وقفة مع حمادي بن جاءبالله

تقف هذه الزاوية، مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة سريعة حول انشغالاتها الإبداعية وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها.

■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- همّان يشغلان جميع التونسيين: أولهما مسيرة التحوّل الديمقراطي وما يعترضها من مصاعب. رجائي أن نجد في أنفسنا ما يكفي من القوة لمغالبتها. وثانيهما ما صارت إليه القضية الفلسطينية بفعل الضعف العربي.

■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
- آخر عمل صدر لي بعنوان "الزمن المطلق في العلم الميكانيكي النيوتوني: مقاربة إبستيمولوجية تاريخية" وهو كتاب خصّصته لدراسة معاني الزمان المطلق والفضاء المطلق في العلم الميكانيكي النيوتوني في علاقته بمولد حساب التفاضل والتكامل. أما العمل القادم فهو يتعلق بمعاني الثورة الكوبرنيكية في علم الفلك باعتبارها من أهم مفاتيح فهم العصور الحديثة علماً وفلسفة وسياسة.

■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
- اختصاصي الأول هو فلسفة العلوم عامة والعلوم الفيزيائية خاصة. هذا الاختصاص يتطلب على الدوام معاودة الجهد ومواصلة التعلم. وبالتالي فكلما قطعت فيه شوطاً بانت لك منه أشواط بعيدة. ولئن كان ذلك شأن الجميع فهو أظهر في اختصاص فلسفة العلوم الحديثة، لا سيما حين تتناولها من منطلق فيلسوف العصور الحديثة إمانويل كانط.

■ لو قيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- سأختار نفس المسار الذي اخترته وأنا تلميذ في المدرسة الابتدائية.

■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- أتمنّى أن ينجح التحوّل الديمقراطي في تونس لتكون فعلاً لجميع أبنائها، فلا إقصاء من هذا ولا عقوق من ذاك. كما أتمنى أن يفتكّ الفلسطيني حقه في الوجود الحر على أرضه الحرة. فلن يفلح العربي في شيء ما دامت فلسطين مغتصبة. توجد أمانٍ أخرى كثيرة أشترك فيها مع العالم بأسره وتدور كلها على معنى إنجاز الحرية وحقوق الإنسان في المعيش الإنساني اليومي.

■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- طه حسين. فليس ثمة من شغلني كما شغلني ''قاهر الظلام". له في وجداني، قبل فكري، موضع خاص.

■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
- الأصدقاء كثر والحمد لله. أما الكتاب الذي أعود إليه دائماً فهو كتاب ''الأيام''. أجدد اللقاء به مرة في السنة على الأقل لأجدد اللقاء بطفولتي. أما ''نقد العقل المحض'' (كانط) فأعود إليه كل يوم لأواجه زمني.

■ ماذا تقرأ الآن؟
- فصولاً من كتب كثيرة في علم الفلك وفي الطب القديم والوسيط لأفهم بعض الأشياء، منها اتفاق المسلمين على أن النبيّ العربي توفي في الثالثة والستين في حين أنهم غير متفقين على سنة مولده؟ ما سبب هذا الاختيار؟ هل له علاقة بنظرية ''البحران'' التي قال بها الطب الفرعوني - اليوناني (أبيقرط وجالينوس) وورثها أطباء العصور الوسيطة مثل ابن سينا من ناحية، ونظرية الأفلاك التسع التي قال بها قدماء العراقيين والفينيقيين وورثها علماء الفلك حتى عصر الإحياء الأوروبي من ناحية أخرى؟ وإذا كان ذلك كذلك ألا يعني أن مصر والعراق والشام قد حددت منذ آلاف السنين قدر الفكر الإنساني حتى اليوم؟

■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- أستمع إلى الأغاني الكلاسيكية: أم كلثوم وعبد الوهاب وفيروز وعبد الحليم إلخ. وكذلك الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية.. يمكن أن نستمع معاً إلى رباعيات الخيام.

بطاقة: أكاديمي تونسي من مواليد عام 1950، يشتغل ضمن حقلي تاريخ الفلسفة الحديثة والإبستيمولوجيا. من إصداراته: "تكوّن مفهوم القوة في الفيزياء الحديثة" (صدر بالفرنسية، في جزأين عام 2006 وترجم إلى العربية عام 2015)، و"تحوّلات العلم الفيزيائي ومولد العصر الحديث" (1986) و"العلم في الفلسفة" (1986) و"مبادئ المعرفة في نقد العقل المحض" (1997). كما ترجم كتاب "العلم والفرضية" لـ هنري بوانكريه، وله تحت الطبع "تأملات ومواقف في التحولات الوطنية الراهنة" و"الدين تأسيس للحرية".