يضطر المُزارع الفلسطيني خالد المسلمي (45 عاماً)، ويسكن في مدينة بيت لاهيا، شمالي قطاع غزة، إلى استغلال كافة زوايا أرضه الزراعية، في مُحاولة منه لتغطية التكاليف، وتوفير قوت يوم أسرته وعُماله من مهنة الزراعة التي تعتبر مصدر دخلهم الوحيد. وينتهج معظم المزارعين في قطاع غزة سياسة "الزراعة المكثفة"، والتي يتم فيها مُلاحقة مختلف المواسم الزراعية على مدار العام، حيث تُشكل محدودية الأرض والمساحات الزراعية تحديًا كبيرًا في القطاع الذي يعيش فيه نحو 2.3 مليون نسمة، بمساحة لا تتجاوز 365 كيلومتراً مربعاً، ومساحة زراعية تقدر بنحو 180 ألف دونم.
وتتسبب الكثافة السكانية العالية، ونقص المساحات الزراعية في قيود على المحاصيل وتربية الماشية في القطاع، ما يدفع للاتجاه نحو نمط زراعي يهدف إلى زيادة الإنتاجية عن طريق استخدام التقنيات الحديثة، ويُركز هذا النمط على زيادة الإنتاج، من خلال زيادة الكمية والجودة والكفاءة في إنتاج المحاصيل.
ويوضح المُزارع المسلمي لـ "العربي الجديد" أنه يضطر لزراعة الأرض على مدار العام بمُختلف أصناف الخضراوات والفواكِه الموسمية، بينما يستخدم الأسمدة العضوية لتعويض عناصر الأرض، وتجهيزها مجدداً، لافتاً إلى عدم إمكانية ترك الأرض لفترة طويلة دون زراعة، إذ يتعرض للخسائر نتيجة عدم وجود بدائل.
يُبين المدير العام للتخطيط والسياسات في وزارة الزراعة وائل ثابت أن المساحات الزراعية المتاحة في قطاع غزة ضيقة نسبيًا، ما يعني أنه يصعب زراعة الكميات الكافية من المحاصيل لتلبية احتياجات السكان المتزايدة بالرغم من مساعي وزارة الزراعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الكثير من المحاصيل، إلى جانب أن قطاع غزة يُعاني من نقص حاد في مياه الري اللازمة للزراعة، وسط الاعتماد على المياه الجوفية.
ويلفت ثابت لـ "العربي الجديد" الآثار السلبية لمحدودية الأراضي الزراعية، والمُمارسات الإسرائيلية التي تُفاقم المعاناة بسبب القيود الحدودية، حيث يفرض الاحتلال قيوداً على حركة السلع والأفراد داخل قطاع غزة وخارجه، وهذا يؤثر سلباً على القدرة على استيراد المواد الزراعية وتصدير الإنتاج، كما يقيد الاحتلال وصول المزارعين إلى مساحات زراعية كبيرة على طول الشريط الحدودي.
وتواجه الزراعة في قطاع غزة تحديات أخرى، وفق حديث ثابت، مثل نقص التكنولوجيا الزراعية المتطورة، وقلة الموارد المالية، ونقص الخبرة الفنية، ما ينعكس على الإنتاجية، والاستدامة الزراعية.
ويلفت ثابت إلى أنه رغم مختلف التحديات، إلا أن الوزارة، والمنظمات الدولية، تتبنى مشاريع ومبادرات لتعزيز الزراعة المستدامة، وتحسين الظروف الزراعية في قطاع غزة، تشمل تطوير تقنيات الري، واستخدام الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء، والتحسينات في إدارة الموارد المائية، وتعزيز التدريب والتعليم الزراعي، إلى جانب تعزيز التنوع الزراعي، وتطوير زراعة المحاصيل المقاومة والملائمة للظروف المحلية.
ويُشير المدير العام للتخطيط والسياسات في وزارة الزراعة إلى اتخاذ مجموعة من البدائل والاستراتيجيات الإضافية للتغلب على محدودية الأرض، كزراعة الأفق العمودي التي تعتمد على استغلال المساحة العمودية بدلاً من الأفقية، حيث تتم زراعة المحاصيل في طبقات متعددة، كما في محصول الفراولة المعلقة، وتسمح هذه التقنية بزيادة كفاءة استخدام المساحة وزيادة إنتاجية المحاصيل.
من ناحيته، يُبين الناطق باسم وزارة الزراعة أدهم البسيوني، لـ "العربي الجديد"، أن الوزارة تهدف من استخدام سياسة الزراعة المكثفة إلى تحقيق عدة أهداف، ومن أبرزها زيادة الإنتاجية لتلبية احتياجات السكان المتزايدة، وتتم زيادة الإنتاجية عن طريق زيادة المساحة المزروعة، وزيادة عدد الحيوانات المرباة، وتحسين التقنيات المستخدمة في الإنتاج الزراعي.
ويلفت البسيوني كذلك إلى تحسين كفاءة الاستخدام، عبر توجيه الجهود نحو تطوير تقنيات الري الحديثة، والتسميد المناسب، وإدارة الآفات والأمراض لضمان استخدام فعال ومستدام للموارد، كذلك تحسين جودة المنتجات من حيث الحجم والشكل والنكهة والقيمة الغذائية. في الإطار يُظهِر مُدير دائرة البستنة الشجرية في وزارة الزراعة في قِطاع غزة محمد أبو عودة أن محدودية الأرض تأتي بفعل استخدامها لأغراض أخرى غير الزراعة، كالسكن أو غيرها من المشاريع.
ويوضح لـ "العربي الجديد" التأثير السلبي لانحسار المساحات الزراعية، والزراعة المكثفة، حيث تُساهِم بتدهور التربة، من خلال استخدام الأرض مرات عديدة، ما يقلل من محتوى العناصر الغذائية الأساسية، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل والتأثير السلبي على صحة الأرض.
ويُبين أبو عودة أن استخدام الأرض بشكل مكثف قد يؤدي إلى تراكم المخلفات الزراعية، والمبيدات والأسمدة في التربة وتسربها إلى المياه الجوفية والمصبات المائية، ويمكن أن يوصل ذلك إلى تلوث المياه والتأثير السلبي على الكائنات الحية الأخرى في النظام البيئي، إلى جانب فقدان التنوع البيولوجي وتخريب موائل الحيوانات والنباتات المحلية.
ويلفت أبو عودة إلى أن انحسار المساحات الزراعية واستخدام الأرض أكثر من مرة يمكن أن يؤثر على الأمن الغذائي، إذ يدفع نقص الإمدادات المحلية لتزايد الاعتماد على واردات الغذاء، مما يعرض الأمن الغذائي للمخاطر في حالات الاضطرابات العالمية أو الزيادة المفاجئة في الأسعار.
ويؤدي انحسار المساحات الزراعية إلى تأثيرات سلبية على المجتمعات الريفية والاقتصاد المحلي، إذ يعتمد العديد من السكان الريفيين على الزراعة كمصدر رئيسي للعيش والدخل، إلى جانب عدم القدرة على تلبية الاحتياجات ومتطلبات الأسواق الخارجية، وزيادة نسبة البطالة، وارتفاع الأسعار في ظل الوضع الاقتصادي المتردي وتواصل الحصار الإسرائيلي منذ 17 عاماً.