ورش الكتابة الإبداعية.. وراء رصاصة تشيخوف

28 يوليو 2019
(مقطع من لوحة لـ وليد سيتي)
+ الخط -

مجموعةٌ من المشاركين تتوسّط أنطون تشيخوف في إحدى ورش الكتابة الإبداعية، التي انتشرت خلال العقدين الماضيَين في البلدان العربية، ومنها الأردن، حيث سيواجه تساؤلات لا حصر لها حول تقنيات السرد القصصي والمسرحي وكيف ينالون حضوراً وشهرة ويحصدون جوائز مثلما حظي في حياته.

مشهدٌ يمكن تخيّله مع ظهور كلّ هؤلاء الكتّاب الذين خرّجتهم هذه الورشة أو تلك، وباتوا يحصلون على "اعتراف" يؤهلهم لإقامة أمسية قصصية أو شعرية هنا أو هناك، وإصدار كتاب لن يمرّ دون احتفاء بشكل أو بآخر في الصحافة الثقافية.

تشيخوف الذي استعدناه، لن يجترح قواعد للكتابة سعى هو للخروج عنها في لحظة استثنائية في الأدب العالمي، ولن يبتكر "وصفة" يمكن أن يسترشد بها عابر سبيل ويصبح كاتباً في خمسة أيام، مثلاً، وهو الذي كان يعمل بجدّ ليعيل أسرته، وكتب مئات المقالات عن الحياة الروسية المعاصرة حتى استطاع أن يلفت الأنظار إليه، لكنه قد يكرّر عبارته الشهيرة: "إذا رأينا بندقية في قصّة ما، فإن عليها أن تطلق النار في موقع ما من القصّة".

في إعلان سابق نُشر عبر وسائط التواصل الاجتماعي، كان المدرّب لورشة كتابة إبداعية تنظّمها جامعة عربية، يدعو إلى الالتحاق بها حتى يبدع المشاركون في كتابة نصوص في عشق الحياة والجمال والحب، بلغة إنشائية تستذكر بهاء القمر وخضرة الشجر وزقزقة العصافير. وبالطبع، التحق العدد الكافي الذي يضمن تغطية التكاليف ومكافأة المدرّب وربحاً معقولاً للجهة المنظّمة.

ينسحب الأمر على جهات رسمية عربية تنظّم أنشطة مشابهة، وغيرها من الهيئات الخاصة التي ترعى الإبداع على طريقتها، وجميعها تشترك باجتذابها مدرّبين يحظون بانتشار أملته ذات المعايير التي يعتمدها المشهد الثقافي في المصادقة على ما يقدّمونه من "إبداع"، سينقلونه بالضرورة إلى مبدعي المستقبل.

يختلف الحال في المدارس الخاصة والجامعات، التي تستقدم عادة مدربين حازوا شهادات أو دورات في الكتابة الإبداعية من أكاديميات غربية؛ حيث يدرّسون وفق طرائق وأساليب وقوالب جاهزة استناداً إلى قراءاتهم في تجارب لكتّاب تُحقّق إصداراتهم الأعلى مبيعاً حول العالم، وبالطبع لم يؤلّف هؤلاء المدرّبون كتاباً واحداً أو حتى نشروا مقالاً في صحيفة.

في كتابه ذائع الصيت "رسائل إلى شاعر شاب" (1903)، يطلب الشاعر الألماني راينر ماريا ريلكه، منذ الرسالة الأولى، من الشاعر أن يسأل نفسه: "هل أنا حقاً مضطر إلى الكتابة؟"، فإذا كان ردّه بنعم، يوصيه قائلاً: "يمكنك أن تخوض هذا المصير، خضه واحمله على كاهليك، بثقله وعظمته، من دون أن تطلب مقابل ذلك أي أجر أو ثواب يأتيك من الخارج".

تبدو رسالةً/ نصيحة ثقيلة هذه الأيام على "كتّاب" يريدون من الكتابة أن تجلب لهم الأضواء والجوائز والتكريمات واهتمام السلطة بهم و"أتباعاً" و"معجبين" على وسائل التواصل الاجتماعي.

المساهمون