ألمانيا في مواجهة أزمة الطاقة: إجراءات تبدأ بغسل اليدين

ألمانيا في مواجهة أزمة الطاقة: إجراءات تبدأ بغسل اليدين وصولا إلى تفادي الإفلاس

13 سبتمبر 2022
منشأة لتخزين وتوزيع الغاز الطبيعي في ألمانيا (فرانس برس)
+ الخط -

تتعمق أضرار أزمة الطاقة، الناجمة عن القفزات القياسية لأسعار الغاز الطبيعي داخل ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا، رغم الإجراءات الحكومية المتتالية لمواجهة هذه الأضرار، والتي تبدأ بتعليمات تتعلق بغسل اليدين من جانب المواطنين، وحتى التدخل المباشر في الاقتصاد لمنع انهيار الشركات.

وتصارع الحكومة الألمانية عبر سلسلة من القرارات، لدعم جيوب المواطنين والحيلولة دون انزلاق الاقتصاد إلى الركود، بينما تتعالى الأصوات الساخطة بسبب الغلاء، الذي يتخوف من أن تكون هذه الإجراءات مجرد مسكنات له، خاصة في ظل التوقعات باستمرار أزمة الطاقة وتعاظم فاتورتها لسنوات مقبلة.

وسجل معدل التضخم في ألمانيا ارتفاعا بشكل حاد مجدداً في أغسطس/آب الماضي، ليبلغ 7.9% على أساس سنوي و0.3% على أساس شهري، متأثراً بارتفاع أسعار الطاقة والغذاء على وجه الخصوص، وفق بيانات صادرة، اليوم الثلاثاء عن مكتب الإحصاء الاتحادي.

الحكومة كشفت قبل أيام عن حزمة مساعدات بقيمة 65 مليار يورو لتخفيف الأعباء المالية للأُسر الناجمة عن ارتفاع فواتير الطاقة

وكان التضخم قد لامس بالفعل هذه المستويات في مايو/أيار الماضي، ثم تباطأ إلى 7.6% في يونيو/حزيران و7.5% في يوليو/تموز، بفعل إجراءات حكومية لتخفيف بعض الأعباء عن المواطنين عبر حسومات في أسعار البنزين وتذاكر مخفضة لوسائل النقل العام على مدار ثلاثة أشهر تنقضي بنهاية أغسطس/آب، ليتوقع محللون اقتصاديون ارتفاع معدل التضخم إلى مستويات أكبر خلال الأشهر المقبلة متجاوزا حدود الـ 10%.

وتسيطر حالة التشاؤم كذلك على المستثمرين، إذ أظهر مسح لمعهد "زد.إي.دبليو" للأبحاث، انخفاض ثقة المستثمرين بأكثر من المتوقع خلال سبتمبر/أيلول الجاري، حيث تتزايد المخاوف بشأن إمدادات الطاقة.

ونقلت وكالة رويترز، عن أكيم وامباك، رئيس المعهد قوله، إن احتمال حدوث نقص في الطاقة خلال فصل الشتاء جعل التوقعات أكثر سلبية بالنسبة لقطاعات كبيرة من الصناعة الألمانية.

وكانت وزارة الاقتصاد، قد أشارت في تقرير في وقت سابق، إلى أن الاقتصاد قد يصاب بالركود أو ينكمش خلال النصف الثاني من العام، قائلة إن التوقعات "ساءت بشكل كبير".

وأمس الاثنين، توقع معهد "إيفو" الألماني للبحوث الاقتصادية، حدوث ركود خلال الشتاء وارتفاع في معدل التضخم. وبحسب بيان صادر عن المعهد فإن الناتج المحلي الإجمالي سيتقلص إلى 0.3% العام المقبل، مقابل توقعات بنمو 1.6% خلال هذا العام، وسيصل الضتخم إلى 9.3% في 2023.

وقال تيمو فولمير سهويزر، رئيس قسم التوقعات في المعهد: "تقلصت إمدادات الغاز من روسيا خلال الصيف والزيادات الكبيرة في الأسعار الناجمة عنها أفسدت الانتعاش الاقتصادي في أعقاب فيروس كورونا .. لا نتوقع عودة إلى الوضع الطبيعي حتى عام 2024 بنمو بنسبة 1.8% وتضخم بنسبة 2.5%".

ومن جانبه، ذكر كليمنس فوست رئيس المعهد أن روسيا ستبيع في المستقبل غازها ونفطها لدول أخرى، وهذه الدول بدورها ستشتري كميات أقل من الغاز من مصادر أخرى. وأضاف: "هذا الغاز سيتدفق بعد ذلك إلى أوروبا". داعيا إلى دعم الاقتصاد في ظل أزمة الطاقة.

