إفلاس روسيا... أم ابتزاز غربي؟

إفلاس روسيا... أم ابتزاز غربي؟

28 يونيو 2022
رئيسة البنك المركزي الروسي في محنة (Getty)
+ الخط -

روسيا أفلست أم لم تفلس، وإذا كانت لديها القدرة المالية على سداد أعباء ديونها الخارجية، فلمَ لم تسدد تلك الأعباء في الموعد المحدد؟ هذا هو سؤال الأسواق الدولية الأبرز في ظل تأكيد مؤسسات غربية، أمس الإثنين، تخلف روسيا لأول مرة منذ قرن تقريباً عن سداد ديونها بالعملات الأجنبية، في الوقت الذي نفى فيه الكرملين أن يكون التخلف لأسباب اقتصادية أو بسبب ندرة في النقد الأجنبي، عازياً ذلك للعقوبات الغربية المفروضة والتي بمقتضاها جرى تجميد نصف احتياطي روسيا من النقد الأجنبي المودع في البنوك الغربية.

وفي نهاية يوم الأحد، انتهت فترة السماح على نحو 100 مليون دولار من مدفوعات الفائدة المستحقة على دين خارجي روسي في 27 مايو/ أيار، وهو موعد نهائي يعتبر حدثاً للتخلف عن السداد إذا فاته، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية التي أكدت انتهاء فترة السماح لسداد المبلغ المستحق عن السندات السيادية التي أصدرتها وزارة المالية الروسية بالعملة الأميركية.

موسكو تتخلف عن سداد الديون الخارجية لأول مرة في قرن ... والكرملين ينفي

ووفق مصادر غربية، فإنّ موسكو لم تسدد فائدة الدين المستحق عليها في الموعد المحدد. لكنّ الكرملين رد أمس الإثنين على تلك الانباء مؤكداً أنّه "لا أساس" للقول إنّ روسيا تخلّفت عن سداد ديونها السيادية بالعملات الأجنبية، في وقت يفرض الغرب عقوبات على روسيا على خلفية غزوها أوكرانيا.

وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحافيين، وفقاً لوكالة رويترز، إنّه "لا أساس لوصف هذا الوضع بأنه تخلّف عن السداد".

وفي أسواق المال الدولية، تتباين التقديرات الروسية والغربية لتعثر روسيا عن سداد الـ100 مليون دولار على دفعات سنداتها السيادية، بين اعتقاد "بلومبيرغ" ذلك بمثابة أول حالة إفلاس تسجلها روسيا منذ عام 1918، مقابل إصرار موسكو على نفي ذلك في ظل اعتقادها أنّ الوضع الراهن للاقتصاد العالمي غير مسبوق في ظل حرمان روسيا من خدمة ديونها والتصرف في أكثر من نصف احتياطياتها الدولية، بقيمة تفوق 300 مليار دولار، خلال الأيام الأولى بعد بدء الحرب في أوكرانيا في نهاية فبراير/شباط الماضي.

وفي الوقت الذي وصف فيه الناطق الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، المزاعم حول إفلاس روسيا بأنّها "غير مشروعة تماماً"، أعلنت وزارة المالية الروسية أنّها أجرت دفعات السندات الأوروبية بشكل كامل، مرجعة عدم وصول الأموال إلى المستثمرين إلى أعمال أطراف ثالثة، رافضة تصنيف الواقعة إفلاساً.

وحمّلت المالية الروسية الوسطاء الدوليين المسؤولية عن عدم إيصال الأموال إلى المستثمرين، رغم علمها مسبقاً بموعد انتهاء ترخيص خدمة الدين الروسي في نهاية مايو/أيار الماضي، وعدم تمديده.

خلال الأزمة المالية الروسية وانهيار الروبل في 1998، تخلفت حكومة يلتسين عن سداد 40 مليار دولار من ديونها المحلية

وفي الاقتصاد الدولي، يعرف الإفلاس بعجز دولة بعينها عن سداد ديونها، وهو إجراء يؤثر سلباً على تصنيفها الائتماني ويزيد من صعوبة حصولها على قروض جديدة من الأسواق الدولية، بل قد يجعله أمراً مستحيلاً من أساسه.

