مشهد أخير

مشهد أخير

09 مايو 2022
(من أحياء مدينة خاركيف الأوكرانية التي دمرها الجيش الروسي، Getty)
+ الخط -

بدأ التصوير. المشهد حَيّ، وقد تكرّر على الشاشات في حياتنا القصيرة كثيراً، من غير أن يفقد بريقه. جاء المخرج إلى موقع تصويرٍ مُنجَز، معه كاميرات ومصوّرون وتحت إمرتهِ طائرة، ذلك لأنّه مشهد مدينةٍ مدمّرة، صارت مألوفةً رؤيتُها مع اختلاف البلدان.

المشهد سَهلٌ إذن، ولا يحتاج إلى ممثّلين، حتّى أنّ المخرج فيهِ مجرّدُ مؤدٍّ، وليس له بالضرورة عبقرية رومان بولانسكي وهو يصوّر تنقّل وتيهَ وذُعر أدريان برودي بين الخرائب في فيلم "عازف البيانو". باختصار، مشهد الدمار مشهدٌ منتهٍ لحيواتٍ منتهية، وهو مشهدٌ أخير، خالٍ من الممثّلين، ذلك لأنّهم إمّا رحلوا قبل أن تسقط البيوت، أو أنّهم تحتها.

ومن منظار الكاميرا المحمولة بالطائرة، فهم غير موجودين، وسواء أنّهم رحلوا أو رُدِموا مع حجارة البيوت وحديدها، سواء خرجوا قبل القصف أو لجأوا إلى البيوت من القصف؛ كلّها احتمالات لا تلحظها كاميراتٌ محمولة بالطائرات. إذ تنوبُ الأبنية السكنية والمسارح وقاعات السينما المدمّرة عن البشر في أداء الأدوار الأخيرة. بينما البشر، في مدنٍ بعيدة، يجلسون على أرائك مُريحة أمام الشاشات في الأبنية السكنية وفي المسارح وفي قاعات السينما، يتفرّجون مشدوهين على الخراب، وربّما يشعرون بالإثارة إزاء المشهد الأخير الذي صنعوه في مكانٍ ما من المعمورة.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية

المساهمون