أرباح استثنائية لشركات الطاقة

وقبل أيام، كشفت الحكومة الألمانية عن حزمة مساعدات بقيمة 65 مليار يورو لتخفيف الأعباء المالية للأُسر الناجمة عن ارتفاع فواتير الطاقة، مشيرة إلى انها تدرس استخدام جزء من أرباح استثنائية حققتها شركات الطاقة لدعم تمويل خطتها.

وتأتي حزمة المساعدة الحكومية الأخيرة، بعد يومين من إعلان شركة الطاقة الروسية العملاقة "غازبروم" مطلع الشهر الجاري أنها لن تستأنف إمدادات الغاز عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1" الرئيسي.

وسبق أن طرحت الحكومة حزمتين من المساعدات يبلغ مجموعهما 30 مليار يورو، تضمنتا خفض الضريبة على البنزين ودعما ماديا كبيرا لتذاكر النقل، فضلا عن مبالغ أخرى لدعم الأنشطة الاقتصادية، لترتفع قيم حزم المساعدات المقدمة منذ يونيو/حزيران الماضي إلى نحو 100 مليار يورو.

كما أعلن وزير المالية كريستيان ليندنر، الشهر الماضي، أن بلاده ستقدم إعفاءات ضريبية بقيمة 10 مليارات يورو لمساعدة العمال على مواجهة التضخم المتصاعد، فيما تدرس الحكومة حالياً إجراءات من شأنها التدخل بشكل مباشر في سوق الطاقة لتفادي موجة من إفلاس الشركات العاملة في القطاع ، وفق ما قال لارس كلينغبيل رئيس الحزب "الديمقراطي الاشتراكي" الحاكم بالشراكة مع المستشار الألماني أولاف شولتز في تصريحات للإذاعة الألمانية، مساء الأحد الماضي.

وبخلاف حزم المساعدات أقرت الحكومة إجراءات على مدار الأشهر الأخيرة من شأنها الحد من استهلاك الطاقة، لدرجة أن بعضها يطاول غسل اليدين بالمياه الساخنة وتحديد درجات حرارة أجهزة التدفئة في الإدارات والمباني العامة، داعية الأفراد والشركات إلى اتباع هذا المثال.

قياس درجات الحرارة في غرف النوم

وبحسب تصريحات لوزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك "لا نريد قياس درجات الحرارة في غرف النوم ويجب احترام الحرية الفردية" لكن هذه الإجراءات "تدعو الأسر إلى تحمل المسؤولية والمساهمة" في خفض استهلاك الطاقة.

ووفق الإجراءات الحكومية، جرى وضع حد أقصى لحرارة أجهزة التدفئة في الإدارات والمباني العامة عند 19 درجة، اعتباراً من الأول من سبتمبر/أيلول الجاري. كما تقرر وقف تشغيل أجهزة التدفئة في المناطق العامة مثل الممرات، إذ قالت الحكومة إن هذه الإجراءات ستساهم في خفض استهلاك الغاز بنسبة 2%.

وبعد أن كانت تعتمد على الغاز الروسي بنسبة 50% من استهلاكها، تراجع ذلك حالياً إلى متوسط 30% وبدأت ألمانيا البحث عن تنويع مصادر الغاز من مسارات بديلة لكن فاتورة ذلك ترتفع بشكل كبير.

ووفقا لآخر التقديرات، يتعين على الأسر الألمانية دفع نحو 3500 يورو (3498 دولارا) للغاز هذا العام، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما كانت تدفعه العام الماضي.

وحذرت جمعية المستأجرين الألمان أخيراً، من عدم قدرة ملايين المواطنين على تحمل تكاليف الطاقة المتزايدة خلال الشتاء المقبل. وتحوّل الغاز الطبيعي إلى سلاح في الحرب بين روسيا والغرب منذ غزت قوات موسكو أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي، إذ تواصل روسيا ضغوطها بورقة الطاقة لمجابهة العقوبات الغربية الواسعة.

وصنفت وكالة موديز العالمية للتصنيف الائتماني 6 دول في الاتحاد الأوروبي "الأكثر انكشافا" على فرضية وقف روسيا إمدادات الغاز عن دول التكتل.

وقالت الوكالة في تقرير لها الشهر الماضي، إن الدول الست هي ألمانيا، والتشيك، والمجر، وإيطاليا، وسلوفاكيا، والنمسا، مشيرة إلى أن خفض الإمدادات أكثر أو وقفها سيؤدي إلى الإضرار بالنمو وزيادة التضخم في دول التكتل، "كما أنه يزيد من احتمالية حدوث أزمة مخاطر ائتمانية".

المساهمون