أزمة نقدية في اليمن مع استمرار تهاوي سعر صرف الريال

04 فبراير 2024
تدهور الريال اليمني يهدد بغلاء السلع (Getty)
+ الخط -

يعيش اليمن على وقع أزمة نقدية خانقة مع تفاقم اضطراب العملة المحلية حيث سجل سعر صرف الريال أدنى مستوى له أمام العملات الأجنبية في عدن ومناطق الحكومة اليمنية، واقترابه من تخطي حاجز 1600 ريال مقابل الدولار الأميركي.

وتسود مخاوف واسعة من تجدد تدهور العملة المحلية في ظروف صعبة وحرجة يمر بها اليمن في ظل تفاقم أزمة الممرات المائية، حيث يستمر الحوثيون في استهداف سفن الشحن التجارية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن وسط تصاعد متواصل للأحداث في المنطقة والأسواق الدولية مع ارتفاع تكاليف التأمين والشحن التجاري.

وأكد خبراء اقتصاد ومتعاملون مصرفيون، أن هناك أزمة سيولة خانقة من النقد الأجنبي تعاني منها الأسواق المحلية في اليمن التي تشهد عمليات مضاربة واسعة على العملات الأجنبية في ظل حاجة التجار لها خلال الفترة الماضية لاستيراد السلع التجارية مع اقتراب شهر رمضان، إضافة إلى استشعار الأسواق المحلية في اليمن للتغيرات الحاصلة في الأسواق الدولية التي تشهد منذ الأسبوع ارتفاعا تدريجيا في أسعار النفط.

وذكرت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن الأزمة النقدية المتجددة استحوذت على اهتمام الحكومة اليمنية في اجتماعها المفاجئ مطلع الأسبوع الحالي، حيث وقفت أمام المتغيرات المتعلقة بتقلبات أسعار الصرف، والإجراءات الكفيلة بتحقيق الاستقرار النسبي لسعر العملة، والسلع الاساسية وتخفيف المعاناة الإنسانية التي حملت الحوثيين مسؤوليتها بسبب عملياتهم التي استهدفت سابقاً المنشآت النفطية الحكومية، أو عملياتهم الحالية في البحر الأحمر وخليج عدن.

في السياق نفسه، يشير رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى عدة عوامل جددت اضطراب العملة وتهاوي سعر صرف الريال في عدن ومناطق الحكومة اليمنية كشح المعروض النقدي من الدولار وارتفاع الطلب على العملات الأجنبية خلال الفترة الراهنة، لافتاً إلى أن ما تم سحبه من الوديعة السعودية مبلغ محدود لا يغطي احتياجات السوق النقدية.

وأعلن البنك المركزي اليمني في عدن منتصف يناير/ كانون الثاني 2024 عن تحويل الدفعة الثانية من الوديعة السعودية المخصصة لدعم البنك المركزي اليمني الى حساب البنك في البنك الأهلي السعودي، مشدداً على أهمية هذا الدعم كونه يأتي في ظرف استثنائي وعصيب يمر به اليمن.

وكان البنك المركزي قد دشن استخدام مبلغ الدفعة الثانية من الوديعة السعودية المعلن عنها في يوليو/ تموز من العام الماضي 2023، والتي تقدر بنحو 1.2 مليار دولار، حيث أعلن البنك المركزي الحكومي عن المزاد الأول للعام الحالي 2024 لبيع عملة أجنبية بمبلغ 40 مليون دولار.

ويتفق المحلل المصرفي، علي التويتي، مع ما طرحه رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، في أن هناك أزمة خانقة في السيولة النقدية من العملات الأجنبية وسط مشكلة كبيرة تتوسع من يوم لأخر في ظل عجز الجهات المختصة عن التعامل معها، محذراً في حديثة لـ"العربي الجديد"، من انهيار سعر صرف الريال اليمني أمام العملات في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً والتسبب بأزمة قد لا يستطيع أحد توقع تبعاتها وتأثيراتها على الاقتصاد الوطني والأزمة الإنسانية في البلاد.

ووفق خبراء مصرفيين، فإن المبلغ المالي الذي أعلنت السعودية في منتصف العام الماضي عن تقديمه لليمن عبارة عن منحة وليس وديعة تغطي احتياجات الموازنة العامة للحكومة لمدة عام، وتغطية فاتورة الاستيراد المكلفة، على أن تجدد سنوياً إلى أن يُستأنف تصدير النفط المتوقف منذ نهاية العام 2022.

ويواجه اليمن أعباء مالية واقتصادية جسيمة مع تضخم فاتورة الواردات السلعية لمستويات قياسية بالتزامن مع تفاقم الأزمة الناتجة عن توقف تصدير النفط وخسارة عائداته المالية التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار.

وتكشف بيانات رسمية صادرة عن البنك الدولي نهاية مايو/ أيار 2023، اطلع عليها "العربي الجديد"، أن إجمالي فاتورة واردات اليمن لعام 2021 وصلت إلى ما يقارب 9.2 مليارات دولار، في حين تظهر الأرقام الرسمية للحكومة اليمنية أن عائدات صادرات النفط للعام 2021 البالغة 1.2 مليار دولار، استخدمت بشكل كبير لتغطية تكاليف التشغيل الخارجية وتمويل واردات الوقود.

ويستحوذ الوقود على النسبة الكبرى من إجمالي فاتورة الواردات التي يتكبدها اليمن لتغطية احتياجات السوق المحلي من المشتقات النفطية. بدوره، يدعو أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز، محمد قحطان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى سرعة مواجهة تدهور سعر الصرف، واتخاذ جملة من السياسات المالية والنقدية لتعافي الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، مشدداً على أن هناك إمكانية كبيرة جداً لإعادة سعر الصرف إلى مستوى 500 ريال للدولار الواحد بدلاً من السعر الحالي الذي يتجاوز حاجز 1600 ريال.

كما يرى أن استقرار العملة المحلية سيؤدي إلى الخروج من حالة الركود التضخمي إلى الانتعاش الاقتصادي، لكن ذلك يتطلب أولاً حل أزمة الانقسام الحالي التي تسبب في انهيار الجهاز المصرفي حيث فقدت معه الدولة السيطرة على السوق النقدية والحد من الانحدار المتواصل للعملة.

ويؤكد البنك الدولي أن العام 2023 شهد تحديات عديدة بالنسبة للاقتصاد اليمني، حيث تسببت بعض هذه التحديات مثل تقلبات أسعار العملة، وارتفاع التضخم، واشتداد الاضطرابات الاجتماعية في تراجع أداء القطاعات الاقتصادية غير النفطية.

كما زادت الضغوط على المالية العامة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والتي دفعتها إلى الاستفادة من تسهيلات السحب الطارئة في البنك المركزي اليمني في عدن، مما أدى إلى زيادة بنسبة 10% في المطالبات على الحكومة في النصف الأول من عام 2023، وزيادة بنسبة 5% في الكتلة النقدية المتداولة. ورغم تراجع معدل التضخم العام في أعقاب انخفاض الأسعار العالمية للسلع الأولية، شهد تبايناً كبيراً في ما بين مناطق اليمن، حيث شهدت صنعاء انخفاضاً أكثر وضوحاً في تضخم أسعار المستهلكين، بينما ظلت الأسعار في عدن مرتفعة بسبب انخفاض قيمة العملة.

ويعتمد استقرار الوضع الاقتصادي على استدامة تدفقات العملة الأجنبية والتطورات السياسية حيث يمكن تسريع وتيرة النمو الاقتصادي، إذا كانت هناك هدنة دائمة تفضي إلى تحقيق السلام في البلاد.

المساهمون