وخلال الأزمة المالية الروسية وانهيار الروبل في عام 1998، تخلفت حكومة الرئيس بوريس يلتسين عن سداد 40 مليار دولار من ديونها المحلية، بينما أعلنت تجميداً للديون الخارجية، في حين كانت آخر مرة سقطت فيها روسيا في حالة تخلف عن السداد أمام دائنيها الأجانب منذ أكثر من قرن مضى، عندما تنكر البلاشفة في عهد فلاديمير لينين في عام 1918 لعبء الديون المذهل في حقبة القيصر.

ووفق مصادر روسية، تمتلك روسيا المال اللازم لدفع فوائد بقيمة 100 مليون دولار وهي على استعداد للدفع، لكنّ العقوبات المفروضة عليها جعلت من المستحيل دفع المبالغ إلى الجهات الدولية الدائنة.

وكان الكرملين مصمماً على تجنب التخلف عن السداد، الذي يمثل ضربة كبيرة لهيبة الدولة، ووصف وزير المالية الروسي الوضع بأنّه "مهزلة".

وفي هذا الإطار، يعتبر الخبير الاقتصادي الروسي، ألكسندر زوتين، أنه لا يمكن وصف ما يجري بأنه إفلاس كونه يقتضي رفض أو عجز المستدين عن سداد ديونه، لا عرقلته من قبل الطرف الدائن نفسه.

ويقول زوتين الذي عمل سابقاً نائباً لرئيس قسم التحليل في وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، في حديث لـ"العربي الجديد": "الإفلاس هو تعثر المستدين عن الوفاء بالتزاماته أمام الدائن، ويحدث في أغلب الأحيان في حالتين، أولهما عجز المقترض عن سداد أقساط القرض أو عدم رغبته في ذلك.

والآن نحن أمام حالة غريبة للغاية لـ"الإفلاس" تتلخص في أنّ المقترض قادر ويرغب في سداد الدين، لكن الدائن لا يريد استلامه بأيّ شكل من الأشكال".

وحول تأثير عدم سداد الديون الخارجية على صورة روسيا الخارجية كشريك يمكن الاعتماد عليه، يضيف زوتين: "بعد تجميد نصف الاحتياطات الروسية المودعة في البنوك الغربية وبما يعادل 300 مليار دولار، وهو يعني فعلياً إفلاس الغرب أمام روسيا، لم يعد هناك معنى لسداد ديوننا أمام الغرب".

خبير روسي: بعد تجميد نصف احتياطاتنا في البنوك الغربية وبما يعادل 300 مليار دولار لم يعد هناك معنى لسداد ديوننا أمام الغرب

ويضيف قائلاً: "حتى محترفو السوق المالية في الغرب مندهشون من أنّ الغرب بجبر روسيا فعلياً على الإفلاس". ويتساءل: "ما هي الاستفادة من ذلك؟ إغلاق السوق الروسية أمام رؤوس الأموال الأجنبية؟ إنّها مغلقة في جميع الأحوال".

ويقلل الخبير الاقتصادي الروسي من أهمية الوضع الراهن على ثقة المستثمرين في الاقتصاد الروسي، قائلاً: "من البديهي للجميع أنّ المقترض مستعد للدفع، لكنّ المُقرض أجبره بشتى الطرق على عدم الدفع. وإذا وصلت القضية إلى التحكيم، فيمكن الاستناد إلى هذه الحجة أمامه".

ويخلص زوتين إلى أنّ "تعليق سداد الدفعات لغير المقيمين سيكون نبأ جيداً لروسيا. إذا كانوا لا يريدون استلام الدفعات، فلا داعي للتوسل لهم. سيبقى مزيد من الأموال في اقتصادنا، كما أنّ هذا الإجراء عادل بعد تجميد الاحتياطات الروسية".

