يوريكا

يوريكا

24 مايو 2016
ياسر صافي/ سورية
+ الخط -

عندما صرخ أرخميدس "يوريكا" أي وجدتها، وكان في الحمام، يقال إنه خرج عارياً يجري في الشوارع مبهوراً بحلّ المعضلة التي أرّقته، وهي أن تطفو سفينة شراعية ضخمة جداً تعادل حجم قصر فوق سطح البحر من دون أن تغرق.

وفي رواية أخرى، معرفة ما إذا كان التاج الملكي المصنوع من الذهب مخلوطاً بالفضة. لم يخترع أرخميدس "قانون الطفو"، فهو موجود في الطبيعة، انزياح الماء وطفوه في حوض الاستحمام، أخذه إلى اكتشافه.

الحقائق موجودة لكننا نتجاهلها حسب قول لألدوس هكسلي، أو أننا لا نسعى إليها، لكننا نجدها في حال بحثنا عنها، قد يتم الأمر بالمصادفة البحتة، وهذا ليس قانوناً، لكنه الاستثناء الذي يؤكد القاعدة.

ترتد الكشوف على الإنسان بالمنفعة، ما يجعل الحياة أغنى وأيسر، وتفتح أمامه آفاقاً لا محدودة سواء على الأرض، ما فوقها وما تحتها، والكون المترامي الأطراف. الأروع معرفة ألا حدود للمجهول، وفي الوقت نفسه نزع الخرافة عنه. ما يؤشر أيضاً إلى عدم محدودية توق الإنسان للمعرفة. وليس من التزيّد القول إن مسيرة الإنسان في الكون هي انتزاع المعرفة من المجهول. وبتعبير آخر إضاءة نزر يسير من الظلام الدامس المحيط بنا.

لكن الكشوف ليست في اتجاه واحد، أحياناً تكون أشدّ ظلمة من الظلام، عندما تذهب إلى اتجاهات مضادة للحياة، أصحاب الكشوف لا يعنيهم سوى الكشف نفسه، لا نتائجه البعيدة، بموجب اعتقاد أن الحقائق تملكها جماعة من البشر، ما يبيح لهم التصرف فيها، اختراع السفن والطائرات، لم يؤد فقط إلى طي المسافات والتواصل بين البشر، بل وإلى احتلال قارات وتسهيل تجارة الرقيق وبداية عهود العبودية، بينما الطائرات ساعدت على قصف مدن وقرى بالقنابل والصواريخ وتسريع عمليات إبادة بالجملة.

وبالنظر إلى مفاعيلها السلبية المدمرة، كأن ما تكسبه البشرية من جانب، تخسره في الجانب الآخر، وما تقدّمه من خير، يتضاءل أمام ما تزرعه من شرور، فالصينيون الذين اخترعوا الألعاب النارية للترفيه عنهم، طوّرها الغرب إلى قنابل نووية، يمكنها اليوم إفناء البشرية.

فالتعطش للمعرفة، رافقه تعطش إلى السيطرة. ما جعل الاكتشافات لا تخفي جوانبها الأسوأ والأخطر، وهي اكتشاف الإنسان لقدراته على ابتداع الشر، وتطويره بحيث يكون أكثر فاعلية، بتحويل ما كان خيراً خالصاً إلى بلاء خالص.

إذا كانت الكشوف تمنح البراءة للكشافة الأوائل، فالتقدّم الحثيث للعلم لا يبيح للمتحكمين به تجاهل رسم مصير البشرية التي تتقدم نحو الهلاك بالسرعة نفسها، النوايا الطيبة للبحث العلمي، لا تسبغ عليه الحصانة، وإنما المسؤولية الكاملة، خاصة وأن روّاده من أرقى العقول البشرية.

والعجيب ألا تُستثنى أحط العقول، من فوائده كالسياسيين الانتهازيين والقتلة المحترفين... وما دامت إنجازاته تجتذب الأخيار والأشرار، سيبقى سلاحاً ذا حدين، وطالما أيضاً إمكانية استغلاله مفتوحة على الحروب، فالسلام أبعد من أن يعم البشر.


دلالات

المساهمون