"زلزال الجنيه" في مصر.. صدمات جديدة بالأسعار واختفاء السلع المعمرة

"زلزال الجنيه" في مصر.. صدمات جديدة بالأسعار واختفاء السلع المعمرة

29 أكتوبر 2022
الارتباك يسيطر على الأسواق (Getty)
+ الخط -

شهدت الأسواق المصرية، خلال اليومين الماضيين، هزات زلزالية عنيفة، إثر تراجع تاريخي للجنيه مقابل الدولار خلال ساعات بنسبة 16%، مع بدء البنك المركزي التعويم الثالث للعملة منذ عام 2016.

واستقر الدولار عند 23 جنيهاً في تعاملات البنوك الرسمية السبت واختفى من السوق السوداء، حيث فضل الصرافون الانتظار إلى ما ستسفر عنه توابع الزلزال الذي حط على الجميع فجأة صباح الخميس الماضي، حينما أعلن البنك المركزي عن قراره بترك الجنيه لقوى العرض والطلب في سوق متعطش منذ أشهر لأي دفقة من الدولارات.

وأوقف موردون إخراج البضائع من مخازنهم، وامتنع أغلبهم عن تسليم منافذ التوزيع للشركات المتعاملة معهم، لحين استقرار السوق ومعرفة سعر الدولار خلال الأيام المقبلة. وفي جولة لـ "العربي الجديد" اعتذرت شركات تجارية كبرى عن توفير أجهزة كهربائية ومنزلية، موجودة بالعروض، مؤكدة عدم قدرتها على التصرّف بها، إلى حين الاتفاق مع كبار الموردين على البيع وفقاً للسعر الجديد للدولار غير المعلوم حالياً.

واعتاد التجار والموردون على تبادل السلع المستوردة والتي بها نسبة عالية من مكونات الإنتاج الأجنبية، على سعر ائتمان يقدر فيه الدولار بنحو 23 جنيهاً، في معظم السلع، يصل إلى 25 جنيهاً في بعض السلع بطيئة التصرف، أو النادرة في الأسواق.

ارتباك السوق

ويشير مدير أحد المعارض الكبرى بمصر الجديدة لـ "العربي الجديد"، إلى أن السوق أصبح أشد ارتباكاً مع توقع تراجع جديد في قيمة الجنيه. ويلفت إلى أن قرارات البنك المركزي تضمنت الموافقة على فتح باب الاستيراد لبضائع قيمتها تصل إلى 500 ألف دولار، بدلاً من 50 ألفاً الشهر الماضي، ووعدت بإنهاء نظام الاعتماد البنكي بنهاية العام، ومع ذلك لم تحدد وسيلة حصول الموردين أو المواطنين على الدولار، من القنوات الرسمية.

ويضيف: "الأمور ما زالت غير واضحة، هل ستقبل البنوك الدولار من الموردين الذين يشترونه من دون سؤالهم عن مصدره أم ستوفر لهم الدولار من البنوك؟".

وارتفعت أسعار الدقيق الحر بالأسواق والموجه لأصحاب المخابز الخاصة ومصانع المعجنات من 12 إلى 16 ألف جنيه للطن. ولجأت الأفران إلى تخفيض وزن الرغيف المباع بجنيه، للهروب من التسعيرة الجبرية المحددة من وزارة التموين.

ووعدت الحكومة الأسبوع الماضي، بتوفير الدقيق الفاخر، لأصحاب الأفران الخاصة، مقابل 10 آلاف جنيه للطن، واشترطت عليهم اشتراكهم في منظومة التوزيع التي تديرها وزارة التموين.

وتعهدت بحزمة مساعدات اجتماعية تبلغ 67 مليار جنيه، وزيادة الحد الأدنى للأجور إلى 2700 جنيه وحد الإعفاء الضريبي إلى 30 ألف جنيه، وعدم رفع أسعار الخبز والوقود والكهرباء، حتى 30 يونيو/ حزيران المقبل، مع تقديم حزمة مساعدات للأسر تمتد من علاوة اجتماعية بقيمة 300 جنيه للموظفين وأرباب المعاشات وللحالات الأشد فقراً تتراوح ما بين 100 -300 جنيه حتى نهاية العام المالي الحالي.

تداعيات تحرير الجنيه

ترى الأربعينية فريدة شنن، أن حديث الحكومة عن القرارات التي بشرت بها المواطنين قبل "صدمة الخميس" تدفع التجار عادة إلى رفع الأسعار، منوهة لـ "العربي الجديد" بأن التجار أصبحوا أكثر استعداداً الآن لرفع الأسعار، بحجة رفع الدولار.

ولاحظ "العربي الجديد" عدم تحرك أسعار السلع الغذائية، الموجودة في الأسواق خلال اليومين الماضين، مع توقع صغار الموزعين للدجاج واللحوم والبيض والأجبان أن يحدث التغيير في السعر في نهاية الأسبوع الحالي، مع استلام كبار التجار الدفعات الجديدة من طلبات الموزعين بالأحياء والأسواق. 

