في كل فجر

في كل فجر

06 ابريل 2022
لوحة لـ شارل خوري (لبنان)
+ الخط -

كلّ فجر، أصحو في مدينة سانت نيكلاس، مبسوطاً، لأنّ فيروسَين لم يقتلاني بعد: فيروس الوباء وفيروس اللجوء؟

كلّ فجر، في مدينة سانت نيكلاس، أصحو مبسوطاً، لأنّي أتذكر: عمرنا ما جعنا والله إلّا أيام الهريبة إلى الأحراش، زمن حرب حزيران/ يونيو الرهيبة؟

وطوال رحلة العيش، تنقلنا، حسب الظرف، من الذرة إلى القمح إلى الشعير، على اختلاف أنواع كلّ صنف؟

الحمد لله والامتنان لكلّ نعمة عبرت أُفقنا؟ 

إننا، والحق يقال، غالبًا ما كان لدينا خبز في المنزل، وبمرور الوقت، لاحظنا كيف تسببت أنواعُ الدقيق المختلفة التي جربناها وطريقة تخميرها، في إحداث نكهات متنوعة وحتى تناسق؟

بلادنا، مصيرها يأتيها يومٌ، وتعود لأحفاد أحفاد الأحفاد

متى يتم التعبير أيضًا عن طعم البطء والتعديلات الدقيقة، ولكن الملحوظة بطرق أخرى، على سبيل المثال، في إعداد الطعام بدءًا من زراعته؟

لقد مرّ حين من الدهر، فكرسنا أنفسنا لإنبات العدس كل أسبوع، في حديقة المنزل؟ متى يا يالينا، كل يوم نغّير الماء الذي غُمرتِ فيه جزئيًا، كي تشرق شمس المنفى؟

من مجموعة المعرفة المشتركة، من اليخنات المبتكرة، إلى جانب مكونات كل منها، أدخلنا أبجديةَ التراب إلى غرف المنزل؟

كلّ فجر، في مدينة سانت نيكلاس، أصحو مبسوطا، لأنّ الجمال الفلمنكي لم يُطح بصوابي بعد؟

المتعة المكتسبة من إبطاء الوقت، والفضول لتجربة أطباق الاستثناء، وكذلك لفك رموز مجموعاتها، في الحقل والمطبخ؟ 

وكلما ضاقت، نأكل من حشائش الأرض لا من راتب السوسيال (مقداره يورو واحد لليوم)، فلقد أعطانا خيرُ الأرض الكثير، وهي حمتنا، ودللتنا، وأعادت إلينا شهوانية الحياة، في لحظات من العجز العميق؟

كيف أدى اندماج المكونات التي نختار أن نجرّبها ونتذكرها في هذه الأوقات، إلى تغيير أذواقنا؟ 

ما هو الشوق الذي تتطلبه الظروف، ودرجات الحرارة التي يتطلبها كل مكوّن من مكونات اليخنات، حتى تنبت أسرارها؟ 

ما الماضي وحقول الزراعة الناشئة هناك؟

في الحقول، لا أعرف كيف أميز العاطفة عن العناصر الأخرى من النبات؟

وبالإضافة إلى كونه مكوناً قاراً فيك، فإنّ الرغبة في الاهتمام بالآخر، وتخفيف آلامه، ومشاركة أفراحه، والتواطؤ مع روحه، هي أيضاً الحركة التي تطبخ؟ المودة فعل والحبّ رزاق؟ هي فعل شم رائحة النعناع أثناء فصل أوراقه عن الساق؟ والحبّ رزّاقك من حيث لا تحتسب؟

قبل كلّ شيء: قبل طحن القرفة مع القرنفل والكمون والفلفل الأسود، وتقليب الثوم مع البصل فوق الزيت، قبل إضافة الطماطم، فإن المودة هي الدافع الذي يعيد الحياة إلى الموقف المتطرف؟

هل تعلمنا في هذا الوباء أن نتكيف مع الأذواق وخلق ظروف مبهجة في خضم المواقف القاسية، لكننا لم نكن الوحيدين من نطبخ المشاعر، ونطبخ من المشاعر في اللحظات القصوى، بعض القصيد؟

كلّ فجر، أصحو في مدينة سانت نيكلاس، مبسوطاً، لأنّي لا ممكن أنسى أنّ الله أكبر وأكرم؟ أنّ بلادنا، مصيرها يأتيها يومٌ، وتعود لأحفاد أحفاد الأحفاد؟


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية

المساهمون