ماذا بعد إجازة "استعبط": العامية في إطارها الفصيح

ماذا بعد إجازة "استعبط": العامية في إطارها الفصيح

07 نوفمبر 2022
"أسرار الزمن"، لـ"إل سيد" أمام أهرامات الجيزة، 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2022 (Getty)
+ الخط -

غالباً ما تكون قرارات مجامع اللغة العربية مثار نقاش وجدل، إلا أنّنا لو دقّقنا في هذا الأمر لوجدنا هذا الجدل والمتابعة مقتصرين على أخبار التعريب أو إجازة الاستعمال، كما حدث مؤخّراً مع إجازة "مجمع اللغة العربية" بالقاهرة، استعمال كلمة "استعبطَ".

فعبْر صفحته على فيسبوك أعلنت "لجنة الألفاظ والأساليب" بالمَجمع، في 25 تشرين الأول/ أكتوبر، أنّ "استعبط فلانٌ فلاناً: تصوَّره أو ظنَّه عبيطاً. وجه الاعتراض: هذا الفعل لم يرد في مبناه ومعناه في المعجمات. وجه الإجازة: جاء في الوسيط: رجل عبيط: أي أبله غير ناضج".

والسؤال هنا، ألا تفتح هذه الإجازة - التي تأتي في سياق "تفصيح العامية" - البابَ أمام المجامع الأُخرى لتعتمد عاميّاتها وتقيس عليها، كما غرّد بعض المستنكرين. لكن في حقيقة الأمر يغيبُ عن بال هذا الاستنكار المأخوذ بعلّة القياس، ربّما أكثر من النحو الذي هو حريصٌ عليه، أنّ الكلمة مُجازة من ذي قبل، وما الجديد هنا سوى الإعلان أو إعادة الإعلان عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل إنّ "مجمع اللغة العربية" بالقاهرة قد أقرّ المفردة في دورته السابعة والخمسين المُقامة في القاهرة عام 1991، وأكّد ذلك في "مجلّد الألفاظ والأساليب" الصادر عام 2000.

التذكير بفصاحة كلمة متداولة جزء من التفكير مع سياق اللغة العام

وبعيداً عن موجات الاستخفاف التي يحرّكها شعورٌ دُوني بالنقص تجاه اللغة العربية، والتي تتعامل مع أي قرار أو اجتهاد بمنطق سلبي، فإنّ الإعلان يُذكّر بمحطّات جادّة ومماثلة لا في تاريخ المجمع فحسب، كما في الفترة التي تولّى فيها المَجمع الناقد والمؤرّخ الأدبي الراحل شوقي ضيف (1910 - 2005) حيثُ عُرفت عنه جرأته وتبنيه لمفهوم التيسير في النحو، ومحاولته إحياء النحو الظاهري الذي أسّس له ابن مضاء القرطبي (عاش في القرن السادس للهجرة).

بل يمكن الحديث عن أنشطة كيانات متعدّدة أو وسائل إعلام، منذ انطلاقة الصحافة العربية في القرن التاسع عشر، وصولاً إلى زمن التدوين والإعلام الإلكتروني، والتي كان لمجامع اللغة دورٌ في تعريب وقبول الكثير من ألفاظها. ففي عام 2014 أجاز مؤتمر المجمع جملةً من الكلمات المُشتقة من فيسبوك - وسيلة التواصل الأسرع والأكثر توفّراً بين أيدي الناس - ومنها: "فُسبُك"، و"فسبَكَ" للتعبير عن نشر نص أو صورة على فيسبوك، و"المُفسْبَك": هو النص أو المنشور. وإن كان لم يُقيّض لمثل هذه الكلمات أن تُتداول، إلا أنّ الإتيان بكلمة متداولة وإعادة التذكير بها، كما في "استعبط"، يدلُّ على أنّ التفكير مع اللغة يجري ضمن سياقات كُبرى، ولا يُمكنُ الحُكم عليه من خلال الأصوات المنفردة، بمعنى آخر؛ هو مجهود يُخاطب الأمّة.

لا يعني ما سبق أنّ الوضع سليم بالمُطلق، وأنّ "كل" جهود المجامع يُحالفها الحظ في أن تكون محوراً لتفكير عمومي، فهذه المؤسسات، وفي أحد وجوهها تستوعب ما تستوعب من الخصوصية، وطالما شغلتها التوجّهات صوب ما هو تقني وإداري، وهذا جانبٌ آخر ينتظر حساسية أعلى من التصادي مع العموم، وإقرار الإجازة فيه.

آداب وفنون
التحديثات الحية

 

المساهمون