موقف
التحديثات الحية

دولياً، قال كبير المحللين السياديين في "لوميس سايلز آند كومباني إل بي" حسن مالك لوكالة بلومبيرغ، أمس الإثنين، تعليقاً على إعلان إفلاس روسيا، إنه "أمر نادر للغاية، إذ تُجبَر حكومة لديها الأموال من قبل حكومة خارجية للتخلف عن السداد" مضيفاً أنّها "ستكون واحدة من أكبر حالات التخلف عن السداد في التاريخ".

بينما أكد الاقتصادي في معهد نومورا للأبحاث في طوكيو، تاكاهيد كيوشي، أنّ "معظم حاملي السندات الروسية سيحافظون على نهج الانتظار والترقب".

وأعلنت روسيا الأسبوع الماضي أنها ستتحول إلى خدمة ديونها السيادية المستحقة البالغة 40 مليار دولار بالروبل، منتقدة حالة "القوة القاهرة" التي قالت إنّ الغرب اصطنعها.

وقدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوائح جديدة تنص على الوفاء بالتزامات روسيا بشأن سندات العملات الأجنبية بمجرد تحويل المبلغ المناسب بالروبل إلى وكيل الدفع المحلي.

أعلنت روسيا الأسبوع الماضي أنها ستتحول إلى خدمة ديونها السيادية المستحقة البالغة 40 مليار دولار بالروبل

وسددت وزارة المالية مدفوعات الفوائد الأخيرة، بما يعادل نحو 400 مليون دولار، بموجب تلك القواعد يومي الخميس والجمعة. مع ذلك، لا تحتوي أي من السندات الأساسية على شروط تسمح بالتسوية بالعملة المحلية، وحتى الآن ليس من الواضح ما إذا كان المستثمرون سيستخدمون الأداة الجديدة، وما إذا كانت العقوبات الحالية ستسمح لهم حتى بإعادة الأموال.

ورفض وزير المالية أنطون سيلوانوف وصف الوضع بأنه تخلف عن السداد، مؤكداً يوم الخميس الماضي أنّها "مهزلة"، وكرر أنّ البلاد لديها الوسائل والإرادة للدفع.

وقال سيلوانوف: "يمكن لأي شخص أن يعلن ما يحلو له، لكنّ أي شخص يفهم ما يجري يعرف أن هذا ليس تقصيراً بأي حال من الأحوال".

بينما رد مالك على التصريحات الروسية بأنّ العقوبات هي سبب عدم سداد المدفوعات، قائلاً إنّ "القضية الأوسع هي أنّ العقوبات كانت بحد ذاتها رد فعل على عمل من جانب الكيان ذي السيادة"، في إشارة إلى غزو أوكرانيا، و"أعتقد أنّ التاريخ سيحكم على هذا".

يذكر أنه بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات عطلت سداد دفعات السندات الروسية بالعملة الأجنبية على حساب الاحتياطيات الروسية المجمدة، بادرت وزارة المالية الروسية للوفاء بالتزاماتها بالعملة الروسية الروبل.

العملة الروسية تسجل في الفترة الراهنة أعلى مستويات لها أمام الدولار منذ عام 2015

وفي 22 يونيو/حزيران الجاري، وقع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على مرسوم النظام المؤقت لسداد دفعات السندات الأوروبية عبر حساب بالروبل حسب سعر الصرف في السوق الداخلية، علماً أنّ العملة الروسية تسجل في الفترة الراهنة أعلى مستويات لها أمام الدولار منذ عام 2015.

وتقتضي هذه الآلية فتح حسابات من فئة "إي" للمستثمرين الأجانب من دون مشاركتهم. وبعد تحويل الدفعات بالروبل إلى هذه الحسابات، يعد أنّه "تم الوفاء بالالتزامات بالصورة الملائمة" بصرف النظر عن موقف من وجهت إليهم.