ربع قوتها العاملة لأسباب مرتبطة بتجنيد قوات الاحتياط، وتعليق العمل في بلدات غلاف غزة، وتضرر الاقتصاد الإسرائيلي، وتعليق نشاط العمال الفلسطينيين

ووفق الأرقام، يبلغ إجمالي القوى العاملة في سوق العمل الإسرائيلية حتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري 4.2 ملايين فرد.

في حين يبلغ إجمالي عدد العمالة الفلسطينية في إسرائيل والمستوطنات المقامة في القدس المحتلة والضفة الغربية 178 ألف عامل.

ويرتفع الرقم إلى أكثر من 200 ألف عامل، بحسب مؤسسات فلسطينية اقتصادية، واتحاد نقابات عمال فلسطين.

وهناك 90 ألف عامل من إجمالي العمالة الفلسطينية في إسرائيل والمستوطنات المحتلة، ينشطون في قطاع البناء والتشييد، بحسب اتحاد المقاولين الإسرائيليين.

وتتجاوز فاتورة أجور العمال الفلسطينيين في إسرائيل 1.5 مليار شيكل (400 مليون دولار)، شهريا، وفق الأناضول، إذ يعدون أهم مورد مالي للأسواق الفلسطينية.

المساهمون