كتاب جليلة القاضي.. تحت رحمة العُصاب الأمني

05 فبراير 2016
(من خرائط الكتاب)
+ الخط -

لا شئ في ما تفعله الدولة المصرية وأجهزتها الأمنية الآن يمكنه أن يثير الدهشة أو الإحساس بالغرابة. كل شئ أصبح عادياً، بما في ذلك القتل على خاطر الأيديولوجيا أو الجنسية، أو حتى العشوائية. الغرابة تأتي من الاندهاش أو ردود الفعل العقلانية على دولة لا تُدار إلا بعُصابية ورُهاب من كل شيء يتعدّى حدود باترونها الأمني.

الحكاية تخص الأكاديميا هذه المرة، وتحديداً مع المعمارية والباحثة جليلة القاضي التي احتجزت الجمارك المصرية نسخاً من كتابها الصادر بالإنجليزية "Cairo, center in movment" أو "القاهرة، مركز في حركة دائبة"، بحجة مخالفة الأمن القومي.

بحسب ما كتبت الباحثة المصرية على صفحتها الشخصية في موقع فيسبوك، فإن الكتاب "يحلّل تطوّر القاهرة تحت تأثير ترحال الطبقات العليا والأنشطة السائدة"، لكن إدارة الجمارك قرّرت إعدام الكتاب الذي يحوي خرائط لمصر "لأنها على حدّ قولهم، مسألة أمن قومي"، كما كتبت القاضي.

القصّة من المضحكات المبكيات، ككل ما يحدث في مصر هذه الأيام، خصوصاً مع معرفة أن الخرائط نسبتُها واحد لمليون، أي أنها لا تقول شيئاً في الحقيقة سوى لأغراض بحثية محدّدة، ولا تتضمّن غير شبكة المدن الكبرى.

لكن شيئاً آخر ظهر في الأفق أوضحته الباحثة في تعليق آخر على صفحتها يتعلّق بخلوّ هذه الخرائط الدقيقة من مثلّث "حلايب وشلاتين" الحدودي مع السودان، كما قيل لها. تحاجِج الباحثة بالنسبة الدقيقة جدّاً لخرائط كتابها الذي وُزّع في مصر قبل هذه الحادثة، "وتقريباً نفدت نسخه"، كما أوضحت.

ردود الفعل القليلة على كلام القاضي تفاوتت ما بين مندهش أو مستفسر عمّا جرى، لكن الأكثر كوميدية من بين هذه التعليقات هي التي حاول أصحابها التدثّر بثوب الحكمة، فيما لم تكن تعليقاتهم في حقيقة الأمر سوى ارتياب مجّاني مهجوس بالفكرة الأمنية للحفاظ على الدولة.

لعّل الهزلي فعلاً والمثير للسخرية هو أن كثيراً من الخرائط الحكومية تخلوأصلاً من هذا المثلّث الحدودي، كما أن الكتاب لا ينشغل بفكرة الحدود، كما تؤكّد القاضي.

لا جديد في الدولة السيرك، والجهل وحده ليس السبب. هناك قبلاً حالة من العُصاب تتفشّى في هيئاتها وأركانها وتنتقل بالتبعية إلى مؤيّديها. ثمّة رهاب من كل شيء، حتى ولو كان كتاباً أكاديمياً.. وبالإنجليزية التي لا يُجيدها معظم المصريين.

المساهمون