أسعار الغاز تواصل الصعود... وأزمة الطاقة تتسع

أسعار الغاز تواصل الصعود... وأزمة الطاقة تتسع

06 أكتوبر 2021
محطة لتخزين الغاز في مقاطعة خنان الصينية (Getty)
+ الخط -

 

صعدت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا إلى مستويات قياسية جديدة في تعاملات أمس الثلاثاء، وسط استمرار تراجع المخزونات للمصدر الأبرز لتوليد الطاقة في القارة العجوز. وتجاوزت العقود الآجلة مستوى 1229.1 دولاراً لكل ألف متر مكعب، مسجلة أعلى مستوى لها على الإطلاق.

ويأتي الارتفاع اللافت للأسعار مع استمرار تراجع المخزونات لدى غالبية دول التكتل المؤلف من 27 اقتصاداً، بينما يزداد الطلب مع تعافي الاقتصادات من التبعات السلبية لجائحة فيروس كورونا، وزيادة استهلاك الطاقة لأسباب مرتبطة بالشتاء المبكر في بعض الدول.

ووفق وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، تراجع المخزون الأوروبي من الغاز إلى أقل مستوى منذ حوالي 10 سنوات، بالنسبة لهذا الوقت من العام.

وبات النقص في الإمدادات يضغط على الكثير من القطاعات وأسعار خدماتها، إذ تضاعفت أسعار الكهرباء في المنطقة الإسكندنافية خمس مرات خلال سبتمبر/ أيلول الماضي، مقارنةً مع الفترة نفسها في العام الماضي، وبات الجميع يعانون من هذه الزيادة في المصانع والمناجم، التي أصبحت في أمس الحاجة إلى الكهرباء، بالإضافة إلى الطلاب الذين يعانون من تغطية التزاماتهم، في حين ترتفع معدلات التضخم ارتفاعاً صاروخياً.

ولا يستطيع الركن الشمالي في أوروبا أن يُحصن نفسه من مشكلة نقص إمدادات الغاز الطبيعي والفحم عالمياً، خاصة أن هذه الأزمة تأتي بالتزامن مع تدهور مخزونات المياه، ما يحرم المنطقة أيضا من أهم مصادر توليد الكهرباء.

وقال ماتس بيرسون، رئيس قسم التداول لدى شركة "فورتم أويج" للطاقة لوكالة بلومبيرغ إن "انخفاض مخزون المياه في الشمال إلى جانب تدهور مخزون الغاز الأوروبي أمر سيصنع أزمة كاملة الأركان، على رأسها يأتي ارتفاع أسعار الفحم والكربون. ومع مد أسلاك كهربائية جديدة في ألمانيا والمملكة المتحدة، بدأت التفاوتات الكبيرة في الأسعار التي عرفتها أوروبا تزحف إلى داخل منطقة الشمال".

وبلغ مستوى المياه في النرويج أدنى معدل له في هذه الفترة من العام منذ أكثر من عشر سنوات. وفي حين سقطت بعض الأمطار خلال الأيام القليلة الماضية، كان الموقف في جنوب غرب البلاد سيئاً، كما أن شركة تشغيل شبكة الكهرباء "ستاتنيت" أصدرت تحذيراً يقول، إن ميزان الكهرباء بلغ درجتين على معيار من خمس درجات، إذ تعني تلك الدرجة حد الترشيد.

وتتجه التوقعات إلى مواصلة أسعار الغاز ارتفاعها، رغم إعلان الشركة المشغلة لخط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" المثير للجدل والرامي إلى ضخ الغاز الروسي إلى أوروبا، يوم الاثنين الماضي، أن عملية التعبئة قد بدأت، بعدما كان بناؤه قد تأخر بسبب التوترات الدبلوماسية مع موسكو.

وكانت روسيا قد أعلنت في مطلع سبتمبر/أيلول إنجاز هذا المشروع البالغة كلفته عشرة مليارات يورو، والذي سوف يزيد من الاعتماد الأوروبي على موسكو، وفق معارضيه في أوروبا والولايات المتحدة.

ويبدو أن أزمة الطاقة لا تطاول أوروبا فقط وإنما تمتد إلى الصين والولايات المتحدة أكبر اقتصادين في العالم، إذ انعكست الأسعار الباهظة للغاز على مصادر الطاقة الأخرى خاصة النفط والفحم.

ومن المحتمل أن تضطر البلاد إلى اتخاذ خطوات كبيرة باتجاه إعادة هيكلة شبكتها وسوق الكهرباء لديها، علاوة على تعظيم احتياطياتها من الوقود، وإضافة مزيد من مصادر الطاقة المتجددة التي تتمتع بالمرونة، إذا أرادت تفادي تكرار حدوث الفوضى التي تجتاح ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وأظهرت أزمة نقص الطاقة على مستوى العالم، بالنسبة للبعض، مخاطر التخلي عن الوقود الأحفوري قبل أن يكتمل نمو مصادر للطاقة المتجددة.

في الصين "من المحتمل أن تكون الحكومة أشد حذرا إلى حد ما إزاء إحالة محطات توليد الكهرباء بالفحم إلى التقاعد". وفي ظل الظروف الراهنة، أصبحت الصين مُجبرة على التنقيب عن الغاز والفحم وسط حرب مناقصات عالمية، الأمر الذي يكشف فوائد أمن الطاقة، التي توفرها طاقة الرياح المحلية والطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية.

وقال لوري ميليفيرتا، كبير المحللين لدى مركز أبحاث الطاقة النظيفة والهواء لوكالة "بلومبيرغ": "أظهرت الشهور الأخيرة أن الصين والعديد من الاقتصادات الأخرى عُرضة لمخاطر أسعار الوقود الأحفوري، كما عززت من قضية التحول إلى مصادر طاقة ذات صفر انبعاثات كربونية".

بدوره، قال المهندس سعد بن شريده الكعبي، وزير الدولة القطري لشؤون الطاقة، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة قطر للبترول، إن الوضع الحالي لسوق الغاز ليس صحياً، داعيا إلى بذل جهود مشتركة نحو تحقيق تحول الطاقة.

وأشار الكعبي على هامش مؤتمر يعقد عن بعد للغاز الطبيعي المسال في اليابان، أمس الثلاثاء، وفق وكالة "رويترز" إلى قلة الإمدادات والاضطرابات والظروف الجوية التي أدت إلى قفزة في الأسعار مع استمرار تنامي الطلب.

وأضاف أن الوقت حان "لتجنيب المشاعر" وإدراك أنه لا يمكن تحقيق تحول ناجح للطاقة من جانب المنتجين وحدهم، وأنه يجب أن يكون جهداً مشتركاً يشمل المستخدمين النهائيين.

وقطر أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال في العالم. وكان الكعبي قد قال في سبتمبر/ أيلول الماضي، إن أسعار الغاز المرتفعة تعكس قلة الاستثمار، فضلا عن نقص الإمدادات، لكنه لا يعتبر الوضع أزمة.