"مانيفستو اليسار التونسي": سؤال المستقبل

27 مايو 2023
من "انتفاضة الخبز" في كانون الثاني/ يناير 1984
+ الخط -

لا يخوض كتابُ "مانيفستو اليسار التونسي" في تاريخ اليسار ونشأته في تونس، بقدر ما يهتمّ بتقديم مراجعات نقدية وبمحاولة بناء صورة بانورامية عنه؛ من خلال رصد إشكالاته ومآزقه واستشراف مستقبله، وطرح أسئلة عن علاقته بمفاهيم مثل الثورة والحرية والديمقراطية والعمل النسوي والحقوق الفردية وحقوق الإنسان، إضافةً إلى علاقته بـ"الإسلام السياسي".

يضمّ الكتاب الجماعي، الصادر حديثاً عن "جمعية المفكّرة القانونية" في تونس، مجموعةً من المقالات والبورتريهات المكتوبة بلغة صحافية، والمدعَّمة بصُوَر ورسومات بيانية حول الحركات اليسارية التونسية وتسلسلها الزمني. وهو ينقسم إلى أربعة محاور أساسية؛ تناول أوّلُها "اليسارَ التونسي كمفهوم وكيان وهوية"، وأضاء الثاني على مسألة "اليسار والديمقراطية ومنظومة حقوق الإنسان"، وبحثَ الثالثُ موضوع "اليسار وديناميات الفعل السياسي"، بينما تضمّن الرابعُ شهادات لمناضلين يساريّين تونسيّين.

خلال جلسة لتقديم العمل في "فضاء الريو" بتونس العاصمة الخميس الماضي، قال ياسين النابلي، وهو مُنسّق الكتاب، أنّ الكتابة مُجدَّداً عن اليسار التونسي تأتي انطلاقاً من تراجُعه التدريجي في الحياة السياسية، خصوصاً بعد أن فقد وزنه الانتخابي في 2019، مضيفاً: "يعيش هذا التيار الأيديولوجي انتكاسةً، ويكاد أن يكون كياناً هامشيّاً في ظلّ الوضع العامّ الذي تعيشه تونس"، كما أشار إلى منطلق آخر؛ يتمثّل في مرور أكثر من قرن على هذه "التجربة التي لا تزال مُغريةً بالبحث"، وفق تعبيره.

واعتبر النابلي، وهو ناشطٌ يساري، أنّ اليسار في تونس يمرّ اليوم بصعوبات عدّة؛ من بينها تعدُّد القوى اليسارية وانقسامُها بعد 25 تمّوز/ يوليو 2021، مُضيفاً: "لا يمرّ اليسار بتحدّيات سياسية وفكريّة فحسب، بل بتحدّيات وجودية أيضاً".

وهذا الرأيُ سيلقى تأييداً خلال الجلسة؛ إذ رأى أغلب المتدخّلين أنّ اليسار فشل في "الالتحام بالجماهير" لأنه ظلّ "نخبوياً"، رغم حضوره في كلّ المحطات النضالية؛ ومنها "أحداث الخبز" في الثمانينات و"أحداث الحوض المنجمي" والأحداث التي شهدتها تونس خلال الثورة وبعدها.

مانفيستو اليسار التونسي
من الجلسة

من جانبه، اعتَبر الباحثُ والمترجم والناشط اليساري، هشام عبد الصمد، الذي شارك في الكتاب بمقال عنوانُه "علاقة اليسار بالإسلام السياسي أو النزاع العالق"، أنّ اليسار و"الإسلام السياسي" في تونس التقيَا في ما عُرف بـ"هيئة 18 أكتوبر 2005"؛ حيث جمعهُما "صراعٌ فكري إيجابي"، لكنّ ذلك لم يستمرّ بعد الثورة رغم التقائهما مُجدَّداً خلال كتابة دستور 2014. وتساءل عبد الصمد: "لماذا سلّط اليسار الضوءَ على جوانب في الإسلام السياسي ونسي نفسه؟".

شاركت في الجلسة أيضاً كلٌّ من يسرى بلالي، وهي باحثة دكتوراه في الفلسفة الاجتماعية، حيث تحدّثت عن مساهمتها في الكتاب، الذي أضاءت فيه على "المغيَّبات في تاريخ اليسار التونسي"، ضمن ما قالت إنّها مقاربةٌ جندرية حاولت تناوُل تجربة عدد من النساء اليسارياّت اللاتي لم تبرز تجاربهّن النضالية، والناشطة أروى بركات التي تحدّثت، من منطلق مشاركاتها في احتجاجات 2020 و2021، عن مفهوم الشارع الذي قالت إنّه شهد تغييراً كبيراً بعد 2011؛ حيث بات مركز قوّة وفضاءً لاحتجاج مجموعات غير متجانسة أيديولوجياً.

المساهمون