وأصدرت جمعية "مواطنون ضد الغلاء" وثيقة الصلة بجمعية حماية المستهلك ووزارة التموين بياناً، أعربت فيه عن قلقها من تداعيات قرار البنك المركزي بتحرير سعر صرف الجنيه، مع استغلال البعض ذلك لإحداث أزمة ورفع الأسعار غير المبرر، وبطريقة استباقية ستتسبب بحدوث أعلى معدلات التضخم منذ سنوات.

ويقول محمود العسقلاني، رئيس الجمعية، إن خفض الجنيه "سيشعل الحرائق في الأسواق" في وقت ينتظر فيه الناس تقديم تخفيضات، وأن تمد الحكومة والأحزاب يدها لتوفير ودعم السلع الرئيسية، عبر منافذ مختلفة، حتى لا يقع الناس فريسة للغلاء وتحكم المستغلين. 

وينوه فوزي خليل، رئيس شعبة الأدوات الصحية بغرفة القاهرة التجارية، في بيان صحافي، بأن ارتفاع سعر الدولار إلى 23 جنيهاً دفعة واحدة، سيؤثر سلباً على جميع خامات التصنيع والأدوات المستوردة، وسينعكس ذلك على سعر المنتجات في الأسواق خلال الفترة المقبلة. ويتوقع أعضاء بالغرف التجارية حدوث طفرة جديدة في الأسعار، تتراوح ما بين 15 إلى 20%، خلال الأسابيع المقبلة. 

ولجأت الماركات الدولية إلى تقييم مبيعاتها بالدولار، ورفعت أسعار السلع والشحن الواردة من الخارج، وفقاً لأسعار الجنيه المتراجع. وزاد سعر الذهب في الأسواق المحلية بنحو 80 جنيهاً في المتوسط للجرام عيار 21 الأكثر مبيعاً في مصر.

سلوكيات مريبة

ويكشف محلل مالي عن سبب إدارة البنوك لسعر الدولار الخميس الماضي بطريقة مريبة، حيث قامت برفع سعر الدولار كل ساعة مع ظهور طلب وتدافع حقيقي من العملاء داخل الفروع، مؤكداً ما شاهده "العربي الجديد" في عدد من فروع البنوك بالجيزة ووسط القاهرة، بـ "تعطل السيستم" من الحادية عشرة إلى الرابعة مساء اليوم نفسه، ولم يعد إلا بعد انتهاء فترة الدوام الرسمية.

ويوضح المصدر الذي رفض الإفصاح عن اسمه، أن الاجراء الذي واكب توقف تعاملات تجار السوق السوداء عن العمل، يعكس وجود خطة مسبقة نفذها "المركزي"، ليتخطى سعر الدولار في البنوك سعر السوق الموازية، ويضمن سيطرته على سوق العملة بالكامل، ويبدأ مرحلة التعويم الجديدة، عبر آليات يتحكم فيها القطاع المصرفي منفرداً.

ويوضح أن تلك الصدمة أربكت حسابات الموردين والتجار والشركات، وستظل لفترة، تدعمها زيادة الفائدة على الجنيه على الودائع بالبنوك، بما يضمن تفضيل المواطنين للادخار بالجنيه، والابتعاد عن تجميع الدولار باعتباره مخزناً للقيمة. 

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويصف الدكتور رضا عبد السلام، أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة، التراجع المفاجئ للجنيه بــ "الزلزال" الذي يثير مخاوف من توجه الاقتصاد والبلد إلى أجواء مجهولة، "في ظل استمرار اللجوء إلى حل مشاكلنا عبر تخفيض العملة، وعدم الالتفات إلى ضرورة وضع سياسات اقتصادية ناجعة تفك ارتباط مصر بالدولار، وتدعم التصنيع وزيادة الإنتاج".

ويوضح الخبير الاقتصادي، في بيان على صفحته على "فيسبوك"، أن البنك المركزي تسبب في تعطيل المصانع وتدافع المصريين إلى شراء الدولار من السوق، عندما أغلق باب الاستيراد، بما عطل استيراد المواد الخام، ورفع سعر الدولار، وزاد من معدلات أسعار السلع والتضخم، وعاد الآن ليزيد الأمر سوءاً بقصر الحلول على تخفيض الجنيه.

ويؤكد أن الحلول التي طرحها المركزي، كشفت عن اتفاق مسبق مع صندوق النقد، على تلك القرارات، التي تطلب إعلانها قبل ساعات من موافقة الصندوق على إقراض مصر 3 مليارات دولار، مبدياً دهشته من أن ينسق تلك السياسات من شاركوا من قبل في صفقات فاسدة لبيع القطاع العام، وأهدروا موارد الدولة.

المساهمون